خامنئي يعزي بوفاة رئيسي ويعلن الحداد 5 أيام    بيان توضيحي من وزارة الري حول سد مروي    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مسئول إيراني لرويترز: وفاة الرئيس الإيراني في حادث تحطم المروحية    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    الجنرال في ورطة    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة بلدين تحاصرهما الأزمات ...!!!
نشر في الصحافة يوم 09 - 07 - 2011

(الجنوب دولة كاملة السيادة) كلمةُ فصل قالتها السياسة اليوم، متحدية جغرافية متداخلة المناخات وتاريخاً مشتركاً يجمع بين شعوب وثقافات متباينة، اختلفوا حول كل شئ الا انهم لم يتنازلوا عن كونهم «سودانيون» ولن يتنازلوا قالها من قبل رئيس لجنة حكماء افريقيا لشركاء نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بمفاوضات اديس لترتيبات ما بعد الاستفتاء اكتوبر العام الماضي عندما طالبهما باعطاء التاريخ فرصة قبل ان يفترق الشمال والجنوب، ومتى وقع الانفصال فان علاقتهم ستكون وثيقة، واضاف إنهم « درسوا جنباً إلى جنب في مدارج الجامعة، وتزاملوا في الخدمة في مؤسسات واحدة، ورقصوا للحن يعزف ذاته» ، وإذا انفصل الجنوبيون فإنهم لن يغيروا بذلك لا حقائق الجغرافيا ولا اتجاه مسيل النيل، فهذه الارض شعوبها تغنت للوحدة والانتماء،لكنها اليوم حصدت مابذره السياسيون ومشاريعهم وتقاسموا السودان اسما يميز الشطرين.
يحفظ التاريخ ان السودانيين رفضوا الانفصال كحل منذ الاول من يناير1956م وقبله، وخاضوا بسببه حربا ضروسا عمرها عمر استقلالهم ، وتمسكوا بالوحدة طول سنوات حكوماتهم التي تعاقبت على سدة الحكم عسكرية كانت أم ديمقراطية، وحتى الحكومة الحالية برئاسة عمر البشير كانت تصر على الوحدة تارة عبر البنادق ومرة اخرى عبر الحوار لكنها ايضا كانت اول من دفع باهل الجنوب الى البحث عن خيار الانفصال او اقامة وحدة على اسس جديدة كخيارين جاءت بهما نصوص نيفاشا.
ما يجب قوله الآن هو ان تباين المشاعر شمالا وجنوبا لن يغير من الواقع شيئاً، (انشطر السودان) هي حقيقة اليوم، فالسودانيون الموزعون وفقا للجغرافيا الجديدة يعلمون هذا الامر جيدا ، ويتفقون على ان دولتيهما الجديدتين تحاصرهما الازمات ، مهما اجتهد الساسة لنفي ذلك ، فاستقلال الجنوب لن يؤثر على دولة واحدة فقط ، بل على دولتين، هذا ما تقوله فرضيات الواقع فالدولة الوليدة ستواجه عدة تحديات تتمثل في ( غياب البنية التحتية ، الفساد، خلافات دستورية و مليشيات مسلحة منشقة تثير الذعر والقلاقل) لكن الدولة الام ايضا لن تختلف عنها في شئ وستكون في وضع مأساوى تماما من حيث الضعف فحكومة الشمال عليها أن تبحث عن تدابير لتغطية فاقد عائدات النفط ، وأن تواجه القتال المتواصل في إقليم دارفور إضافة إلى الاشتباكات التي اندلعت أخيرا بجنوب كردفان، وربما تلك التي قد تندلع في أماكن أخرى فنذر الحرب تحاصر ولاية النيل الازرق ، وهناك ابيي الخلافية احد الازمات المشتركة بجانب الحدود بينهما مع ذلك سيفرح الجنوبيون بجنون ومعهم بعض الشماليين من دعاة الإنفصال ، لكن لن يكون بمقدور احد حصر عدد القلوب الحزينة الموزعة بين ارجاء الوطن الكبير، سيفوق الجنوبيون بعد حين من نشوة الانفصال امام وطن تحاصره متطلبات جمة قالها من قبل عضو مجلس الشيوخ الامريكي جون كيري ، لكن الآن دعونا نتمعن الصورة مليئا ونتلمس طريق الدولة الوليدة التي تحمل الرقم 193 بين دول العالم و55 بالقارة السمراء ، تشير الامم المتحدة الى أن دولة السودان الجنوبي ستولد وبها سبع ميليشيات داخلية متمردة تحاول اقتلاع نظامها القائم منذ انتخابات ابريل عام 2010م بسبب اتهامات المحسوبية والفساد والشمولية، بجانب مجموعات معارضة اخرى ابرزهم الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي التي يتزعمها الدكتور لام اكول اجاوين احد قيادات الحزب الحاكم بالدولة الوليدة قبل انشقاقه الثاني منتصف الفترة الانتقالية التي شغل فيها منصب وزير خارجية السودان ضمن حقائب الحركة الوزارية، وهو متهم ضمن المجموعات المسلحة بتلقي الدعم من الخرطوم حسبما يقول قادة الحركة الشعبية لزعزة الاستقرار بالجنوب، واخبرني رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت في جوبا عند زيارتي في فبراير الماضي ان الخرطوم هي من تقف خلف زعزعة استقرار الجنوب، وفي ذات الموضع قال احد اعضاء المكتب السياسي للحركة مفضلا حجب اسمه ان امر المليشيات يمكن حسمه عقب التاسع من يوليو، اي بعد اعلان الدولة وتابع قوله « عندما نفك ارتباطنا من الخرطوم يمكن ان نحسم امرهم» لكن حقائق الارقام اليوم تقول ان مليشيات الجنوب قادرة على احداث مايمكن ان يعكر صفو الدولة الوليدة ، وسيجدون السند حتى من الداخل فالخلافات حول ثلاث قضايا جوهرية لازالت قائمة، المشاركة في السلطة بجانب الدستور الجديد للدولة وهناك الفدرالية التي تطالب بها الولايات ، ويعضد ذلك ما كتبه المحلل السياسي بروفسير الطيب زين العابدين في مقال سابق مشيرا الى ان العنف بالجنوب مرشح للتصاعد لأن السمة القبلية لأجهزة الدولة النظامية والمدنية ستصبح أكثر وضوحاً واستفزازاً للآخرين، بجانب دخول بعض القادة العسكريين السابقين بالجيش الشعبي الى الحلبة قوامهم من الذين لم يرتضوا الهزيمة في الانتخابات الماضية بدعوى أنها مزورة وغير نزيهة في اشارة الى اللواء جورج أتور وديفيد ياويو وقلواك قاى الذين قادوا تمرداً مسلحاً ضد حكومة جوبا في ولايتي جونقلى والوحدة، ولم تستطع حكومة الجنوب أن تخمد تمرد هذه المليشيات عسكرياً أو سياسياً وبدأت تلوم المؤتمر الوطني أنه يقف من وراء تلك المليشيات. الى جانب ذلك فان دولة الجنوب ستبدأ حياتها كدولة مستقلة في منطقة بها اضطرابات سياسية يمكن أن تتحول الى عمليات سفك للدماء وعنف متصل تذكيه الحدود المفتوحة والمرتبكة بالمنطقة ، فلايمكن ان نغفل عن الحرب المدمرة التي خاضتها اثيوبيا واريتريا المجاورتان في اواخر التسعينيات بعد انفصال اريتريا، بجانب التفجيرات التي تسببت بها أعمال العنف في كينيا عقب انتخابات ثارت حولها نزاعات اواخر عام 2007 ، والتفجيرات الانتحارية التي هزت العاصمة الاوغندية خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 . وتتمركز الجماعة المتمردة التي أعلنت مسؤوليتها عن تلك التفجيرات في الصومال وهي الدولة التي لا توجد بها حكومة مركزية فعالة منذ نحو عقدين، وقبل ان نمضي قدما هل تذكرون جوزف كوني ؟ فجيش الرب الذي يتزعمه الرجل ينشط وبشكل كبير على الحدود بين الجنوب ويوغندا وعدد من التقارير اشارت في الفترة الماضية لتغلغه في اماكن متفرقة من الجنوب ، بيد ان مستشار رئيس حكومة الجنوب تيلار دينق رينق يقلل من فعاليته في المستقبل باعتبار انه يعود لتداعيات الحرب وحالة العداء بين يوغندا والخرطوم ودعم الاخيرة للمتمردين المناوئين لكمبالا لافتا الى ان الامر سينتهي مع إعلان الدولة الجديدة في الجنوب ويضيف _ بعدها لن يجد جيش الرب مبرراً للبقاء في أراضينا لأنه لن يحظى بالدعم والإسناد كما كان يحدث من قبل من حكومة الخرطوم أو من حكومة جوبا_ بسبب العلاقات القوية التي ستحكم الشمال والجنوب وتدعوهم لعدم تشجيع أي توجه نحو الفوضى على حدودهما المشتركة ، لكن محللين وعمال اغاثة اجمعوا علي ان الاستقلال قد يشجع الميليشيات المتمردة في جمهورية السودان الجنوبي الجديدة على تصعيد المواجهات في وجه الحكومة التي يصفونها بالفاسدة والشمولية، ويضيف الكاتب والمحلل السياسي بروفسير الطيب زين العابدين في حديث ل»الصحافة» امس للقول ان انفلاتات الجيش الشعبي بجانب الصراعات القبلية العنيفة تعتبر اسباباً محورية تهدد الدولة الوليدة ، بالاضافة الى ضعف الحكومة وقلة خبرتها ويقول الطيب « اخشى ان تتكرر تجربة الفشل في ادارة التنوع بالجنوب كما فشلت في السودان الكبير، بسبب قلة خبرة الحزب الحاكم في ادارة شؤن الدولة» قبل ان يقول إذا كانت هناك اختلافات عرقية وثقافية بين الشمال والجنوب دعت الجنوب إلى الانفصال، فإن الجنوب ليس قومية واحدة ولا ثقافة واحدة فهو متعدد العرقيات وبعض تلك القبائل تتطلع إلى الخروج من هيمنة قبيلة الدينكا التي تسيطر على أية حكومة إقليمية في الجنوب بحكم حجمها السكاني ويمضي في وضع روشته للحل شدد على ضرورة العمل بها كشرط للاستقرار على رأسها احسان ادارة التنوع اقتسام السلطة والثروة بجانب الاهتمام بالولايات الاقل نمواً بجانب ضرورة تحول الجيش الشعبي الى جيش دولة برؤية واسعة ومشاركة مع الآخرين . من هنا يمكن ان ننظر الى ما يعنيه مابعد التاسع من يوليو بالجنوب، لكن قبل ذلك ايضا فشركاء وطن الامس بالشمال لن يكونوا بمعزل عن تلك الازمات او خارج دائرتها فالطيب يشير الى امكانية ميلاد جنوب جديد بالشمال مالم تحل قضايا الخلاف بالشمال ويسمى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان التي تشهد مواجهات بين الحكومة ومقاتلين من ابناء الولاية المتحالفين سابقا مع الجيش الشعبي وهو ما تتفق حوله تصريحات سابقة لكل القوة السياسية بالشمال بما فيها الحزب الحاكم بان المواجهة قد تستعر اكثر مما هي عليه على الارض. ويقول مراقبون ان ما انتهى عليه صراع الجنوب كفيل بان يغري المقاتلين في اقليم دارفور ويحفز المناطق المهمشة للسعي من اجل حصد ذات المكاسب ، ويلفت الكاتب والباحث السياسي منتصر ابراهيم الزين الى ان استمرار النهج القديم سياتي بذات الدوافع التي قادت لانفصال الجنوب ويضع الاسباب ماثلة امام كل اتجهات البلاد « جنوب كردفان النيل الازرق واقليم دارفور» ويزيد فهي لا تختلف كثيرا وواهم من يعتقد ان مابين دارفور والخرطوم من نزاع يختلف عن جوهر الصراع التاريخي بين الشمال والجنوب ، ويعيد «الزين» الامر الى طبيعة التكوين بالكامل مشيرا الى ان الاستقطاب والاستقطاب المضاد في اقليم دارفور و ترك سقف النزاع مفتوحاً لا محال ان يؤدي في النهاية لذات النتائج التي نحصدها اليوم من الجنوب ، لكنه يرهن كل ذلك بمدى تغيير السلوك السياسي بالنسبة للشمال «النظام الحاكم» لان التجربة السياسية فشلت بالكامل مما يعني ان التغيير هو مطلب حتمي في بنية ونظام الدولة ككل وليس الحكم وهو السبيل الوحيد الذي يأتي بالحلول ، بيد ان محدثي بروف الطيب يصمم على ان طريق ايجاد دولتين دون ازمات يبدأ بالبحث عن حلول للقضايا الداخلية اولا ويصف الامر بانه نقطة الانطلاق لانه سيوحد الجبهة الداخلية ويغلق ثغرات التدخل الاجنبي ، ويرى انه رغم الصعوبات يوجد حل « لان النتائج غير المشجعة تبعث بالامل وتعطي دفعاً اكبر « على حد قوله ولازال الحديث للطيب زين العابدين « لكن تجارب الشريكين في التعامل منذ نيفاشا لاتعطي مؤشراً جيداً « ويشير الى ان الطرفين حتى اللحظة لم يحسموا امر النفط وهو من مصلحتهم الاثنين ، لكنه يرد الامر الى قصر النظر بين الجانبين والتشفي رغم التصريحات التي تنادي بالتعاون الا ان ارض الواقع تكذبها لافتا الى ان تصريحات الجانبين النارية تصدر بلا تصور ولا خطة ويعدد بعض المشتركات من روابط ومصالح ونفط بجانب شريط حدودي طويل ومئات الآلاف من الرعاة والثروة الحيوانية يمكن البناء فوقها لانتاج علاقات جيدة.
لكن اكبر المهددات التي قد تواجه الشمال والجنوب تتمثل في الحدود التي تعتبر الاطول بين الدولتين وتشكل أكبر هاجس بينهما فلجنة ترسيم الحدود حتى الآن فشلت في الاتفاق على 20% من حدود الاول من يناير1956م وهي مناطق مأهولة بالسكان والمواشي والثروات الطبيعية والاراضي الزراعية يصعب الاتفاق حولها بين الجانبين واي تسوية تحدث ستكون مهددة من قبل سكان الأرض ان خالفت رغباتهم وتطلعاتهم مما يعني ان ما تقرره السلطة الحاكمة في الشمال أو الجنوب يصبح غير نافذ الا بعد موافقة من يقطنون الارض، وليس الوضع بالأفضل حالا فى أبيى المتنازع عليها بين طرفى البلاد، التى هجرها عقب سيطرة القوات المسلحة أكثر من 113 ألف مدني. هذا بخلاف الصراعات القبلية بين مكونات الدولة المرتقبة فى الجنوب، الذى شهد نزوح 117 ألفا ومقتل نحو 1400، خلال الشهور من يناير، تاريخ الاستفتاء على استقلال الإقليم عن الشمال، حتى مايو الماضى. وفى جميع أنحاء السودان، مازال 4.27 مليون نسمة مجبرين على نزوح داخلى، بحسب النداء العالمى للمفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
غير ان الخطر المتمثل في منطقة أبيي التي قبل الطرفان فيها حكم هيئة التحكيم الدولية في لاهاي وظل معلقا بسبب رفض قبيلة المسيرية بحجة تغوله على أراضيها ذات المياه والمراعي التي تتخذها القبيلة الرعوية منذ عقود طويلة لثمانية أشهر في كل عام يعد اكبر مهدد للعنف واعادته مرة اخرى لكن هذه المرة بين بلدين اصحاب سيادة، فرغم الاتفاق الاخير بانتشار قوات اثيوبية على ارض البلدة الغنية بالنفط الا ان السيناريوهات المرسومة تضعها كقنبلة موقوته بين الشمال والجنوب للخلاف حول تبعيتها وتمسك المسيرية بالارض بشدة ، وتأتي المخاطر تباعا فالتضخم والغلاء المعيشي وقلة الاموال هي ما ستقابل الجانبين دون استثناء فالشمال سيصطدم بحقيقة خروج حصة حكومة السودان من عائدات بترول الجنوب الذي يشكل حالياً حوالي 85% من البترول المنتج في السودان، ويبلغ عائده للحكومة الاتحادية حوالي 40% إلى 45% من إيرادات الموازنة العامة، ويشكل البترول «من الجنوب والشمال» المصدر الرئيسي للعملة الصعبة إذ يبلغ حوالي 95% من جملة الصادرات، لكن حكومة الشمال ظلت تقلل من الامر وتعد بمعالجات سريعة لكن الواقع يقول بلا مواربه ان خروج البترول من إيرادات الدولة سيعقد من الوضع الاقتصادي بالبلاد بحساب ان الدولة لا تملك وسيلة لتعويض ذلك المبلغ الكبير، لكن بترول الجنوب يتم تصديره عبر الشمال فهناك من يقول ان الخرطوم يمكن ان تجني من الترحيل والتصفية والتخزين وميناء التصدير اموالا هذا صحيح لكن كل ذلك لن يغطي ربع العائد المفقود، كما أن شركات البترول التي مولت تأسيس تلك الخدمات لها نصيب في عائدها، وقبل ان يخرج نفط الجنوب من ميزانية الشمال نذر الركود في النشاط الاقتصادي لاحت منذ شهور حيث ظهر التضخم الذي نتج عنه غلاء في الأسعار وهبوط في سعر العملة المحلية وشح في العملة الأجنبية، الامر الذي يعتبر الطيب زين العابدين بانه علامة خلل كبير في المعادلة الاقتصادية ، هذا كله بعيدا عن ديون الحكومة الخارجية حيث تبلغ مديونية سد مروي وحده حوالي 600 مليون دولار بجانب الديون القديمة التي بلغت 36 مليار دولار وهناك اخرى داخلية صرفت في تشييد الطرق والجسور في العاصمة وخارجها، مما يشير الى ان الوضع الاقتصادي في حالة حرجة مما يشكل خطورة على استقرار البلاد، بالاضافة الى مشكلة العطالة في أوساط الشباب والخريجين اعتبرها المحللون بانها محفزات قادرة الى ان تقود إلى اضطرابات سياسية ويربط الطيب في مقال له هذه القضية بانها مهدد حقيقي خاصة إذا ما اقترنت بالفروق الطبقية الواسعة غير المسبوقة، وبالفساد المالي والأخلاقي، وبتعاطي الرشوة مقابل كل عمل في الخدمة المدنية، أما الدولة الوليدة فهي لا تعتمد على إيرادات أخرى سوى البترول واموال لدعم عدد من المشاريع المحددة التي تمولها الدول الغربية وتشرف على تنفيذها ، وما يقلق هو شكاوي السكان المحليين بالجنوب من انعدام التنمية رغم الاموال التي تلقتها الحكومة والتي تقدر بحوالي 40 مليار دولار ، مع اتهامهم الصريح للحكومة بالفساد وتبديد تلك الاموال والصرف على الجيش الشعبي وقياداته العليا والصرف السياسي على أجهزة الحركة الشعبية والعاملين فيها، لكن هل سيكون البترول محل اتفاق بين الشمال والجنوب ؟ الاجابة الاولى نعم لكن مع ذلك لازال الخلاف بين الجانبين واسعاً فالخرطوم تستخدم انابيب النقل والمصافي ككرت ضغط على جوبا دون الاستفادة من العلاقة لانقاذ الدولتين بجانب التهديدات التي ستنتج علي الجنوب بسبب اموال النفط فالمحللون يجمعون على ان نهج الصرف السابق سيؤدي إلى قدر كبير من التوتر والاحتقان خاصة إذا كانت الجهات المستفيدة هي أشخاص بعينهم ينتمون إلى قبائل بعينها يمتلكون النفوذ والسلطة، وفي غياب «العدو الشمالي» الذي كان يتهم بعدم الشفافية والتلاعب في أموال البترول سترتد الاتهامات إلى المتنفذين في السلطة الجنوبية، ولن يكون مستغرباً أن تؤدي عائدات البترول إلى اضطرابات سياسية في الجنوب كما سيؤدي انقطاعها إلى اضطرابات في الشمال.
لكن مع ميلاد دولة الجنوب اليوم بعد حرب اهلية امتدت لعقدين من الزمن لن يغادر بعد شبح الحرب السودان المنقسم لتوه الى شطرين ، هذا ما اشار اليه تقرير أصدره ائتلاف منظمات مجتمع مدنى حذروا فيه من احتمال انزلاق السودان مجددا إلى العنف عبر ما اسموه «حرب الجميع ضد الجميع» رغم تنفيذه المراحل النهائية من اتفاقية السلام الشامل ويقول التقرير الذى شاركت فى إطلاقه 22 منظمة مدنية سودانية ومصرية وغربية، ان الوضع فى السودان، أقرب إلى الحرب من أى وقت منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل فى يناير 2005، منبها إلى أنه دون «مشاركة رفيعة المستوى» من المجتمع الدولى تتضمن إجراءات صارمة تضم عقوبات موجهة، فإن احتمالات الاستقرار بين شمال البلاد وجنوبها تبدو قاتمة ، ويقول مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة المشارك في اعداد التقرير الباقر مختار العفيف، فى حديث ل»الشروق» (إن الرئيس السودانى عمر البشير متوتر، ولا يستبعد الحرب، وهو ما ظهر فى تصريحاته الأخيرة حول تقاسم عوائد النفط) . وستتأثر ميزانية السودان سلبا مع انفصال الجنوب المنتج للنفط، حيث تعتمد حكومة الخرطوم على عائدات البترول بنسبة 65% من إيراداتها، مقابل 98% فى الجنوب ، ولم يذهب بعيدا مدير الشبكة السودانية للمراقبة على الانتخابات، منظمة مدنية بجنوب السودان، أدموند ياكينى، في وصفه للمهددات التي ستواجه الجنوب وقال إن التنوع القبلى دون صيغة مقبولة للمشاركة السياسية يعنى «استنساخ نموذج الخرطوم»، ويضع التقرير الاتهامات في وجهة الخرطوم وجوبا باتهام الاولى ب»انتهاكات صريحة لاتفاق السلام»، أما الاخيرة يقول ان الجنوب فيه «انتهاكات لحقوق الإنسان» ، قبل ان يضع توصيات بوقف إطلاق النار، لاسيما فى جنوب كردفان وأبيى، وإيجاد مناطق منزوعة السلاح بين الشمال والجنوب، والضغط لمنع العدوان العسكرى، عبر «زيادة العقوبات الموجهة، وعدم تخفيف الديون، ووقف تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة»، ويشدد التقرير الى بعض المخاوف من تحول الحركة الشعبية إلى حزب أفريقى حاكم، وديكتاتورى«، يحمله الى ذلك تحول أحزاب الاستقلال الأفريقية مع تأسيس دولها فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى إلى أحزاب شمولية ديكتاتورية، اعتمدت على كاريزما زعماء الاستقلال، وقواعدهم القبلية ، لكنه أشار إلى أن «الأوضاع متطابقة بين الشمال والجنوب، بسبب وجود تيارين فى الحزب الحاكم فى الخرطوم، الأول يرى أن النظام عليه التواضع والجلوس مع معارضيه للوصول لصيغة تحافظ على ما تبقى من البلاد، والثانى يرى أن التنوع ليس موجودا فى الشمال بعد الانفصال، لذا يجب تطبيق الشريعة الإسلامية بأكثر الصور تشددا».
ووضع رئيس حزب الامة القومي الصادق المهدي عدداً من النقاط حواها خطاب التهنئة لابناء جنوب السودان بقيام دولتهم قال انها كفيلة بتجاوز ادخال الدولتين في علاقة سلبية قصيرة النظر، من شأنها أن تعرقل التنمية وتضيّق على السلام مطالبا بضرورة الانخراط في علاقة كسبية للطرفين تبني السلام وتعزز التنمية ، وفق النقاط والمبادئ التي طرحها على راسها (الاعتراف المتبادل بين الدولتين الشقيقتين) ، أن يتمتع مواطنو الدولتين بالحريات الأربعة. أن تدار منطقة أبيي من قبل سكانها بشكل مشترك في إطار صيغة وطنية، إلى أن تسمح الظروف بإجراء استفتاء حر ونزيه. شعبا جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق تكون لهما حقوق لا مركزية محددة، ويكون لهم حقهم الديمقراطي في المشاركة في السلطة المركزية، ويتم استيعاب قواتهما المسلحة في القوات النظامية في البلاد من خلال اتفاق طوعي. أن تؤسس شركة قابضة للنفط مشتركة بين البلدين وذلك لإدارة استغلال، وتكرير، ونقل، والتنقيب عن النفط. يتم تحديد حصة الدولتين في الشركة من مواردهما النفطية وأصول البنية التحتية خاصتهما. وتكون صناعة النفط محمية من أية خلافات سياسية ،ضمان حرية التجارة بين البلدين وتأكيد عدم التدخل فيها. ضمان وحماية وصول القبائل للمراعي التقليدية ، تكوين آلية مشتركة لإدارة موارد النيل الأبيض. تفويض القضايا العالقة بين البلدين وخصوصا القضايا الحدودية للجنة حكماء تعطى وقتا كافيا للحل. أن يضمن دستورا البلدين الحرية الدينية والحقوق الثقافية وحقوق الإنسان. التزام مشترك بتطوير النقل والاتصالات والبنى التحتية ، ينسق البلدان حول الشؤون الأمنية، ولا يتدخلان في الشئون الداخلية لبعضهما، وينخرطان في علاقات حسن جوار، وينسقان لدفاع مشترك في وجه العدوان الخارجي ، ويعمل البلدان على تعزيز العلاقات الثقافية، والتعاون في جميع جوانب التنمية الاقتصادية والخدمات الاجتماعية ، تنظم الدولتان لقاءات دورية لسلطاتهما على جميع المستويات بهدف التنسيق وتحقيق المصالح المشتركة ، وشدد على ان الجنوب هو بوابة الشمال نحو شرق أفريقيا، والشمال هو بوابة الجنوب للعالم العربي. وسوف يسعى كلاهما لتعزيز التجارة والتنمية والأمن في الإقليمين مما يلزم البلدين بالتعاون فى الشئون الدولية من أجل تعزيز المصالح المشتركة مع ضرورة ان يعد البلدان بحظر وإسكات اللغة التي تعزز العنصرية والكراهية في كلا البلدين.
تختلف مشاعر السودانيين اليوم اختلاف يماثل تباين ثقافتهم التي فشلوا في ادارتها طوال عمر وطنهم الكبير ، لكن يبقى السؤال المهم هل بعد التاسع من يوليو ستكون الحياة اسعد بين جزأين رفضا الابتعاد عن بعضهما البعض ودفعا بالارواح والدماء من اجل وحدتهما لخمس وخمسين عاما؟ فرضيات الواقع تقول غير ذلك رغم احتفال الجميع بجوبا وحضور اغلبهم وغياب صاحب المقولة البارزة (سودان بس سلام جاء) الدكتور جون قرنق ديمبيور .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.