احاط حواريو الدكتور حسن الترابي زيارة شيخهم للقاهرة بكثير من التقدير والتبجيل ظهرا في الاحتشاد التنظيمي الذي مثّله اعضاء فاعلون جاءوا من عواصم الدنيا الكبيرة ليلتقوا كبيرهم ويشاركونه لقاءاته مع القوى السياسية المصرية وفي التغطية الاعلامية التي سبقت اليوم المضروب الاربعاء 20 يوليو عبر احاديث وتصريحات ملأت الاسافير والصحف تبشر المستهدفين بالمقدم الميمون وتفتح أذانهم لسماع انباء الحدث الكبير بعد وقوعه، الا ان ما يهم الناس من زيارة الترابي للمحروسة شيئان: الأول/ الغرض منها والثاني/ النتائج المتوقعة لها. الهدف المعلن على لسان الترابي نفسه هو عقد لقاءات مع كل القوى السياسية والتيارات الإسلامية والثورية، للتعرف على الواقع السياسي الجديد في مصر، والتعرف على الشعب المصري من الداخل بعد ثورته الشريفة كما قال ونقل تجربة الحكم الإسلامي في السودان للقيادات الوطنية في مصر وتوضيح إيجابياته وسلبياته، والتوضيحات حول هذا الهدف المعلن نجدها عند الناطق باسم حزب المؤتمر الشعبي في الخارج المحبوب عبدالسلام الذي كتب مقالا قبل ثلاثة اسابيع من الزيارة بعنوان (ماذا يريد الترابي من مصر) نشره بمجلة (روز اليوسف) المصرية اشار فيه الى ان (الترابي تحدَّث في محاضرة له في الدوحة قبل شهرٍ أن تجربة الحكم الإسلامي المعاصر فشلت في العالم السُني كما فشلت في العالم الشيعي - إشارة إلي تجربتي إيران والسودان)، يقول المحبوب ان تلك موعظة عظيمة سيحرص الترابي على التركيز عليها (لأن قضية الإسلام والحكم هي اليوم قضية عالمية تهم المسلمين كما تهم غير المسلمين، كما كانت كذلك منذ الصراع علي الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان في الفتنة الكبري القديمة). ولعل هذا الذي افصح عنه المحبوب هو الغرض فالدكتور الترابي ربما وصل الى قناعة بحتمية الدولة المدنية ولا جدوى الدولة الدينية ايا كان مصدرها اسلاما أو أي دين آخر استنادا الى تجربته العملية والعلمية أو استنادا الى تحالفات غير ظاهرة للعيان، فالترابي الذي حرص في الفترة الأخيرة على تكرار الاحكام المستندة على دولة المدينة، ابتداءً من تصريحه بأن (دولة المدينة كانت شورى يتمتع فيها المنافق واليهودي بالحرية فكانوا يتكلمون في الله سبحانه وفي النبي صلى الله عليه وسلم كما يشاءون، يعني ما دام الإنسان يتكلم فرُدّ عليه بالكلام إذا لم توافقه عليه، وقد كان في المدينة «حزب الشيطان» كما في الآية: «أولئك حزب الشيطان». حينها قلنا: لابد أن نرجع إلى أصول الدين.. علينا أن نبسط السلطة اللامركزية ونبسط الحرية اللامركزية والشورى ونقيم مثالا للإسلام) مرورا بحديثه عن أن الدعوة الإسلامية حاولت منذ وقت مبكر الإحياء الروحي للإسلام، لكنها لم تكن تسعي بنفس الدرجة إلي الإحياء الفكري، وانتهاءً بتصريحه بأن (حكماً إسلامياً بدون أخلاق لا فائدة منه)، يبدو انه ينحو وفقا للنظرية الأولى القائلة باستفادته من تجربتيه العملية والعلمية نحو خوض تجربة جديدة في حياته السياسية تتاح فيها الحرية للجميع للعيش في دولة تحترم تنوعهم واختلاف الوانهم والسنتهم وبمختلف مللهم ونحلهم ويريد لهذه الفكرة ان تنغرس عميقا في اذهان الناس فاختار مركز الثقل السياسي والاعلامي القاهرة لتكون محطة اذاعة هذه الفكرة وظلَّ الترابي كما ينقل المحبوب يؤكد أن نهضة الإسلام إذا قُدِّر لها أن تقوم وتستوي فسيبدأ ذلك في مصر لأنها »غنية بالحياة«. ويأتي مصداق هذه الفرضية ان الترابي قال في تصريح له عقب لقائه الدكتور محمد البرادعي - يعتبره الكثيرون الشخصية المرشحة من قبل أمريكا لتولي رئاسة مصر بأن البرادعي جدير بأمانة وقوة السلطة وأنه واسع الأفق واصفا رؤية البرادعى تجاه مصر بأنها احدى الرؤى النيرة، وهو ما يتسق مع الموقف المعلن لجماعة الأخوان المسلمين في عدم ترشيح احد منسوبيها لرئاسة الجمهورية اضافة الى دعمها السابق للدكتور البرادعي، وياتي مصداقها ايضا من خلال اشادته عقب لقائه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بدور الأزهر الشريف، وتأكيده أن مصر والأزهر الشريف لهما مكانة عظيمة في قلوب الأمة العربية الإسلامية، ومعلوم ان الأزهر اصدر وثيقة في يونيو الماضي تطالب بدولة ديمقراطية على أساس دستور توافقي وتدعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة . ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف فى الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس وقبل ان نتجاوز محطة الهدف من الزيارة لا بد من الاشارة الى هدف يقع على طرف قصي من الزيارة حيث كانت بعض وسائل الاعلام اشارت الى مبادرة يتبناها الاخوان المسلمون للجمع بين المؤتمرين الشعبي والوطني يمثلهما الترابي وعلي عثمان لتصفية الأجواء بين الطرفين المتناحرين منذ سنوات الا ان ما اتضح لاحقا ان تحقيق التقارب بين المؤتمرين الوطني والشعبي بعيد المنال فقد امتنع علي عثمان عن زيارة القاهرة في هذا التوقيت المتزامن وطالب سفير السودان في القاهرة كمال حسن علي ان لا تعطى زيارة الترابي حجما أكبر من حجمها وقال الامين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر المحامي أمس انهم لن يقبلوا بوساطة ثنائية، فالوطني قدم نموذجا سيئا ويجب ان يرحل. اذن ما هي النتائج المتوقعة للزيارة اذا كان هدفها الأول تدشين مرحلة الانتقال الى الدولة المدنية، الملاحظة الأولى ان مصر الرسمية لم تكن مهتمة بالرجل بل حرصت على ابلاغه في المطار رسالة مفادها انك ما زلت محظورا من دخول مصر وعليك الانتظار حتى نفك حظرك وحظر نائبك الدكتور علي الحاج ثم خلا البرنامج المعد من أي موعد لقاء مع قادة المجلس العسكري أو مجلس الوزراء المكون والذي ما زال يكوّن بأمر شباب الثورة، وكان الترابي حريصا على لقاء المجلسين كما قال بذلك مدير مكتبه عوض بابكر لصحيفة (المصري اليوم) حين تحدث عن رغبة لدي الدكتور حسن الترابي لإجراء لقاءات مع المجلس العسكري ومجلس الوزراء (الإ أن هذا الأمر لم يتحدد بعد) وان كان الترابي منذ وقت ليس بالقصير لا يعول كثيرا على الرسميين وانما على حركة الشعوب كما يقول دائما الا ان هذه الحقيقة ربما تضعف من النتائج المتوقعة على الأقل على الصعيد الاعلامي المصري الذي حرص عليه المحبوب عبد السلام بقيادته لحملة اعلامية ساهم فيها بالكتابة والتعبئة في الصحف واجهزة الاعلام المصرية وباختياره لصحفيين موالين لشيخه لمرافقته، فما رصده مراقبون بعد انطلاقة الزيارة فإن اهتمام الاعلام المصري بالزيارة كان ضعيفا ولم يزد على حوار وبعض الأخبار بالصفحات الداخلية للصحف. وتأتي ثاني المعيقات في سبيل تحقيق نتائج من الزيارة من ناحية توقيتها اذ يرى كثيرون ان ملامح الحراك المصري لم تتضح معالمه بعد وتحتاج الثورة لمزيد من الوقت كي تتحدد اتجاهاتها ويستبين ضحاها وتقول الخبيرة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية د. أماني الطويل أن توقيت زيارة الترابي غير مناسب حيث قالت للزميل اسامة عبد الماجد إن مصر الآن لا يهمها الترابي في شيء وهي منفعلة بثورتها. أما ثالث وأكبر كوابح تحقيق نتائج من الزيارة ان الشارع المصري ما زال معبأ بصورة الترابي المنكرة التي رسمها له الاعلام المصري ابان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك فضلا عن الصورة الشيطانية التي رسمها له السلفيون داخل وخارج السودان في مواجهة اجتهاداته وارائه الدينية التي يطلقها من حين لآخر ما تزال عالقة باذهان الكثيرين ومن ارائهم (ان الترابي اصبح ينتهج نهج المعتزلة ويقدم العقل على النصوص ويجب ان يواجه مواجهة شرعية اما التوبة وإما يحاكم محاكمة عادلة باعتباره اصبح عبئا ثقيلا على الدعوة ويثير ما يرتضيه النصارى من تخرصات). في مقابل هذا فإن الترابي ربما يخرج بالنتائج التي يريد وهي أن يلقي بسهمه المفروض وواجبه في تبادل الرأي مع فئات وشرائح الشعب المصري كافة، وكما يقول المحبوب فإن قيمة الترابي ليست فقط فيمن يؤيدونها ويصطفون أعضاءً في حزبه، ولكن في تجربته الفكرية والعملية. وفوق هذا وذاك، ربما يكون الترابي قد حقق التحامه بدعاة الدولة المدنية، مبلغا الغرب بذلك عن طريق مصر.