في الدوحة اليوم تجري حوارات بين الأطراف الدارفورية بعد مضي اكثر من اسبوع لتوقيع حركة التحرير والعدالة وحكومة السودان على ( وثيقة الدوحة لسلام دارفور ) وهي وثيقة مفتوحة لكل الاطراف المسلحة والمدنية والاهلية واعلان بروتوكول شراكتهما في السلطة على المستويين القومي والاقليمي . ان طبيعة تلك الحوارات تتركز حول ماهي الوسائل الممكنة التي تجعل من منبر الدوحة آخر منابر البحث عن سلام شامل وقابل للاستدامة في دارفور وبتراضي كل الاطراف . ان اعداد المشاركين في تلك الحوارات في تزايد مستمر ليس فقط في الدوحة ولكن في مدن اخرى في افريقيا واوربا ، اما مداخل تلك الحوارات فتنتهي الى التداول حول انشغالات الاطراف غير الموقعة بالنظر الى ضرورة توفير فرص رفع سقوف الحقوق الدارفورية وبضمانات كافية ، ثم تحقيق شمولية الاتفاق بين الاطراف بالتوافق على مايزيد من وحدة قيادات المستقبل لدارفور في الحركات المسلحة . ان المراقب للحالة الدارفورية وهي محل تداول بين الاطراف يجد صعوبة في تعريف منطلقات كل لحلها ، وان بدت ملامح الاهتمام والجدية لدى كل الاطراف بخلفية انه لا مناص من الحوار الذي يفضي في خاتمة المطاف الى مخاطبة الوجدان المشترك للدارفوريين كسودانيين مؤسسين للحالة السودانية العامة . ان الطرف الحكومي مازال يعتقد مكابرا» ان الازمة الكارثية في دارفور هي نتاج نزاعات اهلية محلية ، والحكومة تبذل جهدها ان تكون وسيطا» بين الاطراف المحلية ، بيد ان احدا من غيرممثلي الحكومة لا يكاد يمتثل لهذه المقولة . ان الحكومة تفسر لمواطنيها ان التفاوض بوساطة دولية انما هو مأزق تسعى للتخلص منه بتدابير امنية وادارية وسياسية ولكنها جميعا ظلت تثير المزيد من النزاع ، حتى إذا ما وقعت وثيقة الدوحة اصبحت الحكومة في حالة اعتراف بما يجب ان تقوم به من اجل سلام سيظل تحت الاضواء الدولية والاقليمية لزمن طويل . من ناحيتها فإن عناصر في الاطراف الدارفورية ظلت ترى ان اساس النزاع مجمل في نية المؤتمر الوطني وحكومته تحطيم اوضاع التعايش التاريخي لصالح عناصر معتدية وبعضها اجنبية ، وتلك العناصر لاتملك غير ادانة المؤتمر الوطني وتشجيع كل الدوائر للقصاص منه دون الحاجة الى حيثيات . ان اطراف النزاع الدارفورية لم تكن تقبل رأيا آخر للحل ، فأصرت كل الاطراف على الحرب المباشرة ورفض اي وساطة محلية او اهلية او وطنية ، وكل طرف ينتظر ان يعلن انتصاره على الآخرين جميعا « . مع تصاعد النزاع وانتهاك حقوق المدنيين اضطر المجتمع الدولي وبقدرات اقليمية تأسيس وساطة مدعومة عسكريا» لحماية المدنيين وتشجيع الاطراف للوصول إلى تسوية وانهاء النزاع . على خلفية تجارب الدول الأخرى فإن ثماني سنوات لا تبدو وقتاً طويلا لإنهاء النزاع ، ولكن رغبة المجتمع السوداني في العموم للسلام وحاجة المجتمع الدارفوري للاستقرار هي التي جعلت اطراف النزاع تمتثل للتفاوض والحوار لصالح التعايش والتنمية والمشاركة في السلطة والثروة بترتيبات امنية ودعم مجتمعي بالحوار والتشاور الدارفوري . لقد استطاعت الوساطة الافريقية ومن بعدها الوساطة المشتركة واخيرا الوساطة الدولية القطرية ان تبني على تلك المرجعيات مستفيدة من تجربة اتفاق السلام الشامل . انه برغم كل الصعوبات فقد استطاعت الاطراف ان تقبل جهود الوساطة وتطوير تجربة التفاوض والقبول بتبادل الثقة وان لم تتوفر بصورة مشجعة في كثير من الاحيان . على قاعدة المبادرة الافريقية العربية ، تبنت دولة قطر اميرا» وشعبا» تمويل العملية السلمية لدارفور وحمايتها بالمشاركة في الوساطة نفسها . بعد نحو عامين ونيِّف استطاعت الوساطة الدولية القطرية الوصول باطراف التفاوض الى وثيقة الدوحة للسلام في دارفور ، وهي وثيقة مازال الكثيرون في حاجة للاطلاع عليها والنظر في سياقات تطبيقاتها بامل اغلاق ابواب ونوافذ الحرب بالعدالة والديمقرايطية معا . على ان توقيع الحكومة وحركة التحرير والعدالة قد فتح منافذ جديدة للحوار بين الانداد الدارفوريين في الحركات المسلحة ، حول امكانية قبول الوثيقة وامكانية تطبيقها بأسس سليمة على الارض وبضمانات كافية ؟ ام هي في حاجة إلى تعديلات وفتح الحوار حولها بقصد التطوير ؟ وهل قفل ابواب الحوار حولها تعيد الاطراف الى مربع النزاع مجددا ؟ ام الامر يحتاج الى تطوير الحوار بين قادة المستقبل في الحركات المسلحة من اجل اضافة سقوفات جديدة وبروتوكولات اخرى مابينها وبين الحكومة ؟ ايا» كانت التساؤلات فان الاتجاه المتصاعد وسط الاطراف الدارفورية يدعو لتوسيع قاعدة الثقة بينها والعمل من اجل سلام شامل وقابل للاستدامة ، وتلمُّس جدية الحكومة بوسائل مباشرة بما يعضد المكتسبات الدارفورية في ابوجا والدوحة ويؤكد استعادة المبادرة لدارفور مجددا» في اطار سودان ما بعد استقلال الجنوب ، وتشجيع قطر وشركائها الدوليين للمضي قدما مع دارفور من اجل حقوقها وكرامتها تعزيزا للثقة بالتأهيل والمشاركة ورفع درجة المقبولية للوثيقة في الأوساط الدارفورية . لعل الخطاب الذي قدم به د. التيجاني سيسي رئيس حركة التحرير والعدالة اطروحته للقبول بالوثيقة واعتماد البروتوكول ، مضى في ذات الاتجاه بتثمين الدور القطري والدولي ،والترحيب بالرئيس البشير شريكه في الاتفاق ، اضافة الى الرؤساء الآخرين. نسب سيسي جذور الازمة الى التنمية غير المتوازنة في السودان عامة ودارفور خاصة ،مؤكداً ان قيام ثورة مسلحة في دارفور هو تعبير عن قضايا عادلة وهي ( ايضا قضايا ملحة تتطلب علاجا عادلا وجذريا ... ) مع اعترافه ان النزاع المسلح خلف ( دمارا هائلا في دارفور واصبح الملايين من ابنائها نازحين في بلادهم ولاجئين في بلدان مجاورة ، بل يعيشون في ظروف انسانية بائسة ، ومنهم من عبر المحيطات الى مهاجر بعيدة لم تعرفها دارفور من قبل ). لعل مكمن الحل الناجز للازمة بتقدير الموقعين وغير الموقعين من قادة المستقبل لدارفور من الحركات المسلحة ، وان تكون هناك ارادة سياسية ونية صادقة من الحكومة السودانية ليكون الحل متراضٍ عليه وشاملاً ، وفي المقابل فإن النقد المتصاعد لاولئك القادة لتجربتهم ، انهم مازالوا بعيدا عن التوافق حول مشروع استعادة المبادرة لدارفور ، وهم بذلك انما يعلنون رغبتهم في عون الآخرين لهم بالتشاور والحوار لتقريب الشقة بينهم ، وتمهيد الطريق للعمل المشترك برؤية متكاملة تتأكد بهدوء مع كل الاطراف الدارفورية الاخرى خاصة النازحين واللاجئين والمجتمع المدني في تنظيماته المختلفة بمدخل الاتفاق على الوثيقة واحترام اختلافات الرأي . للمضي خطوة اخرى فإن قادة الحركات المسلحة مواجهين بذات التحديات التي جاءت في ادبيات الطرف الدارفوري المفاوض في الدوحة ، وهي العودة الطوعية الآمنة للنازحين واللاجئين واعادة ما دمرته الحرب ، والالتزام بتنفيذ البروتوكول بصرامة وفق الجداول ، ورتق النسيج الاجتماعي الدارفوري . هنالك تأكيدات اخرى ايضا علي الصعيد القومي مثل مراعاة تداعيات انفصال الجنوب ، وبؤر النزاعات القائمة في جبال النوبة وأبيي ، والدعوة إلى برنامج وطني يشمل الحريات السياسية ، ويوفر وسائل المحاسبة والشفافية . ربما لا يدري احد تماما إلى ما يحدث من تطورات في الشأن الدارفوري بمرجعية مفاوضات الدوحة ، ولكنها مهدت ولا ريب لحوارات جديدة وسط قادة مستقبل دارفور في الحركات المسلحة وفي كل المجالات لإعادة بناء دارفور ، والتمهيد لمشاركتها في الشأن السوداني على نحو ما قد يحفظ لسودان ما بعد الجنوب وحدته ويعزز مبادئ الديمقراطية اللامركزية والتنمية . الدوحة - قطر