ماذا أصاب المجتمع السوداني؟سؤال يطرحه الكثيرون دون أن يجدوا له اجابات توضح اسباب التغيير الذي طرأ على مجتمع اشتهر ومنذ قديم الزمان بقيمه السامية وصفاته النبيلة وعاداته وموروثاته المستمدة من تعاليم دين سمح ووسطي يدعو لمكارم الاخلاق وحسن التعامل، ويحض على التسامح والتواصل، والواقع يشير بجلاء الى ان رياحاً عالية هبت على المجتمع السوداني واصابته في مقتل، واذهبت عنه أبرز صفاته وهي كثيرة، وحولتها الى النقيض، فالحب تحول الى كراهية.. والتسامح الى فجور في الخصومة.. والصدق الى كذب .. والوفاء الى تنكر وجفاء.. والكرم الى بخل .. ولكن وبشهادة الكثيرين ضاعت في زحام الحياة ممارسة في غاية الروعة تفرد بها مجتمعنا، وهي التواصل والتوادد وصلة الرحم التي اشتقت من اسم الرحيم، فبعد أن كان التواصل بين الاهل هو السمة السائدة حتى وقت قريب، حل مكانه الجفاء والبعد، ولم تعد زيارة الاهل من الاولويات. ويقول الخمسيني الفاضل عثمان ان السنوات الاخيرة شهدت تغييراً كاملاً في واقع الاسرة السودانية التي قال إنها لم تعد تتعاطى مفردة التواصل مثلما كان في الماضي الذي تحسر عليه قائلا: يتهمنا البعض بالانحياز للماضي بدواعٍ عاطفية، وهذا الاتهام يشرفنا، وذلك لأنه كان جميلاً في كل ملامحه وتفاصيله، والتواصل بين الاهل كان حاضرا ولم يشهد فتوراً مثلما هو حادث الآن، وكانت الاسر ممتدة بمعني الكلمة، حيث يحرص كل فرد فيها على زيارة أقاربه للسؤال عن احوالهم وقضاء لحظات جميلة معهم، وتشاركه المواطنة سعاد أحمد ذات الرأي وتشير إلى انهم في الماضي كانوا يحرصون على زيارة الأهل في مختلف المناسبات، ولا يعرفون الجفاء، وقالت إن ذلك الزمن لم يكن خالياً من الخلافات، غير أنها أكدت عدم وجود فجور في الخصومة، وقالت إن النفوس كانت طيبة ولا يحمل أحد ضغينة في دواخله مهما بلغت درجات الخلاف، ولكن، والحديث لها، أضحى اليوم اتفه سبب يباعد بين الاهل، وتضيف قائلة إن الاسر الممتدة أمر رائع وجميل، وذلك لأن الإنسان يجد عند كبار السن الحكمة وعند الآباء والأمهات الحنية وطيبة القلب، وعند الأخوال والاعمام التوجيه والرشد، وكانت الاسر الممتدة بمثابة المدرسة التي يتعلم فيها الصغار مكارم الاخلاق، بفضل تعاملهم مع الكبار وتشربهم بالقيم السامية. وترجع الطالبة الجامعية سناء عثمان تراجع دور الاسر الممتدة الى الظروف الاقتصادية، وقالت: في الماضي كانت الأوضاع جيدة ومستقرة، ولم تكن هناك صعوبات وعقبات تقف في طريق التواصل والسفر الى اقصي المدن بالسودان، ولكن اليوم تعاني الاسر الكثير في سبيل توفير «لقمة العيش»، وتكتفي بزيارات محدودة تحكمها الامكانيات المادية، وانا شخصيا اشعر بسعادة غامرة عند زيارتي لجدتي واهلي بالولايات، واقضي لحظات في غاية الروعة معهم، واتعلم منهم الكثير، ولكن الزيارات تأتي في فترات متباعدة رغم توفر وسائل النقل المريحة. ويذهب الشاب وائل السيد إلى أن توفر وسائل الاتصال الحديثة أسهم في فتور العلاقات رغم أنها تساعد على التواصل، غير انها، والحديث لوائل، تقف دون التلاقي بين الاهل في الاسر الممتدة. ومن جانبه رفض الباحث الاجتماعي عثمان عبد الله، تحميل الظروف الاقتصادية مسؤولية ضعف التواصل بين الاسر الممتدة، وقال إن اللهث وراء الحياة جعل الكثيرين يغضون الطرف عن واجباتهم العائلية، وأشار الى أن المجتمع السوداني من ناحية نفسية لم يعد مثلما كان في الماضي، وتأثر سلباً برياح العولمة والثقافات الخارجية، حيث لم تعد للحبوبة والجد مكانة مثلما كان في الماضي، وطالب الجميع بالحرص على التواصل داخل الأسر وبين الاهل، وذلك لأنه واجب اسلامي، ويسهم في تقوية العلاقات الاجتماعية.