الخرطوم:صديق رمضان حتي وقت كان مفهوم البيت الكبير سائداً في المجتمع السوداني و يرمز ويشير الى دلالات اجتماعية عميقة المعاني وسامية الأهداف توضح الكثير من القيم والمثل التي لازالت تسود المجتمع السوداني ولكن بدرجة أقل مما كانت عليه من قبل، والبيت الكبير رمزية للتكاتف والتعاضض الأسري فهو الأصل والمكان الفسيح الذي أحتضن الجميع في وقت ماضي ونهلوا من معينه العادات السودانية الاصيلة وتوارثوا في عملية تواصل أجيال متفردة قيم اعانتهم في مواجهة تشعب دروب الحياة ورهقها، ولكل سوداني مكانة خاصة للبيت الكبير الذي يمثل للأبناء والبنات الذين فرقتهم الظروف «أيدي سبأ» بدواعي مختلفة الملاذ الآمن والحضن الدافي، يعودون إليه ليس في الملمات فقط بل حتي عندما تضيق الأرض بما رحبت في وجه أحدهم فيجد الراحة والسكينة ويتزود بمعنويات جديدة تعينه في مواجهة ما أعتري طريق حياته من عقبات، وكان البيت الكبير فيما مضي مرجعية وومكانا يتمتع بقدسية وخصوصية ولايستطيع أحد التمرد عليه وذلك لانه كان ولايزال يضم كبارالسن من الاباء والامهات والاعمام والاخوال الذين كانت خبراتهم وحكمتهم وسعة صدورهم الضمآن الوحيد للترابط الاسري وتجاوز مايعتريه من خلافات عائلية، ولكن البعض يؤكد ان قوة وسطوة البيت الكبير تراجعت ولم يعد يلعب ذات الاداوار التي كان يقوم بها من قبل في الحفاظ على تقوية النسيج الاسري، ويشير أصحاب هذا الرأي الى أن الخلافات الأسرية العميقة التي بدأت تظلل العلاقات مابين الأهل هي الدليل على تراجع اسهام البيت الكبير في حل الخلافات، ويقول محمد عثمان الفاضل وهو رجل خمسيني أن الخلافات الأسرية تعمقت وتجزرت في معظم الأسر السودانية التي تباعدت لاسباب كثيرة منها المشكلات التي اورثت في القلوب جفاء واضح بل أن هناك فجور في الخصومة تجده بين أقرب الاقربين في الأسرة الواحدة، ويضيف: أعرف الكثير من النمازج لخلافات أسرية بين أخ وأخيه وأبن وأبيه وغيرها، ووصلت هذه الخلافات الى مراحل متأخرة واسبابها لاترقي الى هذه الدرجة ولكن أعتقد أن التباعد والجفاء تعودان اسبابهما مباشرة الى تراجع مكانة البيت الكبير الذي كان صمام أمان لايقاف الخلافات وعدم تشعبها، فكبير الأسرة كان يستطيع السيطرة على كل شئ ولكن الآن الوضع إختلف بعد أن قل اهتمام الابناء بالقيم التي تعلمونها في البيت الكبير الذي لم يعد مكانة مفضلا لقضاء الاجازات والبعض يقوم بزياراته بعد فترات متباعده ولايهتم كثيرا بصلة الرحم، وفي تقديري أن الخلافات الأسرية أصبحت خطر حقيقي يهدد النسيج الأجتماعي للأسر والقبائل والمجتمع لذا لابد من الرجوع الى البيت الكبير عسى ولعل الحال ينصلح بعض الشئ، فاطمة عثمان وهي موظفة تحسرت على أيام البيت الكبير وقالت إنها تحتفظ بزكريات جميلة لتلك الأيام التي وصفتها بالخالدة وأضافت : عندما كنا صغار في السن كانت الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة فرصة طيبة للتلاقي والتصافي وكثيرا ماحضرت لقاءات وجلسات صلح لخلافات اسرية والتي لم تكن مثل اليوم أكثر حده وجفاء وذلك بسبب تأثيرات الكبار ايجابا على كل الأطراف حيث كانت كلمتهم مسموعة ويعمل لها ألف حساب، ولكن اليوم حدث تباعد واضح بين الأهل الذين لم تعد حتي المناسبات الدينية والعائلية تجمعهم بسسب الظروف الاقتصادية من ناحية ومن ناحية أخري بات البعض يرفض التلاقي والتواصل لخلافات تجمعه مع اخرين، وهكذا بدأنا كشعب سوداني معروفين بالتماسك والتكآتف والحميمية في العلاقات الأسرية أما التباعد هو أمر مخالف للشرع والدين فيجب علينا أن نبتعد عن الخلافات حتي لانتركها تُباعد بيننا ولابد من العودة الي البيت الكبير للعائلة وإتاحة الفرصة للحكماء وكبار السن لازالة مايعلق في الصدور من خلاف وغضب . في ما مضي كان مقولة «العز بأهل» سائدة وهي أيضا ذات رمزية ودلالات عميقة توضح أهمية الأهل والأسرة التي يستمد منها المرء قيمته ومكانته في المجتمع، ولكن مؤخرا بدأت تطل على السطح أمثله غير مألوفة للمجتمع السوداني الذي بات يتداول جملة «الأقارب عقارب» كدلالة على الاحتقان الذي بات يشوب علاقات الأهل والتي تشعبت وتطور الى أن وصلنا مؤخرا مرحلة ان يقتل الأبن والده والوالد أبنه ويتخاصم ابناء العمومة لدرجة الوصول الى المحاكم، ومرد كل هذا التباعد يعود الى تلاشي دور البيت الكبير والابتعاد عن قيمه وتجاهل الاحتكام الى الكبار الذين لم تعد لهم سلطة وسطوة مثل ما كانوا في الماضي وتحولت مقولة أنا وإبن عمي على الغريب الى أنا وأخي على أبن عمي، فهل تعود للبيت الكبير قيمتة ومكانته.