ترددت كثيراً قبل الكتابة عن هموم ومشكلات أهلنا بمنطقة الكوة «النيل الأبيض» خاصة بعد أن سبقني بعض الأساتذة الأجلاء في عرض جزء من هذه الهموم والمشكلات في الصحف اليومية، للبرود الذي يقابل به المسؤولون مثل هذه المشكلات والشكاوى، ولكن اهتمامكم الخاص في صحيفة «الصحافة» بمشكلات الناس خارج المركز، شجعني على المساهمة في عرض جزء من هموم مدينة الكوة، وأرجو أن تجد الكلمات الموقع الذي ترونه مناسباً للنشر في الصحيفة، ولكم منا كل الشكر. بالنسبة للمشكلات والمظالم التي تتعرض لها مدينة الكوة، فهي كثيرة جدا، ولكن أبرزها الآن وعلى السطح مشكلة التكلفة العالية جداً التي فرضت على المواطن مقابل إدخال تيار الكهرباء القومية للمنازل بمدينة الكوة، والأقساط الشهرية المرتفعة لتحصيل هذه التكلفة، فلا يعقل بأية حال من الأحوال أن يكون القسط الشهري غير الاستهلاك مبلغ «130» جنيهاً للمنزل، فالكل يعلم أن نسبة كبيرة من سكان الكوة يعتبرون من ذوي الدخل المحدود وشاغلي الوظائف الحكومية الصغرى والوسيطة في التعليم والصحة والشرطة وغيرها، وهناك نسبة كبيرة أخرى ممن يعتمدون في معاشهم على دخل الأعمال الحرة البسيطة من تجارة تجزئة وحرف يدوية «رزق اليوم باليوم»، كما يوجد نشاط زراعي ورعوي ولكن في نطاق ضيق ومحدود، ومردوده في أحسن الأحوال لا يتجاوز الاستهلاك الذاتي، إذ لم تستغل موارد المنطقة الطبيعية ولو بقدر يسير طيلة العقود والعهود السابقة، ولأسباب قد تكون على الأرجح سياسية أو ضريبةً للانتماء السياسي أو عدمه، ونتج عن ذلك صفر كبير من المشاريع الإنتاجية والخدمية والتنموية، وبات مألوفا لدى سكان المنطقة رؤية المشروعات وهي تهرب وتسحب عنهم، تارة اتجاه الجنوب وتارة أخرى اتجاه الشمال أو الشرق أو الغرب، كأن منطقة الكوة قد لبست طاقية الإخفاء، وأصبحت غير مرئية وغير منظورة لكل مصممي خرائط خطط وبرامج توزيع التنمية وقسمة الثروة، وأصبح السواد الأعظم من السكان ممن يسمى ذوي الدخل المحدود، وبالفئات التي ذكرتها، إضافة الى الاعتماد على مساهمات الأبناء والأقارب الذين يعملون بالخرطوم أو خارج السودان، فكل هذا لم يراع ولم ينظر إليه عندما تم تحديد تكلفة إدخال الكهرباء وتقدير القسط الشهري، فالموظف أو المعلم أو العامل عندما يدفع مبلغ ال «130» جنيهاً، فكم يتبقى له من الراتب لمقابلة بنود الصرف الأخرى؟ وأقول إن تقدير المبلغ بهذا الشكل قد أصاب الناس بحنق وغضب وغبن شديد، بدد وقتل كل فرحة وصول تيار الكهرباء القومية، وإن وصل متأخرا للغاية، وولد العديد من التساؤلات التي تحتاج الى ردود من شركات الكهرباء والمسؤولين بالولاية والمحلية، فهل هذا المبلغ يعني تحمل المواطن كل التكلفة التي أوصلت الكهرباء الى عمود الشارع بما في ذلك نصيبه من أبراج الضغط العالي والمحطة التحويلية؟ ثم أين دعم المركز وأين دعم الولاية وأين دعم شركة السكر، حيث ستدفع المنطقة جراء قيام مصنع السكر فاتورة بيئية واجتماعية باهظة؟ وأين تطبيق توجيهات السيد رئيس الجمهورية وفي مناسبات عديدة، بإيصال ودعم الكهرباء لكل المدن والأرياف؟ أين هذا الدعم الملموس المنطقي الذي يحسه المواطن في شكل أقساط معقولة تتناسب مع متوسط الدخل لسكان المنطقة؟ ثم لماذا تم التعامل مع مشروع كهرباء الكوة المشروع الخدمي البحت من منظور تجاري وبحسابات تكاليف وربح وخسارة وجدوى اقتصادية؟ فقد كنا نتوقع أن تكون هناك أدوار أكبر ومواقف قوية لممثلي المنطقة في المجلس الوطني والمجلس التشريعي والمحلية، والتدخل لصالح المواطن وحماية ظهره العاري، ولو من باب اغتنام الفرصة النادرة للنزول للقاعدة والاقتراب من المواطنين ولمس قضاياهم وجراحهم، وتسجيل موقف يزيد عدد الأصوات وينفع في مقبل الانتخابات!! إن مدينة الكوة مدينة قديمة عريقة مدت نور العلم والمعرفة والثقافة والحضارة لجميع البقاع، وكان من المفترض أن تنال حظها من الكهرباء القومية منذ فترة طويلة أسوة بنظيراتها من المدن، فالكهرباء القومية قد وصلت لمناطق تبعد عن المركز وعن الكوة مئات الكيلومترات جنوبا وغربا، ولكن الكوة تأخرت عنها الكهرباء، وربما كان ذلك بفعل فاعل والله أعلم، وكل ذلك الظلم لم يستفز أهلنا الطيبين المسالمين بالكوة، ولم ينقطع أملهم في وصول التيار القومي ولو بعد حين. ويمكن أن نتصور الإحباط وخيبة الأمل التي مني بها الناس بعد كل هذا الصبر والانتظار، عندما وصلتهم الكهرباء بهذه الطريقة المكلفة. وكنا نتوقع أو نحلم أن يتم توصيل الكهرباء للمنازل ويقدم لكل مواطن اعتذار مناسب عن هذا التأخير، وأن تقدم الخدمة بمبلغ معقول ومقبول، وعندها يستقبل التيار في شوارع الكوة بالمديح والزغاريد، وبتيار آخر متوافق يسير معه في نفس الاتجاه، ويدفع المنطقة نحو مزيدٍ من التكاتف والتطور والنماء. وفي الختام نسأل الله أن ينعم علينا بالماء البارد هذا الصيف، ونسأله الخير والهداية، ونعوذ به من الظلام والظلم والظلمات. والله من وراء القصد. ٭ من مواطني مدينة الكوة [email protected]