عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاغتصاب بين تمدد الظاهرة وقصور القوانين
نشر في الصحافة يوم 30 - 07 - 2011

«طفلة دون العامين تتعرض للاغتصاب والقتل»، «عزابة يغتصبون طفلة في الثالثة»، «طفل في الخامسة يتعرض للاغتصاب والقتل»، «مجموعة من الشباب تختطف فتاة تسير بمعية خطيبها».. هذه عينة من عناوين كثيراً ما تقذف بها الصحف في وجوهنا وبصورة متواترة، بحيث لا يمكننا ان ندرجها في إطار الحالات الفردية.
تعتورني حالة اقرب إلى الاكتئاب والقرف منها إلى الحزن، كلما تخيلت منظر طفل أو طفلة لا حول له ولا قوة وهو يتأوه ويتوجع بين براثن مجرم لا أدري بماذا أصفه. طفل لا تسعفه سنوات عمره البسيطة في إدراك كنه ما يحدث له سوى إحساس غريزي بالخطر. ونسبة لافتقاره للقوة اللازمة لمجابهة هذا الخطر الماثل أمامه، نجده على أحسن الفروض يتسبب في احداث خدوش طفيفة بوجه المجرم لا تنقذه من قبضته ولكنها كثيراً ما كانت تشكل دليلاً دامغاً ضد كثير من هؤلاء المجرمين.
لا أريد الاستفاضة في الحديث عن الاسباب التي أدت إلى تفشي هذه الجريمة بهذه الصورة المخيفة، مثل المخدرات التي انتشرت بصورة مذهلة وانشغال كثير من الأسر عن اطفالهم لأسباب تتعلق بالناحية الاقتصادية والقنوات الفضائية والانترنت والتفكك الاسري والتداخل القبلي وحدود السودان المطلة على تسع دول، وما يتبع ذلك من دخول مواطني هذه الدول الرسمي وغير الرسمي حاملين معهم ثقافتهم الغريبة وجرائمهم الدخيلة على مجتمعنا السوداني، كذلك الحرب وما جرته وسببته من نزوح الكثيرين وتشريد اطفال فقدوا أبويهم ومأواهم ونزحوا مع من نزح، حيث أصبحوا عرضة للانتهاكات الجنسية من فاقدي الضمير، كذلك التساهل الشديد في منح الجنسية السودانية لمن يقيم بالسودان لمدة خمس سنوات فقط، بدلاً من عشر سنوات هي شرط منح الجنسية للأجنبي في قانون الجنسية السودانية لعام 1957م الملغي، وفوق ذلك كان يشترط هذا القانون الملغي أن يقيم الاجنبي إقامة دائمة لمدة عشر سنوات لا يغادر البلاد خلالها لمدة تزيد عن شهرين في العام، وما زاد عن الشهرين يهدم ما قبله من مدة إقامة الأجنبي ويبدأ حساب مدة جديدة.
وهو قانون اعتبره صارماً في ما يخص هذا الجانب، لذلك تسكنني الحيرة من الحكمة في تساهل القانون الحالي في منح الجنسية السودانية لكل من هبَّ ودبَّ، وكأن أرضنا هي أرض الأحلام. وهل فات على مشرعي هذا القانون المتساهل حد الدهشة ان مؤدى هذا أن يعج مجتمعنا السوداني المحافظ بخليط من البشر، مما ينجم عنه أنماط من الطباع والجرائم والثقافات السالبة والمختلفة عن ثقافتنا المحافظة حد الانغلاق أحياناً، ليشكل في نهاية المطاف خليطاً من مفاهيم وثقافات متضاربة غاية التضارب تصب كلها في بوتقة مجتمعنا المحافظ. وبحسابات بسيطة يمكن بكل يسر أن تتشكل شبكات اجرامية تتخذ من هؤلاء المتجنسين جسراً لإيصال المخدرات لعقر دارنا ونحن على غفلة من أمرنا. ولا أحد ينكر الآن التغيير المحزن الذي طرأ على تركيبة المجتمع السوداني منذ منتصف التسعينيات وإلى الآن.
والمجتمع السوداني رغم محافظته إلا انه كبقية المجتمعات ليس بالمثالي، فبنظرة رصينة له نجد أن المحاكم ومنذ انشائها عرفت قضايا تؤكد حدوث اغتصاب أطفال وغيرهم. كذلك تداولت المجالس ذكر حوادث من هذا النوع، ولكنها تظل في النهاية حالات فردية تحدث على فترات متباعدة نسبياً. ومهما أبحرنا في التفاؤل فلن نستطيع استئصال شأفة هذه الجريمة البشعة، إلا بخلق مجتمع مثالي خالٍ من الجرائم كافة، وهذا لا يمكن إيجاده إلا في مدينة افلاطون الفاضلة، وتظل هذه مجرد أمنية يصبح من الغباء انتظار تحققها، ولكن هذا لا يمنع تضافر جهود الاسرة والمجتمع بأكمله والجهات الرسمية على الأقل، للرجوع بهذه الجريمة إلى حدها الادنى الذي عُرفت به في السابق.
كيف يقبل رجل مهما انحدر للدرك الأسفل وشَابَه الحيوان في صفاته أن يفعل فاحشة بطفل أو طفلة دون العامين أو الثلاثة، يدعو جسدها الضئيل وصغر حجم اعضائها من ناحية تشريحية للنفور من مجرد التفكير في أن ينظر اليها اي ادمي نظرة خبيثة؟ هذه الناحية التشريحية في اعتقادي لا تحتاج لدين إسلامي أو مسيحي ليبعد اي وحش عن طفلة تحسب سنين عمرها على اصابع اليد الواحدة، فالفطرة السليمة وحدها كافية لرفض هذا السلوك القميء، بغض النظر عن الدين.
وإذا كانت جريمة الزنا التي تتم باتفاق طرفين بالغين من الفظاعة بحيث يغضب لها الله سبحانه وتعالى ويهتز لها عرشه، فما قولنا في اغتصاب قاصر ذكراً كان أو انثى؟ فما بالك بفظاعة اغتصاب طفل غير مميز بلغة اهل القانون، اي دون السابعة، يفعل به المجرم ما يفعل ثم يتركه عرضة لأن تتناوشه الكوابيس والامراض النفسية ما بقي حياً؟
إن الصورة الماثلة أمامنا الآن تستدعي وفورا تدخل السلطة التشريعية لسن قوانين رادعة. فكما تدخل المشرع وسن نصوصاً مشددة ورادعة لمرتكب جريمة الاغتصاب في حق الطفل، نناشده ايضا بالتدخل وسن قوانين رادعة لحماية الضحايا الاكبر سناً. فالقوانين السارية التي تعاقب مرتكب جريمة الاغتصاب ضعيفة والعقوبة لا تتناسب وفظاعة الجرم. وقد يقول قائل إن جريمة القتل العمد مازالت مستمرة الحدوث رغم تطبيق عقوبة الإعدام، ولكن لن يستطيع الجزم بأن احداً تراجع عن قتل احدهم خوفاً من العقوبة التي تنتظره. وقياساً على ذلك أقول إن سن قوانين جديدة اشد ردعاً قد يجعل الكثير من المجرمين يتراجع عن ارتكاب هذا الجرم، خوفاً من العقوبة القاسية إذا ما اُكتشفت جريمته.
وفي رأيي شخصي الضعيف أن معالجة الموضوع علاجاً مقنعاً، وليس جذرياً بالطبع، تحتم علينا معرفة من هم الجناة في الغالب من الأحوال؟ فقد ورد على لسان احد المسؤولين انهم احد ثلاثة 1/ أحد الاقارب من العائلة. 2/ ابن الجيران. 3/ اليد التي تمتد بالحلوى للطفل. وبالنسبة للأول فإن آصرة القربى التي تربطه بأسرة الضحية تتيح له دخول المنزل في أي وقت يشاء دون رقيب، فيستغل اطمئنان الاسرة له وثقتها فيه، وينفرد بالضحية على حين غرة ويرتكب جريمته بأعصاب باردة. اما بالنسبة لابن الجيران ففي معظم انحاء السودان تجد الأسر منفتحة في علاقاتها مع الجيران، والحدود العلائقية متداخلة بصورة كبيرة، فنجد أن الطفل يعرف ابن الجيران معرفة تامة ويطمئن له. اما صاحب اليد التي تمتد بالحلوى للطفل فيستغل براءة الطفل وحبه الذي لا يقاوم للحلوى، فينقاد له الطفل دون ان تسعفه سنين عمره البسيطة لتخمين المصير المظلم الذي ينتظره.
والسؤال هو كيف يمكننا أن نعالج هذه المسألة؟
بالنسبة للصنف الاول والثاني والمتمثل في الاقارب وابن الجيران وحتى الاصدقاء، سنكون غير واقعيين إذا تصورنا أن الحل سهل بمكان. إذ أن الرقابة في مجتمع تتداخل فيه الحدود والوشائج الاجتماعية وأواصر القربى، وتتعمق فيه العادات الموروثة والمتجذرة، وتسود فيه العائلة الممتدة التي تشمل افراداً يمتون للأسرة بالقرابة من الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، وما يتبع ذلك من توسع في محيط علاقة أبنائنا بمن حولهم.. الرقابة الفعالة في هكذا أجواء تكون ضرباً من الخيال. ومهما كنت يقظاً وحذراً فلن تصل إلى النتيجة المرجوة. وإذا أردنا علاج المسألة على نحو مقنع سندخل في صراع مرير مع أنفسنا، وستكون المعادلة أصعب مما نتصور، حيث يصعب علينا كسر حاجز ما استقرت عليه عاداتنا، لأن ما كسبناه من أعراف رسخت عبر ممارسة طويلة نشانأ عليها، واصبحت جزءاً من فلسفة حياة الكثيرين، يصعب أن نلغيها بجرة قلم في لحظة استنكار لما صار يحدث من البعض، خاصة أننا نعتز بهذه الموروثات التي أصبحت في ظل المعطيات التي أمامنا سلاحا ذا حدين، في حده الأول أنها موروثات جميلة فيها التكافل والإحساس بالآخر وصلة الرحم وأن الكل مسؤول مسؤولية كاملة عن الكل. ولأن الفن هو مرآة الواقع نجده يعكس هذه الناحية من العلاقة حيث تقول الأغنية «مقنع الكاشفات» و «مدرج العاطلة» و «المأمون على بنوت فريقه». وفي حده الثاني أنها موروثات تصعب كثيراً من عملية مراقبة أطفالنا من أن يقعوا فريسة لمن انعدمت ضمائرهم من الأقارب أو أبناء الجيران أو الأصدقاء. وهذه الموروثات تشكل موضوعاً شائكاً ومتشابك الأطراف، حيث نجدها أيضاً تصعب من عملية الرقابة على أبنائنا من أن يدمنوا المخدرات التي تقود بدورها لارتكاب جريمة الاغتصاب، فيصبح أبناؤنا ضحايا ومجرمين في نفس الوقت.
فحيال مسألة العائلة الممتدة تجد نفسك محرجاً وأنت تمنع ابنك من أن يزور عمته التي هي أختك شقيقتك مثلاً، وأنت تعلم تماماً أن لها ابناً في عمر ابنك ذا سلوك غير قويم، وتكون محرجاً أكثر وأنت ترفض أن يزورك ابن أختك شقيقتك هذا خوفاً على أبنائك منه. فتكتفي على أحسن الفروض بأن تنصح ابنك بعدم التأثر به، كما تنصحه أيضاً بوجوب عدم التأثر بزملاء الدراسة غير الأسوياء وما حوله في المدرسة والشارع من سلوكيات سالبة، وأن يختار أصدقاءه بعناية، وألا يثق في أي شخص سواء كان يعرفه أو لا يعرفه، وتراقبه وهو مشدود إلى التلفزيون أو الإنترنت إن وجد ماذا يشاهد وما هو المسموح وما هو الممنوع وما الذي يناسب سنه والعكس صحيح. وهكذا تصبح علاقتنا بأبنائنا يسودها طابع النصح والتوجيهات وسلسلة طويلة من اللاءات التي يفرضها الواقع المعاش، فيستاء الأبناء غاية الاستياء، ومن منا لا يمل النصح والتوجيه المتواصل؟
ونسبة لضعف قوانيننا في ما يخص جريمة الاغتصاب، أرى مثل كثيرين ضرورة تدخل السلطة التشريعية لسن نصوص قانونية أكثر ردعاً، بدلاً من تلك التي لم تعد مجدية في ظل واقع يعج بأحداث يقشعر لها البدن. وذلك على غرار ما حدث من تعديل في قانون الحشيش والأفيون لعام 1924م، حيث كانت العقوبة في سقفها الأعلى لا تتجاوز سبع سنوات سجناً، أو الغرامة التي لا تتجاوز الخمسمائة جنيه. فلما زاد خطر المخدرات وتعددت أنواعها وتوسعت طرق تهريبها وتجارتها، اضطر المشرع إلى أن يشدد العقوبة حتى يدرأ خطر هذه الجريمة أو يخفف من حدة انتشارها بقدر الإمكان، فكان أن جاء التعديل بأن تغير اسم القانون من « قانون الحشيش والأفيون لعام 1924م» إلى «قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1994م» وهو اسم أشمل من سابقه، لأن المؤثرات العقلية أصبحت كثيرة الأنواع فلم يحصر القانون أسماءها. فتعدلت العقوبة لتتراوح ما بين عشرة إلى عشرين عاماً سجناً أو الإعدام في حالات محدودة، منها تقديم المخدرات لطلاب المدارس أو توزيعها في أماكن الدراسة، وكذلك في حالة أن يكون المروج هو الشخص المنوط به مكافحة المخدرات. وتأسياً بهذا القانون وقياساً عليه، أتمنى أن تسن قواعد تشدد من عقوبة ارتكاب جريمة الاغتصاب، وذلك حتى لا تسود الفوضى ويتزعزع أمن المواطن.
وقد يتبادر إلى ذهنك عند قراءة عبارة «إسفكسيا الخنق» أن الخنق دائماً ما يتم عن عمد وقصد، ولكن الدكتور عقيل سوار الدهب اختصاصي التشريح والذي كثيراً ما بكى أمام جثة طفل راح ضحية لجريمة اغتصاب وقتل، أو لجثة طفلة مسجاة في المشرحة لا يتعدي عمرها الخمس سنوات راحت هي الأخرى لعرف موغل في الخطأ والتخلف هو «ختان الإناث». ولكن الدكتور عقيل أوضح أن إسفكسيا الخنق كثيراً ما كان سببه هو انكباب جسم ضخم على جسد الضحية، ولك أن تتخيل ضآلة حجم الأخيرة التي قد تكون في سن الرضاعة مقارنة بحجم المجرم، هذا إضافة إلى أن الوفاة قد تنجم عن كسر أضلاع الضحية أو بسبب الإيلاج الكامل.
أما بالنسبة للصنف الثالث وهو صاحب اليد التي تمتد بالحلوى للطفل، فيقصد به الشخص الغريب أو عابر السبيل، وهنا تقع المسؤولية في الغالب على الأسرة فالمراقبة المستمرة ضرورة، وعدم ابتعاد الطفل عن ذويه ولو لجزء من الساعة لما فيه من الخطورة ضرورة. ويقع جانب من المسؤولية على إدارة المدرسة في الرقابة، بحيث يجب أن تمنع تحلق التلاميذ خارج مبنى المدرسة حول الباعة المتجولين، فالجريمة غالباً ما تحدث خلال ثوانٍ معدودة لينضم الضحية لقائمة «خرج ولم يعد» والمعطيات التي أمامنا تشير وبكل أسف إلى ضرورة تشرُّب أطفالنا بثقافة «عدم الثقة في الآخر وعدم الانقياد وراء من يعرفه ومن لا يعرفه في الشارع والمدرسة وغيرها» وهنا اعترض دون تردد على وجود طفل في الأساس لا يتعدى عمره الخمس سنوات مع تلميذ آخر مراهق قد يتعدى الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، في بعض الأحيان، في نفس المدرسة. فأي منطق هذا وأي قرار هذا يا سعادة وزير التربية والتعليم مع كامل الاحترام؟ وهل من وضعوا هذا القرار موضع التنفيذ فكروا فيه ودرسوه من كل جوانبه؟ أشك في هذا.
وهناك لمسة لا بد من وضعها حتى تكتمل لوحة الأسباب التي تساعد في ارتكاب هذه الجريمة، ألا وهي عدم الإبلاغ عن هذه الجريمة في الغالب من الأحوال، وذلك لأننا نعيش ثقافة مجتمعية سالبة تتمثل في أن ما حدث للطفل هو فضيحة يجب مداراتها حتى لا يعرفها أحد، رغم أن الطفل ضحية ولا يد له في ما حدث. فمجتمع هذه قناعاته من الصعب أن تتراجع نسبة هذه الجريمة فيه. ولا حل سوى إقامة حملات توعوية لتغيير هذه المفاهيم. فيجب أن يتشرَّب الكل بثقافة جديدة مؤداها أن ننظر للضحية على أنه ضحية، وألا يد له في ما حدث، وأن ما حدث له يجب أن ينسى فوراً، ويمكن أن يحدث لأي طفل أخر أو فتاة أخرى. فالحل يكمن في تنفيذ مشروع توعية مجتمعية لتخريج دعاة لديهم وعي علمي وإلمام ديني بالظواهر الاجتماعية المهددة للمجتمع، وأخذ جوهر الدين لا مظهره، حيث أن هذه هي مأساتنا مع التعاطي مع الدين، حيث يخالجني ظن أشبه باليقين بأن الخطاب الديني المغلوط الذي يركز على أن المرأة مخلوق لامتاع الرجل فقط، يحيل النظرة للمرأة إلى أنها مصدر للجنس فقط، وليست كياناً يجب احترامه، ومن هنا تبدأ المأساة وتتكرر. وهذا المشروع التوعوي عالى التكلفة، ولكنه يظل في نظري السبيل الأمثل لحل المشكلات الاجتماعية بصورة مقنعة. وقد جاءت في إحدى المجلات المصرية هذه العبارة «التحرش بالمحجبات مثله مثل التحرش بالسافرات في الكم»، كما أثبتت الدراسات في مصر أن ملابس الفتيات ليست السبب. ويجب ألا يُساء قصدي في مسألة لبس الفتيات، فأنا لا أشجع السفور وقد أستطيع إدراجه ضمن الأسباب المؤدية إلى التحرش بفتاة غير محتشمة الملبس. إذاً يجب أن نسبر غور هذا الموضوع ونقتله بحثاً، لنضع أيدينا على كل أسباب انتشار هذه الظاهرة، وهذا بمثابة تشخيص للحالة حتى يتسنى إيجاد العلاج الناجع والله الموفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.