«لن تقوم في السودان ثورة جياع ،فالسودانيون بطبائعهم يحبون السترة و الحد الادنى من الطعام متوفر في البلاد وهناك منظمات اغاثة تقدم المساعدة» ... «هنالك ضائقة معيشية سببها ارتفاع الاسعار لكننا نجتهد عبر عدة سياسات ومحاور لتسهيل الحياة علي الناس»، لنتمعن مليئا ما بين الاقواس قبل ان نشير الي قائليها ، فالاول ليس هو لسان حال النظام القائم كما يظن الكثيرون بل هذا ما قاله السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد في حوار اجرته معه محررة القسم الاقتصادي ب»الصحافة» الزميلة اشراقة الحلو قبل اقل من اسبوعين ، والمقولة الثانية كانت اعترافا اقر به والي ولاية الخرطوم ورئيس الحزب الحاكم فيها الدكتور عبدالرحمن الخضر عند افتتاحه مسجد الحماداب جنوبي العاصمة امس الاول . حديث نقد الذي اثار حفيظة عدد من منسوبي الحزب الشيوعي وكان محل نقاش طويل في عدد من مجالس الخرطوم وقتها حاول البعض منهم ان يجدوا مبررات كافيه لتفسيره، الا ان نقد نفسه اضاف في ذات السياق ان استبعاد قيام «ثورة الجياع» بالبلاد دفوعاته تقوم علي أن السودانيين يحبون السترة، واستشهد بمقولات اسرهم ايام الدرس عندما كانوا يضربون عن الطعام وتغلق المدرسة ليقابلهم اهلم بالسخط والغضب بسبب تحدثهم عن بطونهم كما زعم الرفيق ، ومضي يعضد مقولته حاشدا لها دفوعات شتى بسبب وجود حد أدنى من الطعام بجانب وجود منظمات اغاثة تقدم المساعدة ،الا ان المفارقة تتجلي في ذات الوقت الذي اقرت فيه السلطات ممثلة في والي ولاية الخرطوم ورئيس الحزب الحاكم فيها بان هنالك أزمة معيشية في البلاد مردها ارتفاع الاسعار. فالاوضاع المعيشية ،تعتبر كغيرها من المسببات والمؤشرات لاي تحرك شعبي تجاه تغيير الأوضاع ،حيث تعتبر احد العوامل الرئيسية ،التي كانت وراء انتفاضات الطبقات الشعبية في الربيع العربي الأخير ، وواحدة من محركات تلك الاحتجاجات وروافد وقودها. اذن اقرار والي الخرطوم ورئيس المؤتمر الوطني بالولاية الاخير ،يشي بان الحزب الاسلاموي المصنف ضمن قوى الرأسمالية الاسلاموية بالمنطقة يبدو ملامساً للواقع السوداني وملابساته الاقتصادية ،التي تدلل عليها الاوضاع المعيشية اليومية للمواطن السوداني ،أكثر من رصفائه في الحزب الشيوعي السوداني ،الذين قلل سكرتيرهم العام في حديثه السابق ل«الصحافة» من أن تؤدي هذه الاوضاع لحدوث ثورة في السودان ،وهو الامر الذي يتعارض مع تنظيرات الماركسيين الامميين ،رفاق نقد في الخلفية الايدولوجية ،والذين تنبأوا باكراً بان الطبقات الشعبية المستقلة سوف تثور في وجه مستغليها ،عبر اصطفافات شعبية جديدة ،كان أبرزها بميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة وغيرها من العواصم التي تشهد انتفاضات مماثلة هذه الايام . السؤال المطروح الان علي أية قراءة استند الزعيم الشيوعي؟ فالرجل كما ذكرنا انفا استند علي طبائع لا يمكن ان تكون ثابتة في محلها تماما بسبب المتغيرات التي طرأت علي المجتمع السوداني خلال السنوات العشرين الماضية كما ان الضغوط الاقتصادية بلغت ذروتها، ويشير خبراء اقتصاديون الي ان الاوضاع قد تمضي نحو الاسوأ ، بيد ان عضو منبر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية محمد علي خوجلي الذي تحدث ل»الصحافة» عبر الهاتف أمس اعتبر ان حديث نقد الاخير يتسق تماما وخط الحزب الذي بادر بوداع منسوبيه الجنوبيين قبل ان تفكر في ذلك اجهزة الدولة الامنية والشرطية ، واضاف ان هذا المسلك متطابق ومسلك الحزب الحاكم مما يفسر تلك التصريحات والمقولات التي تعتبر اسانيد ومبررات سياسية في البعد العملي للحزب تجاه ما يسميه بالقضايا المفصلية والتي علي رأسها بالضرورة الاوضاع المعيشية ، وتابع خوجلي دفوعات الرجل لا تصلح لهذا الزمان، واضاف ساخرا « هذا حديث حبوبات» فالسودانيون الان يذهبون الي اسرائيل والشحادون يملأون الطرقات بحثا عن الطعام . وفي ذات الاتجاه يقول منتصر ابراهيم الزين الباحث في الشؤون السياسية ، في حديثه ل»الصحافة» دفوعات السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني ،لاتعدو كونها أحاسيس عاطفية تتقاطع مع المنطق ،حيث يستند نقد في قطعه بان السودانيين ،لن يثوروا من اجل الجوع الى كونهم «مستورين» وهو وصف قاصر لايمت للواقع المعيشي للسودانيين بصلة ،وتدحضها تماما الاحتجاجات المطلبية المناطقية التي شهدتها الاشهر الماضية ،بخروج الالاف لشوارع الخرطوم ،مطالبين بالخدمات الاساسية من طرق ومياه ،ويرى منتصر أن اقرار الخضر بوجود أزمة معيشية في العاصمة ،جاء متأخراً في محاولة للالتفاف على سوء الاوضاع المعيشية بمعالجات فوقية ،لاتخاطب المعضلة الاقتصادية الرئيسية ،على شاكلة «جوال سكر للفقراء» ،وكيس الصائم وغيرها من محاولات التخدير الموضعي لقطاعات شعبية معينة ،مضيفاً أن هذا التخدير مهما طال أمده فانه سيفقد مفعوله بعد فترة وجيزة في ظل الأزمة المالية التي ستقبل عليها البلاد في الايام القادمة ،حيث ستبرز للخضر وحكومته مواضع آلام جديدة ،لن يجدي معها التخدير الموضعي ،فجولات السكر ذات القيمة المنخفضة لن تكفى جيوش الفقراء التي تزداد يوما بعد الاخر ،باوضاع مزرية لن تمثل «سترة» نقد وعجزه عن امتلاك ادوات التحليل الماركسي الحل السحري لها . فحديث نقد الذي اقر فيه بتوفر الحد الادني من الطعام بجانب اعتراف الخضر بالغلاء ومساعي حكومته في البحث عن حلول لضيق المعيشة يأتي في وقت تحذر فيه الغرفة التجارية لمخاطر الركود والغلاء بسبب ذات البرنامج الذي بشر به الاخير وهو برنامج الحكومة الاسعافي، فاجتماع مجلس الادارة والمجلس التنفيذي لاتحاد الغرف التجارية الذي التأم منتصف الاسبوع المنصرم وناقش الجوانب الاقتصادية والتجارية بعد اعلان دولة الجنوب ومعها البرنامج الاقتصادي الثلاثي المعلن من قبل وزير المالية والمجلس الوطني ومجلس الوزراء ، خرج بان تطبيق البرنامج الاسعافي سيؤدي الي الغلاء في الاسواق ويزيد الضغط علي المواطنين ، اما عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان شيخ المك اكد في تصريحات صحفية ان فاقد الايرادات الحكومية من عائدات الصادر البترولية يبلغ 6,6 مليار دولار ، وقال حتي بعد موافقة حكومة الجنوب علي تصدير النفط عن طريق الشمال فان العائدات المتوقعة 640 مليون دولار، وهذا المبلغ ضعيف مقارنة باجمالي فاقد الايرادات، ورأى ان البرنامج الحكومي الثلاثي لامتصاص اثار الانفصال لن يحقق غاياته لان القطاع الزراعي ضعيف ومن الصعوبة تحقيق اكتفاء ذاتي من السلع الاساسية في ثلاث سنوات في الوقت الذي لم يتحقق فيه الاكتفاء في العشرين سنة الماضية وتفاقمت فاتورة استيراد الغذاء الي ملياري دولار . ما يقوله الساسة في الحكم او من يناوئهم بالمعارضة لا يعكس حقيقة الاوضاع كاملة، فالزعيم الماركسي الذي استبعد ثورة الجياع ،او حاكم الخرطوم الباحث عن حلول لامتصاص الصدمة المتوقعة عبر التصريحات التسكينية، يغالطون الارقام التي لا تكذب ، والواقع الذي لا يتجمل ويبدو ان علي المواطنين طالما كانت الحكومة وأحد فصائل المعارضة لا تستطيع قراءة الواقع جيدا، فربط البطون هو الحل الان .