هَب أن الوثائق التي نشرها الموقع المثير للجدل ويكيليكس أمس الأول ، وكشف فيها عن بعض المواقف التي اتخذتها الدول العربية ضد استقرار السودان كان توقيت نشرها في النصف الاول من عشرينية نظام الانقاذ أي في بدايته التي عرفت في قاموس السياسة السودانية بسنوات «التسعينات» حينها لن يجد احد عناء تسمية تلك الدول بل يمكن للجميع الاشارة الي اسمائها دون شك ، فالتوقف عند مؤشر الاذاعة السودانية لسماع يونس محمود في تلك الايام او متابعة برنامج ساحات الفداء كان لوحده كفيلا بمعرفة من هم الاعداء . الناظر الي سجل علاقات السودان مع محيطه العربي في بدايات الانقاذ الاولي يلحظ التوتر البائن بلاشك مع عدد كبير من الدول ، بسبب موقف النظام من حرب الخليج ووقوفه خلف النظام العراقي الذي كان يترأسه صدام حسين، وبعدها لم تمض سوي اقل من اربع سنوات لتتحول العلاقة المرتبكة مع مصر بسبب توجس القاهرة من توجهات نظام الخرطوم المنقلب حديثا علي الشرعية الديمقراطية ، لتتحول حالة الارتباك والهزة التي ميزت العلاقات الي العداء المتبادل والمكشوف بين البلدين بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق محمد حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا واتهام مصر للسودان ونظام حكمه بتدبير العملية ، بين تلك العلاقات التي لم تقف علي حال ظلت العلاقة السودانية الليبية في خانة اللا عداء واللا اخاء ، علي الرغم من تبادل الزيارات بين العقيد معمر القذافي والقيادة السودانية الا ان الاول ظل داعما للحركات المقاتلة للحكومة في اقليمالجنوبواقليم دارفور ، مما جعل علاقة الدولتين غير مفهومة بالمرة ، واشارت الكاتبة مني عبدالفتاح في دراسة عن العلاقات السودانية الليبية تحت عنوان «مزاجية التفكير والممارسة» قامت الجزيرة للدراسات بنشرها مارس الماضي، الي ان التعاون بين البلدين كان بغرض كسر الحصار المفروض عليهما ، لافتة الي ان تقلب مزاج القذافي الذي احتوته الدبلوماسية السودانية لم يدفع العلاقات بينهما الي الانهيار ، عازية ذلك الي ان السودان احترم حاجته للعب دور اقليمي بعد الحصار الغربي المفروض علي ليبيا منذ العام 1992 على خلفية قضية لوكربي ، كما أن السودان كان يعيش ظروفا مشابهة على خلفية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه ووضعه في قائمة الدول الراعية للارهاب، فكان التعاون بغرض كسر الحصار بين البلدين ، هذا ما كان يميز السودان والدول العربية في بدايات حكم الانقاذ. لكن وثائق ويكيليكس التي حملت في داخلها تواريخ تعود الي العام قبل الماضي أي ان المواقف المعلنة جاءت في النصف الثاني من حكم الإسلاميين وبعد مفاصلتهم الشهيرة ربما جعل امر التكهن باي اسم من اسماء «الشقيقات العربيات» امرا صعبا الا انه ليس بالمستحيل ، والوثائق التي نشرتها مجلة روز اليوسف المصرية اول من امس بعد ان رفعت الويكيليكس حجاب السرية عنها دون تسمية اسماء الدول ، وابرزت درو الامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمر موسي لصد الضغوط علي السودان ونظامه وتحذير الولاياتالمتحدةالامريكية من مغبة تنفيذ ضربة على الخرطوم ، مع وصفه باللاعب الخفي في تحقيق سلام السودان الموقع بنيفاشا ، فالرجل وبالتزامن مع التاريخ الذي حددته الوثائق كان يتحرك بشكل مكثف لايجاد مخرج وتسوية للمحكمة الجنائية ، وبالرجوع الي منتصف يوليو من العام الماضي بالتزامن مع اضافة قضاة المحكمة الجنائية تهمة الابادة الى تهم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية الواردة في مذكرة التوقيف الصادرة في حق الرئيس البشير ، قال موسى ان هناك علامات استفهام حول توقيت قرار المحكمة الجنائية الدولية باضافة الابادة الجماعية للرئيس البشير ، في حينها أعلنت الخارجية الأميركية أن المبعوث الأميركي سيدعو السودان للتعاون مع «الجنائية» ، لكن الرجل لم يكتف بوضع علامات الاستفهام بل حذر من مغبة القرار، واشار الي انه يمكن أن يزيد الوضع فى السودان ارباكاً ، وأكد فى تصريحاته للصحفيين ، ضرورة الحفاظ على الوضع فى السودان والتمهيد للاستفتاء المرتقب حول مصير جنوب السودان طبقاً لاتفاقية نيفاشا، معرباً عن أمله فى ألا يحدث ما يمكن أن يزعج هذا التطور المهم ، وأبدى أمله في ألا يؤدى القرار الى عرقلة مفاوضات سلام دارفور في الدوحة ، لكن في نفس ذلك اليوم أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي وصول المبعوث الأميركي الخاص للسودان وقتها اسكوت غرايشن وحدد الأسبوع المقبل أي النصف الاخير من يوليو، ولم يزد فليب في تصريحه ذلك سوي ان غرايشن سيجدد دعوته للبشير من أجل «التعاون الكامل» مع محكمة لاهاي ، بيد ان موسى لفت الى أن المحكمة الجنائية الدولية تسير فى اتجاه مخالف ومغاير لتقارير الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى الموثقة، حيث كشفت عن أنه لم تحدث ابادة جماعية فى دارفور. من هنا .. المتتبع لحراك الامين لسابق لجامعة الدول العربية السابق عمرو موسى يمكنه ان يضع نفسه في الطريق المؤدي الي تلك الدول التي اشارت اليها الوثائق ، فقبل عام من الدور الذي ظل يلعبه موسى حسب الوثائق شن مقاتلو العدل والمساواة هجوما علي الخرطوم اكبر مدن السودان ومقر نظامها السياسي ، ووجهت الحكومة الاتهامات في ذلك الوقت الي النظام الليبي والتشادي ، وظل الاول يأوي قيادات حركات دارفور حتي قبل اشتعال الثورة وبداياتها بالجماهيرية ، بجانب علاقات الاخيرة مع عدد من الدول العربية غير ليبيا فتشاد التي تقف ضد السودان لوقت قريب جدا لها تحالفات استراتيجية اخري بعيدا عن العقيد القذافي ، وان استبعدنا النظام المصري البائد يمكننا التوقف عند تصريحات وزير الخارجية السوداني علي كرتي وتمعن ماجاء فيها حيث قال كرتي في بيان ألقاه أمام البرلمان السوداني ، ان العلاقات السودانية المصرية شهدت تحولا كبيرا بعد ثورة 25 يناير، وأضاف ان التردد في الانفتاح الكامل والتعاون الصادق مع السودان خلال فترة حكم النظام السابق ، حال دون احراز اختراق نوعي في القضايا الثنائية ، وعلينا ايضا ان ننظر الي تحركات دولة الجنوب عقب اعلانها بشكل رسمي وتحركاتها الدبلوماسية بالمنطقة ومن ذلك التقارب يمكننا ان نمسك بطريق اخر، قبل كل ذلك هل تذكرون ما اجاب به الدكتور الراحل جون قرنق ديمبيور عقب توقيع السلام عندما سئل عن دور اسرائيل في حرب الجنوب ؟ ورد نحن كنا نتلقي دعمنا من دولة عربية وليس من اسرائيل.