(كنت أتمنى أن أدخل الخرطوم على ظهر دبابة) هكذا....من داخل فندق (مونى) مقر إقامته بشارع عبيد ختم، كان الفريق مالك عقار يدلى بأول تصريحاته الصحفية عند وصوله ضمن وفد الحركة الشعبية بعيد توقيع اتفاق السلام فى نيفاشا ،فى ذات الحوار الصحافى الذى لم يجد حظه من النشر وقتها (لظروف ليست فنية)!! شن عقار هجوما قاسيا على معظم قادة العمل السياسى في الاحزاب.....ومابين ذلك التوقيت واليوم تدفقت ومرت مياه كثيرة جدا تحت جسراقدام والى النيل الأزرق عقارالذى عاد لاعبا اساسيا على واجهة الاحداث مع انفصال الجنوب واختياره رئيسا لقطاع الشمال بالحركة الشعبية، فقد طال غيابه عن ولايته لمايزيد عن الشهر بقى فيها فى الدولة المنفصلة حديثا يرتب مع رفاق الامس شكل العلاقة الجديدة بينهم لما بعد الانفصال واستراتيجيات العمل، وترك لأهالى ولايته هم ملاحقة غبار الشائعات والتكهنات حول غيابه الطويل خاصة مع استعراض العضلات العسكرية الذى قدمه القائد العسكرى لقواته مترافقا مع احتفالات انفصال الجنوب، لم ينسَ فيها القائد التلويح بالحرب على ذات الطريقة (العقارية) ما جعل اهل الولاية يحبسون انفاسهم ظنا بأن الحرب واقعة لامحالة على غرار مافعل الحلو بكردفان لكن (مالكا ) سرعان ماعاد الي ولاية النيل الازرق محملا طائرته ( أكداسا من جنيه السودان القديم) بحسب الشائعة التى رافقت وصوله، وعلا الهمس بها جهيرا حتى طرق مسامع مجالس الخرطوم، وهو ما قد يفسر لاحقا التحوطات الامنية العالية على حدود ولاية النيل الازرق فى الايام التى تلت عودة مالك عقار! وما أن حط عقار قدميه على الارض حتى حشد المكونات السياسية ورجالات الادارة الاهلية ورموز مجتمع النيل الازرق وصوب انتقادات عنيفة لسياسة المؤتمر الوطنى فى ادارة البلاد فى لهجة لم تخلُ من التحدى، قائلا بأن جميع القوى السياسية فى السودان تمتلك اسلحة ومليشيات ماعدا الحزب الشيوعى (فى تبرير لرفضه نزع سلاح الجيش الشعبى بالولاية) ولم ينسَ التأكيد على تمسكه باتفاق اديس ابابا (رغما عن نفض الوطنى يده عن الاتفاق) ....وختم حديثه بالتلميح لما تم فى جنوب كردفان من قبيل رفيقه الحلو الذى اشعل النزاع فى جبال النوبة . مسيرة عقار منذ ان جاء واليا على ولاية النيل الازرق عبرتسوية سياسية بينه وبين المؤتمر الوطنى ابان الانتخابات الاخيرة التى تفوق فيها عليه ابن ولايته فرح العقار، اكتنفها التناقض فى اغلب الاحيان حيث تفاوتت تصريحاته منذ ذلك الحين من النقيض الى النقيض فتارة يصرح عقار بأن مناطق ابيى وجنوب كردفان والنيل الازرق ستخوض حربا ضروسا ضد ولايات الشمال حال اظهرت نتائج استفتاء الجنوب خيار الانفصال، واخرى يقول فيها انه قد يتجه لضم ولايته الى اثيوبيا، وثالثة يقول فيها انه مع السلام ووحدة السودان مايشى بضيق افق الرجل فى العمل السياسى وعدم ثباته على رؤى محددة للتعامل مع الاحداث السياسية. ومع مجيئه الى رئاسة الحركة فى الشمال يخشى مراقبون من انسحاب ذلك على واقع الحركة شمالا بتفتت قواعدها حيث يبدو رئيسها الحالى غارقا فى تحديات ولايته، عاجزا عن «لملمة» اطرافها عقب خروج الجنوب بالإنفصال وتوارى معظم قياداتها الاخرين من النخب ذات الكاريزما والمقدرات السياسية المتطورة فى وضع يعكس احباطا عاما لدى معظمهم، بينما غاب بعضهم مثل ياسر عرمان خارج البلاد ويتوقع الاستاذ ضياء الدين بلال صاحب كتاب (شماليون فى الحركة الشعبية) ورئيس تحرير صحيفة السودانى أن يتجه مالك عقار لتوظيف قضايا الشمال واستغلالها لتحقيق تطلعاته فى النيل الازرق مثلما وظف قرنق قضايا الشمال لخدمة موقفه فى الجنوب، ويرى ضياء بلال ان عقار متأثر بنفس نهج التكتيكات فى علاقته مع القوى والاحزاب السياسية الذى اتبعه قرنق في نيفاشا، مشيرا الى ان خطاب عقار السياسى يحمل فى داخله اكثر من رسالة فى ذات التوقيت (الحرب والسلام) . وبنظرة فاحصة عن قرب، يتضح ان عقار يحيط نفسه بعدد كبير من القيادات الوسيطة ذات الميول او الانتماء اليسارى، واتجه لتعيين عدد كبير منهم كمستشارين له فى مهام مختلفة (خاصة فى الجوانب الاعلامية) ويلاحظ ان تلك القواعد تعد الاقرب لعقار منها لرفيقه عبد العزيز الحلو. المعروف تاريخيا ان النيل الازرق ظلت لعقود مناطق نفوذ للقوى التقليدية فى حزبى الامة والاتحادى، لكنها شهدت فى العام 1985 بداية اندلاع التمرد والعمليات العسكرية فيها، وعقب توقيع اتفاقية السلام شهدت تحولا ملحوظا فى تركيبة الولاء والنفوذ السياسى فيها الذى توزع فى معظمه بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بينما حافظت دوائر محدودة فيه على ولاءاتها القديمة، ويلاحظ اخيرا اتجاه عقار الى تغذية الخطاب الجهوى لابناء الولاية فى اطار تعزيزنفوذه مع بدء اجراءات المشورة الشعبية، وحتى خطاب عودته الاخير من الجنوب آخر وباتجاه الوطنى الذى تبنى خطابا اكثر حدة من بعض قادته مع الوالى متقلب التصريحات والمواقف مثلما ورد فى تصريح امينه السياسى الحاج آدم امس الاول الذى قطع فى تصريحات اعلامية بأن عقار ليس مفوضا للحديث باسم ابناء النيل الازرق، وان التسوية السياسية معه كانت لدرء فتنة، وجاء رد عقار سريعا بأنه رجل سلام (ومكنكش) فيه حيث جدد رئيس الحركة الشعبية تمسكه بالسلام وعدم تفريطه فى استقرار المنطقة، مؤكدا ان القضايا العالقة بينهم وبين المؤتمر الوطنى يمكن حلها بالحوار وتغليب مصلحة البلاد.