لم تمض سوى ايام معدودات على قرار كان بمثابة اشارة خضراء سمحت بمرور «6» منظمات دولية فى خط السير الى ولاية جنوب كردفان، ولكن سرعان ما اغلق الطريق تماماً امام الوجود الأجنبى فى البلاد ليصبح المسار معبداً فقط امام المنظمات المحلية والتى هى ادرى بشعابها رغم ضعف الحيلة والقدرة والامكانيات فى سبيل تقديم المساعدات الانسانية الى المتضررين من جحيم الحرب فى ولاية لم تعرف الاستقرار منذ ان طوى ملف الانتخابات، وفى خطوة وصفها عدد من المراقبين بأنها ستقود البلاد الى خط المواجهة من جديد مع المجتمع الدولى اعلن الرئيس البشير أن حكومته لن تسمح بدخول المنظمات الأجنبية الى جنوب كردفان وعليها ان تسلم مساعداتها الى الهلال الأحمر السودانى والذى بدوره سيقوم بتوزيعها على الأرض. حيث أعلن الرئيس البشير فى زيارته الى كادقلى ، وقف اطلاق النار من طرف واحد لفترة تستمر الى أسبوعين كاملين في ولاية جنوب كردفان، بعدها سيتم تقييم الأوضاع ورصد التطورات خلال الفترة المعنية، وقطع البشير بعدم سماحهم للمنظمات الأجنبية بالدخول الى جنوب كردفان، وعليها ان تسلم مساعداتها عبر الهلال الأحمر السوداني، ووجه الرئيس الضباط وضباط الصف وجنود الفرقة «14» التابعة للقوات المسلحة المقيمة فى المنطقة بتنفيذ قراره بوقف اطلاق النار الفورى امتثالا لمبادرة مؤتمر الادارة الأهلية ومبادرات أخرى، وذلك تعظيما للعشرة الأواخر من شهر رمضان. وفى حديثه للجيش بالولاية شدد البشير على منع أية منظمة أجنبية من ممارسة العمل في جنوب كردفان الا عبر الهلال الأحمر السوداني والمنظمات الوطنية، وقال «نرفض أن تعتب أبواب جنوب كردفان أية منظمة أجنبية، ولو دايرين يساعدونا يسلموا معيناتهم للهلال الأحمر السوداني»، ووجه البشير بتوفير مليون دولار على وجه السرعة للمتضررين بجنوب كردفان من النازحين والفارين من العمليات القتالية، لافتاً الى اجازة ميزانية الشؤون الانسانية كما هي دون نقصان، وتعهد بعدم تعرض اي شخص للجوع في جنوب كردفان. وبحسب مصادر موثوقة تحدثت ل«الصحافة»، فان مبلغ المليون دولار صدقت به وزارة المالية فعليا وهو الان تحت تصرف مفوضية العون الانساني، والتى عمدت الى ارسال «30» شاحنة محملة بالمواد الغذائية والذرة اتجهت الى مدينة كادقلي، وافادت ذات المصادر بأن اعلان الرئيس لوقف اطلاق النار كان الغرض منه تمكين المنظمات الطوعية والدولية من اداء مهامها الانسانية، واستجابة الحكومة للجهود الدولية والاقليمية الساعية لايجاد حل سلمي لأزمة جنوب كردفان. وبحسب مراقبين فان قرار منع المنظمات الأجنبية سيضع السودان وجهاً لوجه من جديد امام المجتمع الدولى والذى يتهم حكومة الخرطوم بوضع العراقيل امام المنظمات الدولية والعون الأنسانى لتقديم المساعدات للمتضررين، فى وقت سمح فيه السودان فى الأيام القليلة الماضية ل «6» من وكالات المنظمة الدولية بدخول ولاية جنوب كردفان لتقييم مخزون المواد الغذائية ووسائل الأغاثة والتى من المقرر ان تصل بعد غد الى مدينة كادقلى، وتجدر الاشارة الى ان سفير السودان لدى الأممالمتحدة دفع الله الحاج علي عثمان اكد أن «6» وكالات تابعة للمنظمة الدولية ستنضم الى بعثة تنظمها الحكومة السودانية الى ولاية جنوب كردفان وذلك لتقييم الاحتياجات الانسانية، واوضح عثمان ان مفوضية المساعدات الانسانية السودانية ستتوجه الى كادقلى السبت المقبل ومعها ست وكالات تابعة للأمم المتحدة تضم مكتب تنسيق الشؤون الانسانية «أوتشا» وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأممالمتحدة للطفولة «يونيسيف»، وقال «سيقيمون الوضع ويرون ما هي الاحتياجات اللازمة لسد الفجوات» في توصيل المساعدات الانسانية للمنطقة، لافتاً الى ان عدة منظمات غير تابعة للأمم المتحدة ستشارك فى البعثة أيضاً. الا ان قرار الرئيس البشير اغلق الباب امام جميع المنظمات وحجّم دورها تماماً و اقتصر وجودها ومساعدتها عبر بوابة الهلال الأحمر السودانى، على الرغم من الشكاوى المتكررة من مسؤولي الأممالمتحدة من فرض قيود عليهم و عدم السماح لهم بالوصول الى المنطقة التي تحتوي على عدد كبير من السكان الذين يعانون من اوضاع وصفوها بالمأساوية وتحتاح الى التدخل العاجل وتقديم المساعدات الانسانية ، وقالوا ان «السودان غير متعاون فهو لم يسمح ببقاء قوات حفظ السلام في أراضيه وأجبرها على مغادرة جنوب كردفان». وذكر مراقبون ان الحكومة السودانية تتخوف من وجود المنظمات الأجنبية وتشك فى نواياها لذلك عملت فى كثير من الاوقات الى عدم اتاحة الفرصة للمنظمات الدولية بالدخول الي المنطقة واقامة معسكرات للنازحين، معتبرين ذلك ذريعة تريدها الدول الكبري للدخول الي جنوب كردفان ومن ثم ادانة الحكومة على غرار ماحدث في دارفور، وهو مادفع الحكومة الى رفض قيام اى معسكرات فى المنطقة تصبح مدعاة للتدخل. وابلغت مصادر موثوقة «الصحافة» انه لن يسمح لاي موظف اجنبي بتسليم الاغاثة في مناطق النازحين ، وعلى المنظمات الدولية أن تستخدم موظفيها الوطنيين في تسليم الاغاثة للمحتاجين، وذكر ذات المصدر ان القوات المسلحة السودانية اعلنت بانها لا تستطيع ضمان الامن للموظفين الاجانب في جنوب كردفان، واما بخصوص الاصطاف الاجنبي فيسمح له فقط بزيارة مقار المنظمة في المدن المختلفة، وقال المصدر ان كل ذلك تم بالاتفاق مع وزارة الخارجية والشئون الانسانية وان الغرض الاساسي هو ايصال الاغاثة وانه فى حال توفرت الاحتياجات المالية فانه سيستغني عن المنظمات الأجنبية. وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل السياسى صديق تاور ان ثمة تناقض فى موقف الحكومة خاصة وانها اعلنت قبل ايام قليلة السماح ل «6» منظمات دولية بالعمل فى جنوب كردفان، واضاف تاور بأن الوضع الطبيعى ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها كامله امام شعبها وتوفر الاحتياجات الأساسية، وقال صحيح ان الحكومة اعلنت انها وفرت مليون دولار لسد الاحتياجات فى جنوب كردفان، ولكن السؤال الى اي مدى ستلتزم بوعدها، وهل آلية توزيع المساعدات الوطنية قادرة ومؤهلة للقيام بهذا الدور ، وقال تاور ان المنظمات الأجنبية رغم ماتقدمه من معينات الا انه مشكوك فى امرها ومعروف انها تعمل فى غطاء تحت اجندتها الخاصة، فى وقت يبحث فيه المجتمع الدولى عن ذرائع الا ان اعلان الحكومة وقف اطلاق النار من طرف واحد قطع الطريق للتدخل المباشر ليصبح تدخل المنظمات عبر البوابة الانسانية هو البديل للتصعيد. وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل السياسى الحاج حمد ان حديث البشير بمنع المنظمات الاجنبية بالتواجد فى جنوب كردفان معنية به المنظمات الدولية الطوعية العالمية غير التابعة الى الأممالمتحدة، وهى المنظمات التى تسعى الى تعميق الأزمة وفتح المعسكرات وتحويلها لدرع بشرى للمتاجرة فى سوق الاغاثة على حسب قوله، ووصف الحاج حمد خطوة الحكومة بالموافقة بمنعها للتواجد الأجنبى فى ولاية جنوب كردفان، وقال ان المنظمات الاجنبية تمثل جهات استخباراتية، خاصة وان الحكومة لديها تجارب مع منظمات اجنبية في اقليم دارفور ، وقال ان جمعية الهلال الأحمر السودانى مؤهلة للقيام بتقديم الخدمات الانسانية ، وتابع الحاج ان المنظمات الوطنية على ضعف امكانياتها وخبراتها الا انها قادرة على لعب دور كبير فى المجال الانسانى خاصة وان الشخصية السودانية تحمل قيما كبيرة مثل «النفير» ومساعدة المحتاجين.