مضى أكثر من نصف قرن على بداية صناعة السكر بالسودان عندما أنشئ مصنع سكر الجنيد في مطلع ستينيات القرن الماضي. وثبت نجاح زراعة قصب السكر وإنتاجه بالسودان، فقامت أربعة مصانع أخرى هي عسلاية وسنار وحلفا الجديدة وكنانة يبلغ إنتاج حصادها الحقلي السنوي جميعاً من قصب السكر حوالى9.5 مليون طن يستخلص منه ما يقدر بحوالى 725 ألف طن من السكر سنوياً. وبالرغم من أن السكر هو المنتج المستهدف الأساسي من هذه المصانع الخمسة وهنالك مصنع سادس لشركة سكر النيل الأبيض تحت الإنشاء، والسكر من السلع التجارية والاستراتيجية الناجحة جداً في السودان وهو الأساس في نمو هذه المصانع وانتعاشها الاقتصادي، إلا أن النظرة العلمية الثاقبة في قصب السكر وتركيبته النباتية والكيميائية، تؤكد أن هنالك نوعاً آخر من الإنتاج كان له أن يكون مصاحباً لإنتاج السكر منذ بداية إنشاء هذه المصانع، وهي المنتجات الحيوانية خاصة في بلد كالسودان يمتلك حوالى 147 مليوناً من الماشية «الأبقار والأغنام والماعز والجمال» تقدر بحوالى 60 مليون وحدة حيوانية «الوحدة الحيوانية 250 كجم وزن حي» تربى في ظروف تقليدية للغاية اعتماداً على المراعي الطبيعية وهي في المناطق الحارة فقيرة القيمة الغذائية وفي كثير من الأحيان لا تكفي احتياجات الإدامة للحيوان دعك من إنتاجه، وذلك لأن المُنتِج السوداني يفتقر للنظرة الاستثمارية لحيواناته، ولذلك فإن تكامل الحيوان في منتجات شركات السكر السودانية يعتبر خطوة مهمة لتنمية هذا القطاع الحيوي والمهم للاقتصاد السوداني، خاصة أن مخلفات صناعة السكر كلها تعتبر أعلافاً مفيدة للحيوان، وهي تمثل الجزء الأكبر من نبات قصب السكر، حيث أن السكر المستخلص من هذا النبات يمثل فقط 10% من القصب الذي يطحن داخل المصنع، و7.5% من جملة وزن النبات الذي يحصد بالحقل، بينما نسبة رؤوس القصب 25% من النبات، وهي من الأعلاف الخشنة الممتازة والمستساغة للحيوان. وقد وجدنا أنها لا تقل من حيث الكفاءة الغذائية عن علف أبو سبعين من حيث الطاقة واحتوائها على الكاروتين أحد المكونات المهمة لفيتامين «أ» العنصر الغذائي المفيد لإنتاج الحيوان وخصوبته ونموه وكمال صحته. وحقيقة رؤوس قصب السكر تحرق في كل مشاريع السكر قبل سكب القصب وترحيله للمصنع. وفي شركة سكر كنانة كانت لنا تجربة في موسم 2009/2010 في الحصاد الأخضر، حيث تقطع رؤوس القصب آلياً و تحزم في أوزان 250 400 كجم قبل ترحيلها لمواقع الاستهلاك. وهي تجربة إذا ما تم تعميمها في بقية المشاريع ستدخل حوالى 2.4 مليون طن من الأعلاف الخضراء لفائدة الحيوان في الأسواق السودانية. أما البقاس «تفل القصب» فهو من مخلفات صناعة السكر بنسبة 34% من القصب المطحون، ويبلغ إنتاجه من جميع المصانع حوالي 3.2 مليون طن، ويحرق في بعض المصانع لإنتاج الطاقة الكهربائية. وقد أثبتت التجارب بمصنع أعلاف كنانة أهميته في صناعة الأعلاف باعتباره مادة خشنة ومالئة للمجترات، وهو يساعد أيضاً في تخفيض تكلفة إنتاج الأعلاف. والبقاس يصلح أيضاً لإنتاج الورق والخشب المضغوط والفحم، ولكن كما سيتضح من أدناه فإن الماشية بما لها من مُعطيات استراتيجية لغذاء الإنسان يمكنها أن تنافس بجدارة كل هذه المنتجات. أما المولاس فهو ثالث مخلفات صناعة السكر وأهمها من الناحية الغذائية، حيث يحتوي على نسبة أعلى من الطاقة، ويمكن أن يكون بديلاً كاملاً للذرة في أعلاف الماشية. ويمثل إنتاج المولاس 3.5% من القصب المطحون وبكمية قدرها 250 ألف طن من كل المصانع السودانية. وللمولاس استخدامات أخرى كإنتاج الإيثانول والخميرة والفحم، ولكن في تقديرنا فإن الحيوان يمكن أيضاً أن ينافس للحصول على المولاس من بين هذه الاستخدامات، فقط يجب أن نوجد الحيوان ذا الكفاءة الإنتاجية المناسبة سواء أكان في اللحوم أو الألبان، وذلك يتأتى عن طريق النظرة الاستثمارية للحيوان التي أشرنا إليها في مقدمة هذا المقال. ومن أعلاه يتضح أن ال 9.5 مليون طن من قصب السكر المزروع في كل المشاريع السودانية تنتج 725 ألف طن من السكر زائداً أعلافاً للحيوان تقدر ب 5.85 مليون طن يشار إليها باعتبارها مخلفات لصناعة السكر وتحتوي في مجملها على 33.2 بليون ميجاجول من الطاقة الممثلة تكفي لإنتاج 488.2 ألف طن من اللحوم الحمراء قيمتها الحالية حوالى 2.4 بليون دولار أمريكي، أما إذا ما استخدمت في إنتاج الحليب فإن عائدها 6.6 مليون طن من الألبان تقدر قيمتها بحوالي 4.9 بليون دولار أمريكي. هذا من الناحية النظرية أما تطبيقياً فإنه يمكن خلطها مع مكونات أخرى كالذرة والردة وكسب الحبوب الزيتية...إلخ، لإنتاج ما لا يقل عن 25 مليون طن من الأعلاف الموزونة والمتكاملة للماشية المنتجة، علماً بأن القيمة المحلية للسكر المنتج حوالي 784 مليون دولار أمريكي. ومن أعلاه يتضح أن هذه المنتجات الجانبية من رؤوس القصب والمولاس والبقاس لها عائد اقتصادي يفوق السكر المنتج الأساسي بل وتتفوق عليه، إضافة إلى منتجاتها من اللحوم والألبان، باحتوائها على البروتين أحد العناصر الغذائية الأساسية والمهمة للإنسان والحيوان. ولنا في البرازيل، وقد حُظيت بزيارتها مع السيد الوزير الاتحادي للثروة الحيوانية قبل أشهر قلائل، مثالاً حياً للاستغلال الاستثماري الأمثل للثروة الحيوانية. والبرازيل تعتبر ثاني أكبر دولة في العالم إنتاجاً للسكر بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد حبا الله البرازيل بقطيع من الأبقار يقدر بحوالى 200 مليون رأس موزعة على 18 سلالة من أبقار الزيبو التي تم تحسينها عن طريق الانتخاب والتهجين بالأبقار المستوردة من الهند وباكستان وبعض السلالات الأوربية. فالبرازيل الآن تنتج سنوياً 8.8 مليون طن من اللحوم الحمراء يصدر منها حوالى مليوني طن تقدر قيمتها بخمسة بلايين دولار أمريكي. ومن أبقار اللحوم بالبرازيل سلالة النيلوري وهي من أبقار الزيبو بالمناطق الحارة تشابة أبقار البقارة بغرب السودان تم تحسينها عن طريق الانتخاب والتغذية الممتازة فارتفعت مقدرتها لإنتاج اللحوم ليصل الرأس منها حياً لوزن 500 كجم في فترة قد لا تتجاوز ال 14 شهراً من العمر، وهو وزن تصله أبقار غرب السودان في أربع أو خمس سنوات. خلاصة الأمر فإن إدخال الإنتاج الحيواني باعتباره أحد المكونات الاستثمارية في مشاريع السكر والاستفادة القصوى من مخلفات هذه الصناعة في تصنيع الأعلاف، يساعد كثيراً في رفع مقدرات الماشية السودانية الإنتاجية، خاصة إذا ما ربط ذلك بتهجين السلالات المحلية بالمستوردة المخصصة لإنتاج اللحوم والألبان. والله من وراء القصد. * مدير عام المزرعة الإنتاجية والغابات- شركة سكر كنانة المحدودة [email protected]