تعج الساحة السياسية هذه الأيام بكثير من المفردات التي كانت حبيسة في دهاليز المغلوبين من أبناء الشعوب العربية، بل وهناك ما أتى به مخاض الثورة والهبَّة الجماهيرية في كثير من بلداننا العربية التي تشهد هذه الانتفاضات الكبيرة، والتغيير الذي ما فتئ يسري في جسد الأرض العربية ويستشري فيها كما النار في هشيم الأدغال والأحراش فكلمات مثل القصاص والرصاص والمشانق والمقاصل والمحاكمات والسجون والمحاسبة مقابل الطغيان والطغاة والجبروت والمفسدين والظلمة والأتباع والعملاء المأجورين هي مفردات تنصب في أن تطلق في وجه كل حاكم عربي متخاذل عن قضايا أمته وشعب بلده إزاء القضية المحورية التي توضع في مصاف الحكم المسبق على درجة النخوة أو الخور الذي يتمتع به كل حاكم.. مهما اختلفت المسميات والألقاب لمن هم على دست الحكم في الأقطار العربية .. عرفت الشعوب العربية مثل غيرها من الدول الممارسة الديمقراطية ولكن ما حاق بواقع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في كثير من دولنا العربية من تغييب للأدوار والمشاركة في الحياة العامة وممارسة الصلاحيات وتحجيم المواد الكفيلة بعملها من قبل السلطات الحاكمة ما هو إلا مدعاة لجر الشعوب وراء هذا الصراع المرير.. والذي لم يكن متوقعاً بهذه الصورة .. فكانت ثورة إلكترونية في مضمونها وكان الوعي بواقعية الأداء والمقدرة التي يكفلها التوظيف الحديث للوسائط الإلكترونية هو الفيصل في استلهام الروح الثورية بأن يصبح ما ينصب من عبارات التأفف من الحاكم الظالم والأنظمة الجائرة هو ساحة الخلاص الحقيقية والساحات الحرة التي أضحت ملاذات آمنة يتفيأ ظلالها كل من حاق به حيف الأنظمة .. والأنظمة العربية باتت تشكل هماً ووبالاً يصعب الخلاص منه إلا عبر التضحيات الجسام وفناء الأجسام. فلم يكن هناك حاكم راشد يرعوي لصالح ومصالح أو مطامح مجتمعه وشعبه والحفاظ على أرواحهم .. بل كل هم الحكام ومن شايعهم على حكمهم من البطانة التي لا هم لها أو دور غير خير الحاكم .. أي.. وكل من يمثلون هذه الشعوب التي ولتهم زمام أمرها من حكام ووزراء ووزراء دولة ودستوريين تنفيذيين أو تشريعيين أو أمناء عامين أو وكلاء أمناء عامين أو ولاة أو معتمدين.....الخ.. لا تجدهم في غالبية عددهم ينحازون بشكل كلي لمصالح هذا الشعب، بل أصبح جلُّهم ينجرف وراء المصلحة الخاصة له ولذويه وخاصته، فالوظائف والمهن لا تأتي الحظوة فيها إلا لمن كان يمِتُّ إلى هؤلاء بشيء من القرابة، والعطالة والبطالة تمتد بأطنابها على كل ساحات هذا الوطن المنقوص، وإن سلمت نونه فإنها في متنازع الأسماء وتجاذباتها .. إنه لا يخفى على ذوي كل بصيرة وعاقل ما آل إليه حال كل من تسنم من من ذكرنا من الوظائف العليا وغيرهم من الذين أخذوا موقعاً في أية وظيفة حتى على أدنى مستوياتهم وساد ديدنهم في أن يكونوا على دين من هم أعلى منهم يبسطون أيديهم على أخضر الناس ويابسهم يتسابقون في امتلاك العقارات ويتطاولون في الأبراج والعمارات ويتباهون بأعداد الڤلل والسيارات الفارهات .. لمن ترى أنهم يسعون في الخدمة والجلوس في مكاتبهم التي وجبة الفطور المجانية فيها تساوي أضعاف ما تساويه تكلفة عملية ولد فقير وابن فقير حاول أبوه الانتحار حين لم يجد نفسه قادراً على توفير رسوم العملية لابنه الذي كاد يسحقه المرض .. وأراد أبوه ألا يرى ابنه يموت جراء العوز الذي يكتنفه، ففضل أن يسحق نفسه، وهو المسحوق بذل الفقر وضنك العيش، وهو يمقت السؤال .. فلم السؤال وبالمستشفى مكاتب التأمين الصحي وهناك مكاتب الزكاة التي ترد الناس في سؤالهم على أعقابهم .. إنها مكاتب الزكاة ومظلات التأمين الصحي والدعايات المقرضة التي يمتنُّون بها على الناس بأنهم فعلوا لهم ما فعلوا .. ولكنهم لا يحبون أن لا يرى الناس فعلهم بمثل الذي فعلوه لأنفسهم لأن الحديث في مثل هذا لا يحلو إلا لمن ساواهم في النهم والشره على أملاكنا العامة بالثراء غير المشروع.. لقد أضحى الحديث عن الفساد هو الشغل الشاغل لكل الناس وهم يعانون من وطأة الغلاء في الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة والحيرة أمام طلبات الأبناء.. والدليل الساطع والبرهان القاطع ما نراه من إحجام أو قلة شراء حاجيات المدارس للأبناء والبنات في بداية هذا العام .. وما حل بالسوق من كساد.. والتطاول على الحقوق لم يقف حده تماماً بل تعداه إلى مراحل أبعد .. ليكن في هذا سؤالنا: لِمَ كانت الدولة تراهن.. متمثلة في رئيسها على أن يكون لها نصيب من البترول في الوقت الذي تعي أن البترول معظمه في الأراضي الجنوبية ؟ ولِمَ قامت بمدِّ كل هذه الأنابيب التي اجتازت الفلوات والفيافي والأدغال إن كان ما يقال حقيقة أن الشمال في كثير من بقاعه شرقاً أو غرباً على وفرة من خام النفط وخاصة دارفور التي يقولون إنها تعوم على بحر من البترول؟.. فالجنوب لم يعدم المنافذ التي يمكنه من خلالها تصريف وتسويق خامه النفطي..أي إنه إن لم يستطع عاجلاً فإنه آجلاً سيكون أكثر قدرة واستطاعة. فهو بمساحته وأعداد أبنائه إزاء المنتج من خام النفط الذي كان تقاسم الثروة يأخذ منه الكثير حري بأن يضمن لهم الاستثمار في بترولهم.. و يجعلهم يعيشون في بحبوحة من العيش وترف الحياة.. حتى ولو كان تصديرهم له عبر براميل ( كارو الحمير) إلا موانئ كينيا .. وهو البترول الذي نهل وعب منه كل محتنك وكل من كز بأسنانه في ثوب أطماع هذه السلطة ووكز كل سائل له حق عنده.. [email protected]