لا تفتر عجلة التقنية الحديثة والعولمة في عصر الانفتاح المعلوماتي والفضاء المفتوح من مفاجأة الإنسان في الكون الفسيح بمخترع جديد أو تقنية حديثة كانت إلى عهد قريب بعيدة عن مجرد تطواف الخيال حول حماها حتى كاد لا يرتفع حاجب الفرد دهشة وانشداها كما كان يفعل أمام كل جديد، فالمخترعات الحديثة والتقنيات الجديدة بلا أدنى شك قد أسهمت في تطوير الحياة وتسهيل سبلها وتطويع حاجيتها دون كبير عناء غير أنها في نفس الوقت لها من المسالب الصحية والاجتماعية وربما السياسية بل في كل مناحي الحياة وضروبها المختلفة لكونها سلاح ذو حدين فيتوقف نفعها أو ضررها على أي الحدين استعملنا . ولعل خير شاهد يستدل به في هذا المقام نعمة أجهزة الاتصال الجوال أو النقال التي سهلت ويسرت الحياة والاتصال فيها فاختصرت الجهد والوقت وقربت البعيد وأدنته حتى أضحى لا يحس للغربة أثر في الحياة لجهة أن المرء مهما بعدت شقته عن ذويه وأهله يمكن أن يقف بالصورة والصوت على آخر تطورات ما يجري في باحتهم لحظة بلحظة دون أن يفوته شيء، ولما كان لأجهزة الاتصال ملحقات على رأسها سماعة الأذن التي بصدد الحديث عن آثارها السالبة على صحة المتعاطين معها بكثرة جراء الإشعاعات التي تنبعث من بين ثناياها أثناء عمليات الاتصال أو الاستماع لمواد صوتية مسجلة بغض النظر عن محتواها فكل من ينظر حوله في البيت أو الشارع أو الأماكن العامة يقع ناظره على شاب أو شابة أو مجموعة منهم تضع سماعات على آذانها حتى أضحى منظرهم أقرب للظاهرة الاجتماعية رغم علمهم التام بأن الإكثار والإفراط في وضع السماعة لفترات طويلة له آثار سالبة على صحة الأذن بيد أن لكل منهم دوافعه وبواعثه على ملازمة السماعة لأذنيه . يقول الطالب بجامعة الخرطوم طارق محمود عباس إن استعماله لسماعة الأذن باستمرار مرده إلى سهولة التعاطي معها عند ورود مكالمة هاتفية بجانب أنها تمكنه من الاستماع والاستمتاع بالمواد الصوتية المسجلة في ذاكرة هاتفه دون أن يفرضها على الآخرين علاوة على أنه يرى أن الانشغال بالاستماع في الشارع والمواصلات يليه عن ما يجري فيهما دون كبير اكتراث وأقر بأثر الاستعمال المستمر على صحة الأذن وكفاءة السمع . أما الخريجة الجامعية ميادة كمال الدين ترى أن استعمال كثير من الشباب لسماعة الهاتف الجوال في المواصلات استماعا للأغاني أو أية مادة مسجلة له ارتباط وثيق بالعولمة وهي أقرب للموضة التي ركب موجتها الشباب وأن كل متخلف عن ركوبها ربما وصمه المتعصبون لفكرتها بالرجعية ودعت لحسن استخدام التقنيات الحديثة حتى لا تخرج من مسارها الإيجابي المرسوم وأعربت عن امتعاضها من تلاعب بعض الطلاب والطالبات في مرحلتي الثانوي والجامعة في الأماكن العامة (الكافتريات) والمواصلات وتقاسمهم سماعتي الأذن لجهة اعتبارها خروج عن الذوق العام وفيه عدم احترام لقدسية الشارع . واعتبر الباحث الاجتماعي فيصل محمد شطة الاستماع باستمرار عبر سماعة الهاتف ضربا من ضروب الهروب من الواقع الذي يعيشه الشباب للعيش في العالم الذي يرسمه الشاب لنفسه وأن تمكن الظاهرة واستشرائها مرده إلى ضعف الجانب التربوي من الأسرة التي لم يعد لها سلطان في مجريات حياة أبنائها في كثير من الأحيان جراء التأثر بكل ما هو وافد والتعاطي معه دون روية ووصف ما يحدث وسط الشباب بالاستلاب الثقافي التام ولفت للآثار الصحية السالبة للظاهرة .