(1) لماذا هذه الصعوبات: مجابهة الموقف السياسي الراهن تواجه العديد من الصعوبات النظرية والمنطقية (الاخلاقية) تلك العلاقة التي ابرزها القاضي ابن رشد والتي ما كان بعض النهضة دونها ان يزدهر، ازدهاراً للعقل والمنطق والقيم الاخلاقية. ولعل من أبرز هذه الصعوبات تراكم مادة الوضع السياسي الراهن لأكثر من عشرين عاما، مما يستدعي النظر في ارشيف الوثائق والاحداث والاخبار وقضاء الوقت تأملا في تتابع الاحداث وتراكمها طوال هذه الفترة، خاصة بعد ابرام اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا 2005/1/9م وما بعدها من اتفاقيات في ابوجا وأسمرا واديس ابابا والمفاوضات المستمرة في الخرطوم والعواصم الافريقية والعربية وجهود شخصيات اقليمية محترمة من رؤساء بلدان افريقية وعلى رأسهم الرئيس ثابو امبيكي رئيس الحكومة التي هزمت اعتى الانظمة العنصرية في تاريخ افريقيا والعالم الحديث، وجهود اخرى بذلت وتبذل من بلدان عدة في قارات العالم الست. * من ابرز معالم هذه الصعوبات: (2) التناقضات والمفارقات: وتمتلئ الصحف السيارة وصفحاتها بالاخبار والتصريحات والاحاديث والأجوبة على أسئلة الصحفيين والاعلاميين قويتين بعضها مع مرور الزمن الى تصريح او حديث ينفي سابقه او آخر يناقض ما جاء به الآخرون او يناقض ما قامت به حكومة الانقاذ منذ توقيع اتفاقية السلام ومنها ما يستدعي تسميته بالمفارقة، اذ كيف مثلا توقع الحكومة اتفاقيات للسلام مع العديد من الحركات المسلحة في نيفاشا واسمرا وابوجا وترفض في تصريحات أخرى أية وساطة او مفاوضات، وتدفع بوزير الخارجية السيد علي كرتي لكتابة مذكرة شكوى لمجلس الامن يطلب التدخل الدولي لاستتباب السلام في مناطق النزاع في جبال النوبة والنيل الازرق وكذلك منطقة دارفور بعد اتهام موقعي اتفاقية نيفاشا من حكام جنوب السودان بانتهاك الاتفاقية! هل يعني ذلك الغاء جميع التصريحات والاحاديث الخاصة برفض التفاوض والوساطة وتدخل المجتمع الدولي الصادرة أخيراً في الصحف السيارة. (3) حل التناقضات بقبولها أم رفض التناقض؟ وتلك هي المسألة المنطقية الصعبة الحل دون اللجوء للرشد والعقل والحقيقة والصحة النفسية المفترض فيها عقلا الا يناقض الكائن البشري اقواله وافعاله والا لما كان انتاج الموارد الطبيعية والبشرية والصناعة والزراعة والخدمات ممكنا واذ كيف للمنتج والمبدع ان تتناقض أقواله ونظرياته وحساباته اثناء ادائه للفعل المنتج والمبدع لقيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ وهنا معنى ومفترى رفض التناقض بنظرية عقلانية رياضية تتطابق فيها الاقوال والأفعال وتصبح فيها هوية الفعل والقول هوية لا تقبل التناقض والمفارقة، وحينها تعرف او تعرف بأنها ذات قيمة اخلاقية وجمالية وفائدة لاستمرارية الجنس البشري. (4) علاقة المراحل أم انقطاعها؟ وتلك هي الصعوبة التي ستواجه المؤرخين في المستقبل، ولن نخوض بعيدا في التساؤل عن علاقة مرحلة استقلال السودان بما بعد الاستقلال، ولكن البارز الآن ما علاقة مرحلة توقيع اتفاقيات نيفاشا «السلام الشامل» وأبوجا واسمرا بالمرحلة الحالية المسماة رسميا مرحلة ما بعد التاسع من يوليو 2011م؟ هل انقطعت العلاقة بين المرحلتين؟ ام انقطعت الصلة الفكرية والعقلانية والمنطقية والقانونية بين المرحلتين اذ تعثر العلاقات العامة والاجتماعية والسياسية بين اطراف المرحلتين؟ وهل ستعيد هذه الصلة مذكرة السيد وزير الخارجية لمجلس الامن وكيف دون تفاوض ووساطات جديدة؟ (5) الحلول للمشاكل أم اختلاق مشاكل جديدة؟ وهذه هي الصعوبة الأخرى اذ كيف يسعى الجميع محليا واقليميا ودوليا لحل مشاكل السودان المتعدد الاقاليم والاثنيات والثقافات واللغات والهويات الوطنية والقومية والدينية والعقائدية والطائفية والمذاهب الدينية والفلسفية، ويبذل الجهد المرهق للجميع بالتفاوض والمؤتمرات وورش العمل والسمنارات والمحاضرات والمقالات والأوراق العلمية بل والكتب المتعددة الاحجام، والقرارات الصادرة محليا واقليميا ودوليا والتي ان طبعت لملأت مجلدات ضخمة العدد والحجم. وكيف يمكن في عصر المعلومات والعقل والمنطق وحقوق الانسان وخاصة بعد عام 1945م وعام 1961م عامي تأسيس منظمة الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي والالتزام المفترض لأعضائها بمواثيقها وقراراتها الملزمة للعضوية ومبادئها من سلم وتنمية وحريات وعدالة وحكم رشيد وتعددية ملزمة للبلدان والحكومات ذات التعدد الثقافي والإثني واللغوي.. الخ. وفي هذا السياق هل نتجه حضارياً نحو حلول المسائل والمشاكل القديمة والمستجدة بالعقل والحوار والمنطق أم باختلاق وتوليد مسائل جديدة ومشاكل جديدة؟ وكلما برمجت في برامج التعليم العام والعالي لزادت سنوات الدراسة من كثرتها وصعوباتها؟ ولامتلأت مكتبات المدارس والجامعات بمراجعها ومقرراتها؟. (6) مبدأ التعددية: قبول هذا المبدأ من حكومة السودان الحالية التي استلمت السلطة منذ 30 يونيو 1989م اخذ من جهود المفاوضين والوساطات المحلية والاقليمية والدولية عدة سنوات حتى اعترف بالمبدأ في دستور 1998م وبعد ذلك استمر التفاوض 7 سنوات أخرى حتى تم الاعتراف بها مجددا وبتفاصيل اكثر كماً ونوعية في نصوص اتفاقية 2005/1/9م، فكيف يمكن الا يكون ذلك واقعا سياسيا واجتماعيا وثقافيا ويظل مطلبا فيخرجه اصحابه من بطون نصوص الاتفاقيات الدولية والوثائق المحلية والاقليمية والدولية المعروفة لدى جميع سكان السودان؟!. (7) مبدأ التحول الديمقراطي: وهذا المبدأ - صار قانونا وميثاقا فالشعب السوداني منذ عام 2005م صار طريقا طويلا يقصده ويمشي عليه جميع السودانيين من السكان المحليين الاصليين للسودان وضيوفهم الذين قال عنهم الرئيس اسماعيل الازهري «كرماء لضيوفنا أعزاء في بلادنا» وليس افضل من اكرام الذين فاوضوا ونفذوا اتفاقيات السلام واجتهدوا في البحث عن حلول لمشاكل السودان المتعددة منذ زوال الاستعمار البغيض، ولعله من الممكن للجميع الآن بعد 2005م الاتفاق على ان مستقبل السودان غير ممكن دون مبدأي التحول الديمقراطي والتعددية: كلنا لا نستطيع انكار ان تلك المبادئ كانت انتصارا للعقل والرشد والمنطق السليم والاخلاق الانسانية والتراث السوداني والانساني في حل مشاكل المجتمع السوداني منذ ان برزت على السطح. من يستطيع أن ينكر ذلك او ينحرف عن هذين المبدأين العظيمين؟ (8) الدستور واتفاقيات وعهود حقوق الإنسان؟ وهذه هي المفارقة التي تستدعي التأمل والمراجعة والتفكير العميق والبحث المتأني: تلك الفقرة في اتفاقية نيفاشا 2005/1/9م المترجمة (12-1-2-3-4) والتي تلزم صياغة دستور دائم للسودان لا يتناقض في كلمة واحدة او تعبير واحد او نص واحد او نظرية واحدة مع جميع مواثيق وعهود حقوق الانسان الصادرة عن منظمة الاممالمتحدة منذ عام 1945م حتى اليوم بما في ذلك القرارات الملزمة والخاصة بتنفيذ المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية المبرمة بتوقيع حكومة السودان. ألا يلزم هذا النص الجميع بالنظر في الموقف السياسي الراهن بعيون وتأمل مبصر لكل التفاصيل والمخاطر التي يمكن ان تجابه انتهاكا لهذه الفقرة من اتفاقية نيفاشا وهل يستجيب مجلس الامن الدولي حين النظر في مذكرة السيد وزير الخارجية في ضرورة تطبيق هذه المادة من الاتفاقية مقروءة بالتوافق غير المتناقض منطقياً مع المواد الاخرى الملزمة أيضا؟؟ (9) السودان حكومة اتحادية أم حكومة وحدة قومية؟ وهذه هي الصعوبة الاخرى الناشئة بعد هذه الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي ابرمتها الحكومة السودانية والمعارضة بأطرافها منذ ان بدأ التفاوض حول التحول الديمقراطي والتعددية في عامي 1994/ 1995م اذ كان لابد من الاجابة على السؤال كيف يحكم السودان الكبير المترامي الاطراف ذو المديريات التسع بحكومة اتحادية فيدرالية وكونفدرالية ام بحكومة وحدة قومية تنصهر فيها الاثنيات والثقافات واللغات والقبائل المتعددة والشعوب في هوية قومية واحدة ولغة واحدة وثقافة واحدة ام يتم الاعتراف بالواقع المر لتعدد ثقافات واثنيات ولغات وقبائل وأديان وعقائد وطوائف شعب السودان والمعبر عنها احيانا في برامج بعض الاحزاب السياسية وخاصة الاقليمية منها؟ ما هو الاطار الدستوري والقانوني والاداري لهذه التعددية في بلد كبير مثل السودان غير الحكم الفيدرالي، الكنفدرالي والاعتراف بالواقع وتقنين الحقوق والحريات كافة لهذه الاثنيات والقبائل لتحكم نفسها بنفسها وتزول أحكام المركزية المطلقة والشمولية ونظام الحزب الواحد والهوية القومية الثقافية الواحدة! هذه هي الخلفية الثقافية التاريخية والاخلاقية المنطقية لجميع الاحداث التي شوهدت في السودان منذ الاستقلال عام 1956م. (9) الحل السلمي أم الحل العسكري؟ ومن الصعوبات امام تحليل الموقف السياسي الراهن ما تذكرناه من شعارات ثورة 21 اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس ابريل 1985م حين ارتفع شعار لا للحل العسكري ونعم للحلول السلمية وانهاء الحروب الأهلية التي عانت منها شعوب السودان والقارة الافريقية منذ قرون عديدة أي منذ طرق ابوابنا ما يسمى في كتب التاريخ بالاستعمار! وليس ابرزها الحرب الاهلية المعروفة بحرب التحرير ابان الحكم التركي العثماني للسودان منذ عام 1881م - الى 1885م وبغض النظر عن حروب سبقتها في اعماق تضاريس خريطة السودان في الجنوب والغرب والشرق والجبال! وذلك لان الدارس لتاريخ السودان لا يمكنه ان يتفادى تاريخ الحروب التي اجهدت هذا الشعب البطل. وكان الشعار والبرنامج دائما الحل الناجع دائما لا للحل العسكري ونعم للحل السلمي. تلك هي دروس وعبر تاريخ بلادنا والتي استوعبها ما عرف الآن عندنا بالمجتمع الدولي والاقليمي ومحاولاته المستمرة للتفاوض لاستتباب السلام في ربع غاباتنا وسهولنا وجبالنا وشواطئ انهارنا وبحيراتنا ومدننا وقرانا ومراعينا! مرة اخرى ومع الجميع محليا واقليميا ودوليا لا للحرب نعم للسلام. * متعاون مع منظمة الأمم المتحدة