اندلعت الحرب فى ولاية النيل الأزرق ومازالت تدور رحاها، مخلفة أوضاعاً مأساوية وواقعاً افضى الى موجاتٍ من النزوح وتشريد اعداد كبيره من الأبرياء، وان عاد الهدوء والامان النسبى الى العاصمة الدمازين ورجوع عدد من الفارين الى مساكنهم، الا ان القلق لم يتلاشَ فى وقت اقر فيه اطراف النزاع الحل العسكرى خياراً لحسم المعركة بدلاً من الحوار. حيث نظم مركز التنوير المعرفى ندوة حملت عنوان « احداث النيل الأزرق المآلات والحلول» تناولت اسباب النزاع والبحث عن كيفية معالجته فى ظل الظروف الراهنة. وفى بداية الندوة تحدث الباحث فى قضايا النيل الأزرق البروفسير عبدالرحيم عثمان محمد، احد ابناء الولاية عن تداعيات ومآلات الحرب فى المنطقة مستنداً على إستحقاقات إتفاقية السلام والبروتوكول الخاص بالمنطقتين النيل الأزرق وجنوب كردفان وما تضمنه من حقوق تمثلت فى المشورة الشعبية كحق اصيل لمواطنى الولايتين بإعتبارها تسوية نهائية للنزاع واجابتها على سؤال ان كانت الإتفاقية لبت طموحات شعب الولاية ام لا واوضحت الخطوات التى تتبع اذا كانت الإجابة بلا، لافتاً الى ان الولاية لم تكن بها مشكلة متعلقة بالسلطة قبل او بعد الإنتخابات واكد ان ماتم الإتفاق عليه فى البروتوكول تم تنفيذه تماماً الا انه نوه الى مشكلة ظلت تطل برأسها فى كل مره وهى مسألة الترتيبات الأمنية التى تفجرت على إثرها الأوضاع فى النيل الازرق وقال عثمان ان الجيش السودانى اكمل إنسحابه من الحدود الجنوبية بنسبة 100% وان جيش الحركة لم يصل تراجعه نسبة 37% الى حدوده المتفق عليها حتى موعد الإنفصال، وكان الإتفاق انه اذا صوت اهل الجنوب للإنفصال فإن الوحدات المشتركة والمدمجة كل فصيل منها يعود الى اصله قوات الحركة الشعبية الى الجنوب والجيش السودانى الى الشمال، ولكن الترتيبات الأمنية لم تتم بسبب رفض الحركة ومماطلتها فى كل الأوقات لشئ فى نفس يعقوب اتضح اخيراً بإشعال الحرب فى الولاية ونوه الى ان القوات المشتركة كانت متعايشة فى المنطقة وتوزعت الكتائب وان قيادة هذه القوات كان يجب ان تكون فى منطقة «دندرو» جنوب الدمازين ولكنها انتقلت الى داخل عاصمة الولاية ما تسبب فى عدد من المشاكل واحتكاك هذه العناصر مع المواطنين وذلك لتواجدها بالقرب من المساكن والأحياء، واضاف عثمان ان الحركة احتفظت بقواتها فى الدمازين لاجندة معروفة الى ان دارت الحرب رحاها وبدأت المعركة داخل المدينة ونزح كل المواطنين فى المنطقة الى اتجاه الشمال من «خور نمر» الى الخرطوم، وقال عثمان كان النزوح كارثة إنسانية تجلت فيها عبقرية الشعب السودانى البسيط واهل القرى وإيوائهم للفارين من جحيم الحرب، واشار الى ان عدد النازحين وصل الى (300) ألف نسمة وهو رقم يمثل (40%) من سكان الولاية والذين قدروا حسب التعداد الأخير ب (800) ألف نسمة، واوضح عثمان ان عدداً كبيراً من هؤلاء رجع الى مناطقه بعد استقرار الأوضاع الأمنية فى الدمازين وبسط الجيش السودانى سيطرته على اجزاء كبيرة من الولاية، وقال عثمان ان مآلات الأحداث والحلول ترتبط بعدد من العوامل منها اتجاه الحرب نفسها فى ضوء الحل العسكرى «الجيش كيف يستمر، الى اين، والى متى، والى اين يريد ان يصل وكيف» بالإضافة الى سياسة الدولة وكيف ستتعامل مع هذا الوضع والمجتمع الدولى والجيران وخاصة ً دولة جنوب السودان واثيوبيا ومواقفهما من دعم الدولة الام لتجاوز التمرد ام بدعم التمرد ليقوى على الدولة، فكل هذا يحدد مآلات الأوضاع فى المنطقة، بجانب إستجابة المواطنين لنداءات الحكومة بالرجوع لمناطقهم لتخيف وتجفيف تبعات النزوح، وقال عثمان ان هناك عدداً كبيراً من قيادات الحركة الشعبية لم يروقهم تصرف مالك عقار واعلنوا عن ذلك فى القنوات الرسمية، واضاف ان الحلول ليست ساهلة وعادة مايضع المسؤولون كل السناريوهات المحتملة المتشائمة والمتفائلة لافتاً الى أن الحكومة لم تكن ترغب فى الحرب وحتى مالك عقار ايضاً ولكنه تعرض الى ضغوطات من عدة جهات دفعته الى دخولها. وفى ختام حديثه قال عثمان ان الحرب لاتحل مشكلة وانه لابد من العودة الى الحوار لافتاً الى أن الحرب استمرت فى هذه المنطقة لما يقارب (20) عاماً وانتهت بالحوار ونوه الى انه فى حال إستمرار الحل العسكرى يجب ان تحصر الحرب فى الشريط الحدودى وان لاتصل اجزاء الولاية فى اسوأ الفروض الى حين حسمها او التوصل الى حل سياسى. وفى مستهل حديثه طوف وزير الدولة بالشؤون البرلمانية والمنافس السابق لمالك عقار فى منصب الوالى إبان فترة الإنتخابات فرح عقار فى سياحة عن التاريخ السياسى للنيل الأزرق منذ سلطنة الفونج مروراً بالتركية التى خلفت خللاً اجتماعياً بتحويل المنطقة من بلد ملوك ومكوك الى سوق لتجارة الرقيق، بالإضافة الى الإستعمار الإنجليزى والذى عمق الهوة مع الشمال فى ظل سياسة المناطق المقفولة ما احدث تمايزاً وخللاً فى اندماجها مع المركز، وتابع عقار ان الحكومات الوطنية لم تفلح فى تغيير الواقع ما خلف حركات إحتجاجية تحولت الى مسلحة تم تسويتها بإتفاقيات سياسية انتجت اتفاقية السلام الشامل والتى تم توقيعها بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى نتج عنها بروتوكول المنطقين والذى افرز قانون المشورة الشعبية والذى اوضح ادارة وحكم الولاية واشار عقار الى المادة (3) من قانون المشورة والذى فصل الترتيبات الدستورية والسياسية والإقتصادية المتعلقة بهيكل ونوع ومستوى وعلاقة الولاية بالمركز ومشاركتها فى الحكومة الإتحادية، وتحدثت المادة (13) عن مراقبى الإتفاقية من منظمات المجتمع المدنى المحلية والإقليمية والدولية والإتحاد الافريقى والإيقاد وشركائها وجامعة الدول العربية ولكنها سكتت عن من يدعوهم، لافتاً الى ان المادة 15/2/أ اوضحت ان هناك ثلاث جهات تقدم تقريرها للمجلس التشريعى بالولاية اولها المفوضية البرلمانية للمشورة الشعبية وثانيها تقرير حكومة الولاية والتقرير الثالث من المفوضية الرئاسية للتقويم والتقدير وعلى ضوء ذلك يلخص المجلس التشريعى قراره اذا كانت الإتفاقية لبت طموحات سكان الولاية بنعم فان ذلك يعتبر تسوية نهائية للنزاع فى المنطقة واذا لم تُلبِ الطموحات واجمع التقرير على قصور فإن المجلس التشريعى يكون لجنة للتفاوض مع المركز حول مطالب اهل الولاية، واذا لم يتم الإتفاق ينتقل التفاوض الى مجلس الولايات، واذا لم تحسم القضية يتجه الحل الى التحكيم، واوضح عقار ان جميع تلك الخطوات يفترض ان تكتمل قبل نهاية الفترة الإنتقالية، حتى يمضى الإتفاق فى مساره الصحيح، ولكن تعثرت الخطوات وتعقد الخطوات اكثر من السابق لأنه بإنتهاء الفترة الإنتقالية وانفصال الجنوب اصبح هناك خلل فى المشورة لان اللجنة الرئاسية المفاوضة من المركز تضم نائب رئيس الجمهورية ووقتها كان من الحركة الشعبية، واذا انتقل الملف الى مجلس الولايات نجد ان عشر ولايات ذهبت مع الجنوب ولايوجد ممثل للحركة الشعبية، واضاف عقار اصبح الوضع معقداً وتحول الى جدل فى المفاهيم حول معالجة قانون المشورة الشعبية، ونوه الى تمديد فترة المشورة الشعبية دون معالجة الوضع الإنتقالى لن تحل المشكلة، وعزا عقار انفجار الأحداث فى الولاية الى هذا الفراغ الذى طال تعقيدات ملف المشورة الشعبية بالإضافة الى عدة عوامل ادت الى فقدان الثقة بين الأطراف. وقال ان الوضع القائم الآن والمبنى على اتفاقية السلام لحله لابد من الجلوس من جديد والوصول الى تسوية حتى يتم التعديل فى الصيغة والموجهات لقانون المشورة الشعبية بما يتماشى بعد نهاية الفترة الإنتقالية وإنفصال الجنوب، وحذر من الإستمرار فى الحرب لانها ستفرز واقعاً غير محمود على حسب قوله، واختتم عقار حديثه بان بند الترتيبات الأمنية اذا تم تنفيذه فى الفترة الإنتقالية لما آلت الأوضاع الى ماهى عليه الآن. واجمع عدد من الحضور ان الحرب لن تحل القضية وطالبوا بضرورة العودة الى الحوار مستندين الى أن جميع الحروب التى اندلعت فى البلاد لم تؤدِ الى نتيجة وفى نهاية المطاف انتهت الى تسويات سياسية.