بنص قانون المشورة الشعبية لمنطقتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق الذي أجازه البرلمان في جلسته المسائية الأربعاء 30 ديسمبر 2009م قبل أن يعلن انفضاض دورته السابقة؛ فإن المشورة تهدف إلى تأكيد وجهة نظر شعبي الولايتين بشأن اتفاقية السلام الشامل ومدى تحقيقها لتطلعاتهم وتسوية نهائية للنزاع السياسي بالمنطقتين وتصحيح أي قصور في الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية والاقتصادية في إطار الاتفاقية. وبحسب القانون، فإن إجراءات ممارسة المشورة الشعبية تكون بإنشاء المجلس التشريعي المعني والمنتخب لمفوضية برلمانية لتقويم وتقدير الاتفاقية بخصوص أيٍّ من الولايتين خلال التقارير التي تقدم إليه من مفوضية البرلمانية وحكومة الولاية المعنية مع استصحاب آراء شعب الولاية والفعاليات السياسية والمجتمع المدني عبر لقاءات أو مؤتمرات للإجابة على سؤال مجرد: هل لبَّت الاتفاقية طموحات وتطلعات أهل الولايتين، أم لا؟ المفوضية البرلمانية للمشورة الشعبية بولاية النيل الأزرق حددت الخامس من يناير المقبل موعداً لانطلاق عملية أخذ الرأي عبر (116) مركزاً بمحليات الولاية ال(6) لجهة إعداد تقرير حول رأي مواطني الولاية حول اتفاقية السلام الشامل وتحقيقها لتطلعات مواطني النيل الأزرق. وتؤكد جولة «الأهرام اليوم» بمحليات ولاية النيل الأزرق ال(6) أن معظم مواطني الولاية منحازون إلى أن تطبيق ما نصّت عليه الاتفاقية دون طموحاتهم وتطلعاتهم في المجالات التي حددها الاتفاق، ورغم إشادتهم بتحسن الأوضاع الأمنية بالولاية؛ إلا أنهم وصفوا ما حدث من تغيير في مجال الخدمات بصورة عامة بالضعيف. وشكا الذين استطلعتهم «الأهرام اليوم» بمحليات الولاية من ضعف معلوماتهم عن مآلات المشورة الشعبية وأهدافها وماهيتها، وذهب بعضهم إلى أنها شكل من أشكال الانفصال ينتظر الولاية، وأشار آخرون إلى إنها ربما أشبه بما يحدث في منطقة أبيي. وقال إسماعيل إبراهيم صاحب بقالة بالسوق الكبير بحاضرة الولاية الدمازين ل«الأهرام اليوم»: «الناس ما عارفة حاجة عن المشورة وأنا شخصياً أراها خطوة نحو الانفصال أو ما شابه ذلك»، وأوضح أنه لم يستمع أو يشاهد أي برنامج عن المشورة الشعبية والتعريف بها. إفادات تطابقت مع رؤية عبد المنعم محمد سائق ركشة بمحلية الكرمك الذي نبّه إلى أن مواطني المحلية لا يهتمون بأمر المشورة الشعبية، التي استبعد أن تفضي إلى انفصال الإقليم، وأشار إلى أن الأوضاع بصورة عامة أفضل من السابق، وقال: ما حدث من تنمية ليس بالشكل المطلوب وكان معظمه بالجهد الشعبي، وأضاف أن التحسن في الوضع المعيشي ليس كبيراً وهناك استقرار ولا توجد مهددات أمنية. ونبّه كرم الله الزين محاسب بمحلية باو إلى أنه غير ملم بالمشورة الشعبية وأنه لا يستبعد أن تكون أشبه بقضية أبيي، وأكد استتباب الأمن بالولاية بنسبة 100% وأوضح أنه لم يحدث تطور في الخدمات منذ توقيع اتفاقية نيفاشا إلا بنزر يسير وصفه بغير الملموس في الصحة والتعليم، وأن الطرق المسفلتة التي تربط المحليات تكاد تنعدم، وقال: أمامك طريق الروصيرص الدمازين يكاد يتحول إلى ردمية من كثرة الحفر والمطبات. وتشير المادة (17) من قانون المشورة الشعبية إلى أنه يقع على عاتق رئيس المجلس التشريعي المنتخب في الولاية المعنية إعلان نتائج المشورة الشعبية والتقارير المرفوعة عنها. ففي حالة اعتماد المجلس أن ما تم إنفاذه من اتفاق قد جاء ملبياً لتطلعات وشعب الولاية؛ تعتبر الاتفاقية تسوية نهائية للنزاع السياسي وتحيل حكومة الولاية الأمر إلى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بهذا الشأن وتنتهي بذلك إجراءات المشورة الشعبية. أما في حالة عدم اعتماد المجلس التشريعي الولائي اتفاقية السلام الشامل باعتبارها لم تُلبِّ تطلعات شعب الولاية؛ يدخل المجلس في مداولات لتحديد أوجه تلك القصور بشكل مفصل ومن ثم تدخل حكومة الولاية المعنية في تفاوض مع الحكومة المركزية بغرض تصحيح أوجه القصور في إطار الاتفاقية خلال شهر واحد من تاريخ قرار المجلس التشريعي. وينص القانون على أنه حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول تقارير التطلعات خلال (60) يوماً من تاريخ بدء التفاوض؛ تحال المسائل الخلافية إلى مجلس الولايات للوساطة والتوفيق، ويكوّن مجلس الولايات لجنة لهذا الغرض خلال أسبوع من تاريخ وصول المسألة له من (6) أعضاء يختار كل طرف (3) منهم من بين أعضاء مجلس الولايات، بشرط ألا يكونوا من أعضاء الولاية المعنية، على أن يتفق الأعضاء ال(6) على رئيس اللجنة من داخل المجلس. وفي حالة عدم الاتفاق على الرئيس يختار مجلس الولايات رئيساً للجنة من عضويته بأغلبية ثلثي الأعضاء وترفع اللجنة تقريرها في موعد لا يتجاوز الشهر من تاريخ جلساتها وعلى المجلس اتخاذ القرار بشأن التقرير في موعد لا يتجاوز الأسبوع من تاريخ تقديمه. وقانون المشورة الشعبية أكد أنه في حال فشل مجلس الولايات في الوساطة والتوفيق حول المسائل الخلافية في (30) يوماً؛ يلجأ الطرفان إلى جهة تحكيم يتفقان عليها. المفوضية البرلمانية للمشورة الشعبية بالنيل الأزرق أقرت بأنها لم تقم بأي دور تثقيفي حول العملية وبررت ذلك بعدم تلقيها الدعم الكافي، لكنها أشارت إلى وجود جهود من تلفزيون وإذاعة الولاية ومن الشريكين «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» عبر لجنة سداسية بالتضامن مع عدد من منظمات المجتمع المدني في الخصوص. ونبهت نائبة رئيس وحدة أخذ الرأي بالمفوضية، ابتسام محمد مختار خلال حديثها ل«الأهرام اليوم» إلى أن المشورة الشعبية بالولاية تقف على أعتاب أخذ رأي مواطن الولاية حول الاتفاقية وهل ما تم تطبيقه كان مرضياً لتطلعاتهم، وقالت: نحن بانتظار دعم الدول والمنظمات المانحة لبدء الجزء الأخير من مرحلة أخذ الرأي. وأكدت ابتسام وجود (120) مركزاً لأخذ الرأي بالولاية، أشارت إلى أن (116) منها بالمحليات ال(6) وأن (4) منها مراكز لأخذ رأي النُخب من أكاديميين وخبراء وغيرهم حول المشورة، وأشارت إلى جاهزية الجداول لانطلاقة المرحلة التي توقعت أن تبدأ غضون الأيام القليلة القادمة. الشريكان بولاية النيل الأزرق لم يكذبا ما ذهب إليه استطلاع «الأهرام اليوم» بأن الاتفاقية لم تلبِّ طموحات إنسان الولاية، لكنهما استبعدا أن تعصف إجراءات المشورة بأمن واستقرار الولاية أو أن تصبح باباً للتدخل الأجنبي في الشأن السوداني وتكرار سيناريو استفتاء جنوب السودان. وأبدى الطرفان تفاؤلاً بمقدرة رئاسة الجمهورية على تحقيق تسوية شاملة لحفظ حقوق أهل الولاية وتغلق ملف القضية. ورأى معتمد شؤون الرئاسة بالولاية، القيادي بالحركة الشعبية، العميد محمد يونس بابكر، إن ما تم إنفاذه دون طموح إنسان الولاية التي وصفها بالمتأخرة في مجال التنمية، وقال ل«الأهرام اليوم» ليس هناك شيء ملموس في التنمية وأن صندوق دعم المناطق المتأثرة بالحرب لم يتم تأسيسه بعد. واستبعد يونس أن تتحول الولاية إلى «أبيي» أخرى بسبب المشورة الشعبية أو أن تتجه جنوباً حال انفصال الجنوب، وعلق: «دي إرهاصات من البعض وسنصل إلى حل دون اللجوء إلى وساطة»، مشيراً إلى أن تصريحات والي الولاية، رئيس الحركة الشعبية الفريق مالك عقار، أكدت أكثر من مرة أنه لا عودة للحرب، وأضاف: الشريكان في النيل الأزرق يعملان في تناغم تام وهناك استقرار سياسي وأمني. من جانبه قطع معتمد شؤون الرئاسة بالولاية، القيادي بالمؤتمر الوطني، نور الدين عوض سليمان، بأن المشورة الشعبية لا علاقة لها باستفتاء جنوب السودان وأن رئيس الجمهورية وحكومته قادرون على حسم ملف المشورة في هدوء، وقال المشورة لن تكون «القندول الشنقل الريكة» ورئيس الجمهورية لم يبخل بالتنمية حتى لدعاة الانفصال. وأكد نور الدين أن مطلب أهل الولاية الثابت هو تحقيق التنمية فقط وأن المؤتمر الوطني والقوى السياسية بالولاية قادرون على حسم أمر المشورة بما يحافظ على الأمن والاستقرار، مشيراً إلى أن الدول المانحة تتحمل الجزء الأكبر من عدم تحقيق التنمية بالولاية لتطلعات المواطنين، وأوضح أن منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية بنص القانون لا علاقة لها بالمشورة إلا في حدود مراقبة إجراءاتها. إذن، وبنص المادة 15/12/ك من قانون المشورة فإن إجراءاتها تنتهي قبل نهاية الفترة الانتقالية في الثامن من يوليو 2011م وسط تطمينات شريكي الحكم بأن آخر مراحلها لن تتخطى أبواب القصر الجمهوري وأن انفصل الجنوب. تطمينات ربما تؤكدها سيطرة المؤتمر الوطني على مقاليد دفة إجراء العملية وتشريعي الولاية، من خلفها تصريحات الفريق مالك عقار ل«الأهرام اليوم» بأن لا عودة للحرب وأن النيل الأزرق لا علاقة له بالجنوب.