الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الأكاديمي
جامعة الخرطوم، الحاضر والمستقبل: «4-7»
نشر في الصحافة يوم 03 - 02 - 2010


أرني، ربما أتذكر
لكن دعني أتفاعل معك وسأفهم
«مثل صيني قديم».
واكبت الجامعة تطور طرق التدريس بالاستفادة من معينات التقنية الحديثة وتقنية المعلومات. أرجو أن يتزايد الاهتمام بهذه المسألة ويتسارع دون أن ننسى أن هذه المعينات الحديثة أتت لتحسين الأداء التعليمي ولعب دور مساند لأدوات التدريس التقليدية مثل السبورة المتمتعة بقداسة القدم والتي أثبتت، ولا زالت تثبت في أحوال معينة في أكبر الجامعات العالمية المتقدمة، فاعليتها. لقد رأت جامعة الملك سعود أن تطلب من جميع أعضاء هيئة التدريس بها تأسيس مواقع لهم في شبكة المعلومات الدولية يطرحون فيها مذكرات المقررات التي يدرسونها حتى يطلع عليها طلابهم ويتوافر بذلك لهم قناة أخرى، بجانب قاعة المحاضرات- يتفاعلون عبرها مع الأساتذة كما يفعل طلاب الجامعات المفتوحة. وستحسن الجامعة صنعا لو استفادت من تجربة جامعة السودان المفتوحة في هذا المجال لأنها بحق، رغم حداثتها، جامعة مرموقة تتمتع بعلاقات قوية مع مثيلاتها في أوربا وافريقيا وآسيا ، وتقوم على أمرها ادارة نشطة مقتدرة تعمل بجد وتجرد لتلعب دورا متقدما في نهضة البلاد. ربما لا يعلم كثير من الناس، حتى الذين هم في مؤسسات التعليم العالي، كثيرا عن جامعة السودان المفتوحة. انني أقترح عليهم وعلى أجهزة الاعلام القومي زيارتها ليروا نموذجا حيا للعمل الدؤوب الصامت في بناء السودان.
ان وسائل التقنية الحديثة توفر مجالا أوسع لتفاعل الطالب مع أستاذه، وفي هذا السياق أعجبت بمقال كتبه بروفسير عوض أمين عباس «الصحافة 13/11/2009 العدد 5872» عن الجامعات الالكترونية نبه فيه الى أهمية دور التقنيات الحديثة في تمدد مدى التواصل والتفاعل بين الأستاذ والطالب عبر صفحة الأستاذ في شبكة المعلومات، حيث يعرض الأستاذ المقررات التي يدرسها والواجبات المنزلية التي يقررها ويخطر طلابه بأي تعديل في ساعات وجوده بمكتبه «الساعات المكتبية» لاستقبالهم لشرح ما قد يكون قد استعصى عليهم فهمه في دروسهم، وهذا جانب هام في بلد كالسودان حيث وقتك ليس دائما ملكك! ولم ينس البروفسير عوض أن يذكر بأن الحياة الجامعية لم تعد مرتبطة بدوام معين، أو فترة زمنية محددة، ولقد ذكرت في مقالي السابق أن ذلك كان حال جامعة الخرطوم في الماضي عندما كان الأستاذ حاضرا دائما في الجامعة، وكان أساتذة كثيرون يواصلون عملهم في التدريس والبحث العلمي بعد تناول وجبة غداء فاخرة في نادى الأساتذة يدفعون نظيرها مبلغا كان -على كبره، زهيدا بالنسبة لرواتبهم المحترمة آنذاك. وهذا هو السبب في أنك تجد قدامى الأساتذة حاضرين دائما في الجامعة فتلك جبلتهم التي تطبعوا عليها منذ ذلك الزمن وأظنهم لن يبدلوها وان لم يتقاضوا أجرا! ان التفاعل الأكاديمي بين الطالب وأستاذه مطلوب في الجامعة، و كان دائما مطلوبا كما يبين المثل الصيني القديم في بداية هذه المقالة .
ان الجامعة تحتاج أن تولي التدريس وجهود الأساتذة فيه عناية أكبر مما تفعل الآن فترصد الأداء التدريسي رصدا دقيقا وتعلي من شأنه في معايير الترقي، وليت الجامعات و الهيئات والجمعيات المهنية في البلاد تهتم بتكريم أساتذة التعليم العالي المتميزين في التدريس في مجالاتهم، كما تفعل مثلا الجامعات و الجمعيات المهنية الأمريكية . ويحضرني هنا مثال مشرق من جامعة الملك سعود بالرياض التي ترصد الآن جوائز مالية ضخمة للتميز في التدريس، وقد نال الجائزة الأولى لهذا العام على مستوى كافة فروع الجامعة وكلياتها الدكتور كمال الدين حسين الطاهر- وهو أستاذ سوداني شاب بكلية الصيدلة فيها وهو أيضا أستاذ من هيئة تدريس كلية صيدلة جامعة الخرطوم.
لايغيب عن ادارة الجامعة أن طبيعة العلوم التجريبية وأهمية التدريب الميداني يوجبان تطوير مستويات المعامل وبرامج التدريب في كليات الجامعة. ان دولة ألمانيا الاتحادية أعانتنا في الماضي في مجال تزويدنا بمعدات المعامل ويمكن تفعيل اتفاقياتنا مع جامعات في ألمانيا الموحدة الآن وابرام اتفاقيات جديدة مع جامعات أخرى فيها لتطوير المعامل.
إن دور المكتبة في الجامعة محوري والمطلوب أن نسعى لتأسيس مكتبة حديثة في مبنى مخصص لأن يكون بدءا مكتبة- بدلا من المبنى الحالي الذي لم يتغير منذ أن أودع فيه السيد دوغلاس نيوبولد مكتبته الخاصة. ان انشاء مكتبة جامعية عصرية مشروع كبير يحتاج لاستنفار في الداخل وعون خارجي نأمل أن يأتي مع التطورات السياسية الجديدة في البلاد. ان مبنى المكتبة الحديث الذي أهدته دولة هولندا لجامعة الأحفاد شاهد على ما يمكن أن يثمر عنه التعاون الدولي مع ملاحظة أن المانحين من دول الشمال أصبحوا اليوم أكثر انفتاحا على جموع الدول النامية المتعاونة في التعليم العالي في ما بينها، مثل مجموعة دول شرق افريقيا التي ننتمي لها- بدلا عن دول بمفردها.
لقد كان موسم الامتحانات في جامعة الخرطوم في الماضي موسما مخيفا للطلاب يحسبون له ألف حساب بل درجوا علي تسيير موكب حزين صامت عشية أول شهر مارس ، شهر الامتحانات آنذاك ، ترتعد عند رؤيته أوصال من لم يستعدوا ويتحسبوا لما يحمله الشهر لهم في طياته من مفاجآت فيخيم على الجامعة جو من الرهبة والترقب. ومع أن الحال الآن يختلف نسبيا عما كان عليه حينئذ الا أن الامتحانات في جامعة الخرطوم لا زالت الى حد كبير تثير الفزع والاضطراب في نفوس الطلاب المساكين، خصوصا في الكليات العلمية، فيهرع عدد مقدر منهم الى مركزالجامعة للخدمات الطبية والصحية يشكون من علل وأسقام حقيقية و متوهمة ، يأملون أن تهيأ لهم الشهادات الطبية المعتمدة مخرجا من محنتهم!
إن كثيرا من كليات الجامعة تتبع الآن في تدريس الطلاب نظام الفصل الدراسي المعدل وهو نظام هجين يجمع بين سمات من النظام السنوي ونظام الساعات المعتمدة. غير أن من الضروري أن تهتم كافة كليات الجامعة بما يسمي أعمال السنة أو التقويم المستمر للطالب حتى لا يكون الامتحان النهائي هو الفيصل الأوحد في تقدم الطالب من مستوى دراسي لآخر. وفي هذا المجال يمكن الاستعانة، كما تفعل كلية الهندسة، بالخريجين من طلاب الخدمة الوطنية في تنفيذ برامج أعمال السنة «Tutorials». كما أني أرى أيضا أن تفكر الجامعة في تخفيف لوائح الامتحان النهائي على الوافدين الجدد، طلاب السنة الأولى. ذلك لأن هؤلاء الطلاب يجدون أنفسهم في بيئة أكاديمية تختلف تماما عن البيئة المدرسية وهم يحتاجون لوقت حتى يتأقلموا معها، لا سيما وأنهم الآن يدخلون الجامعة وهم أصغر بكثير من طلاب أجيال القرن الماضي. لقد درجت الجامعة قبل زمن على اعتبارامتحان نهاية السنة الثانية - وهو يعادل في بعض الكليات امتحان المستوى المتقدم A-Level في النظام التعليمي البريطاني، الفيصل في مسيرة الطالب الجامعية وكان يجرى تحت اشراف الممتحن الخارجي.
إن العودة لذلك التقليد سيتيح للطلاب الجدد فرصة يلتقطون فيها أنفاسهم في البيئة الجامعية الجديدة كما أنها ستوفر أيضا نظاما محكما لاختيار طلاب درجة الشرف في الكليات التي يتم اختيارهم فيها بعد انقضاء عامين على التحاقهم بالجامعة.
ان هذا الحديث المسهب عن الامتحانات لا يجب أن يترك انطباعا بأنها أساس التعليم الجامعي. ان ما ينبغى أن يهدف اليه هذا التعليم كما قال جي سي سكوت، نائب عميد كلية الخرطوم الجامعية بين عامي 1944 و1946م، هو « تعليم الطالب» أكثر من « تدريسه المادة»- و أن مهمة الجامعة ليست حمل الطالب على اجتياز الامتحانات- بل تنمية عقله وشخصيته وقدراته ليصبح انسانا سويا مفيدا لنفسه ولغيره «جي. سي. سكوت : كلية غوردون اليوم، محاضرة في سلسلة محاضرات مركز السودان الثقافي 1940 -1950- Khartoum Perspectives ، تحرير دونالد هاولي، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001 ».
في عام 1998م انعقد بباريس مؤتمر للتعليم العالي نظمته اليونسكو وحضره أكثر من مائة وثمانين قطرا بالاضافة لممثلي الهيئات الأكاديمية من أساتذة وطلاب «الأخيرين كانت لهم مشاركات رصينة لافتة للنظر في الجلسات الموازية»، وكذلك منظمات كثيرة مهتمة بالتعليم العالي. لقد أصدر ذلك المؤتمر ما سمي بالاعلان العالمي عن التعليم العالي وكان من بين بنوده نداء باتاحة فرص مناسبة أمام الذين يتعثرون أكاديميا ويفصلون من مؤسسات التعليم العالي للعودة مرة أخرى للدراسة بها. لقد طبقت جامعة الخرطوم ذلك البند واصبح ممكنا لهؤلاء أن يعودوا للجامعة بعد الجلوس للامتحانات كطلاب خارجيين. واني أعرف طالبا في كلية علمية رسب في امتحانات السنة الأولى وفصل ثم عاد لذات الكلية بهذا النظام وتدرج في دراسته بنجاح حتى نال درجة الشرف الأولى. انني أتمنى أن تتمسك الجامعة بهذا النظام وأن تشجع كافة الكليات على ابداء مرونة معقولة في تطبيقه.
أخبرني، سأنسى
أرني، ربما أتذكر
لكن دعني أتفاعل معك وسأفهم
«مثل صيني قديم».
واكبت الجامعة تطور طرق التدريس بالاستفادة من معينات التقنية الحديثة وتقنية المعلومات. أرجو أن يتزايد الاهتمام بهذه المسألة ويتسارع دون أن ننسى أن هذه المعينات الحديثة أتت لتحسين الأداء التعليمي ولعب دور مساند لأدوات التدريس التقليدية مثل السبورة المتمتعة بقداسة القدم والتي أثبتت، ولا زالت تثبت في أحوال معينة في أكبر الجامعات العالمية المتقدمة، فاعليتها. لقد رأت جامعة الملك سعود أن تطلب من جميع أعضاء هيئة التدريس بها تأسيس مواقع لهم في شبكة المعلومات الدولية يطرحون فيها مذكرات المقررات التي يدرسونها حتى يطلع عليها طلابهم ويتوافر بذلك لهم قناة أخرى، بجانب قاعة المحاضرات- يتفاعلون عبرها مع الأساتذة كما يفعل طلاب الجامعات المفتوحة. وستحسن الجامعة صنعا لو استفادت من تجربة جامعة السودان المفتوحة في هذا المجال لأنها بحق، رغم حداثتها، جامعة مرموقة تتمتع بعلاقات قوية مع مثيلاتها في أوربا وافريقيا وآسيا ، وتقوم على أمرها ادارة نشطة مقتدرة تعمل بجد وتجرد لتلعب دورا متقدما في نهضة البلاد. ربما لا يعلم كثير من الناس، حتى الذين هم في مؤسسات التعليم العالي، كثيرا عن جامعة السودان المفتوحة. انني أقترح عليهم وعلى أجهزة الاعلام القومي زيارتها ليروا نموذجا حيا للعمل الدؤوب الصامت في بناء السودان.
ان وسائل التقنية الحديثة توفر مجالا أوسع لتفاعل الطالب مع أستاذه، وفي هذا السياق أعجبت بمقال كتبه بروفسير عوض أمين عباس «الصحافة 13/11/2009 العدد 5872» عن الجامعات الالكترونية نبه فيه الى أهمية دور التقنيات الحديثة في تمدد مدى التواصل والتفاعل بين الأستاذ والطالب عبر صفحة الأستاذ في شبكة المعلومات، حيث يعرض الأستاذ المقررات التي يدرسها والواجبات المنزلية التي يقررها ويخطر طلابه بأي تعديل في ساعات وجوده بمكتبه «الساعات المكتبية» لاستقبالهم لشرح ما قد يكون قد استعصى عليهم فهمه في دروسهم، وهذا جانب هام في بلد كالسودان حيث وقتك ليس دائما ملكك! ولم ينس البروفسير عوض أن يذكر بأن الحياة الجامعية لم تعد مرتبطة بدوام معين، أو فترة زمنية محددة، ولقد ذكرت في مقالي السابق أن ذلك كان حال جامعة الخرطوم في الماضي عندما كان الأستاذ حاضرا دائما في الجامعة، وكان أساتذة كثيرون يواصلون عملهم في التدريس والبحث العلمي بعد تناول وجبة غداء فاخرة في نادى الأساتذة يدفعون نظيرها مبلغا كان -على كبره، زهيدا بالنسبة لرواتبهم المحترمة آنذاك. وهذا هو السبب في أنك تجد قدامى الأساتذة حاضرين دائما في الجامعة فتلك جبلتهم التي تطبعوا عليها منذ ذلك الزمن وأظنهم لن يبدلوها وان لم يتقاضوا أجرا! ان التفاعل الأكاديمي بين الطالب وأستاذه مطلوب في الجامعة، و كان دائما مطلوبا كما يبين المثل الصيني القديم في بداية هذه المقالة .
ان الجامعة تحتاج أن تولي التدريس وجهود الأساتذة فيه عناية أكبر مما تفعل الآن فترصد الأداء التدريسي رصدا دقيقا وتعلي من شأنه في معايير الترقي، وليت الجامعات و الهيئات والجمعيات المهنية في البلاد تهتم بتكريم أساتذة التعليم العالي المتميزين في التدريس في مجالاتهم، كما تفعل مثلا الجامعات و الجمعيات المهنية الأمريكية . ويحضرني هنا مثال مشرق من جامعة الملك سعود بالرياض التي ترصد الآن جوائز مالية ضخمة للتميز في التدريس، وقد نال الجائزة الأولى لهذا العام على مستوى كافة فروع الجامعة وكلياتها الدكتور كمال الدين حسين الطاهر- وهو أستاذ سوداني شاب بكلية الصيدلة فيها وهو أيضا أستاذ من هيئة تدريس كلية صيدلة جامعة الخرطوم.
لايغيب عن ادارة الجامعة أن طبيعة العلوم التجريبية وأهمية التدريب الميداني يوجبان تطوير مستويات المعامل وبرامج التدريب في كليات الجامعة. ان دولة ألمانيا الاتحادية أعانتنا في الماضي في مجال تزويدنا بمعدات المعامل ويمكن تفعيل اتفاقياتنا مع جامعات في ألمانيا الموحدة الآن وابرام اتفاقيات جديدة مع جامعات أخرى فيها لتطوير المعامل.
إن دور المكتبة في الجامعة محوري والمطلوب أن نسعى لتأسيس مكتبة حديثة في مبنى مخصص لأن يكون بدءا مكتبة- بدلا من المبنى الحالي الذي لم يتغير منذ أن أودع فيه السيد دوغلاس نيوبولد مكتبته الخاصة. ان انشاء مكتبة جامعية عصرية مشروع كبير يحتاج لاستنفار في الداخل وعون خارجي نأمل أن يأتي مع التطورات السياسية الجديدة في البلاد. ان مبنى المكتبة الحديث الذي أهدته دولة هولندا لجامعة الأحفاد شاهد على ما يمكن أن يثمر عنه التعاون الدولي مع ملاحظة أن المانحين من دول الشمال أصبحوا اليوم أكثر انفتاحا على جموع الدول النامية المتعاونة في التعليم العالي في ما بينها، مثل مجموعة دول شرق افريقيا التي ننتمي لها- بدلا عن دول بمفردها.
لقد كان موسم الامتحانات في جامعة الخرطوم في الماضي موسما مخيفا للطلاب يحسبون له ألف حساب بل درجوا علي تسيير موكب حزين صامت عشية أول شهر مارس ، شهر الامتحانات آنذاك ، ترتعد عند رؤيته أوصال من لم يستعدوا ويتحسبوا لما يحمله الشهر لهم في طياته من مفاجآت فيخيم على الجامعة جو من الرهبة والترقب. ومع أن الحال الآن يختلف نسبيا عما كان عليه حينئذ الا أن الامتحانات في جامعة الخرطوم لا زالت الى حد كبير تثير الفزع والاضطراب في نفوس الطلاب المساكين، خصوصا في الكليات العلمية، فيهرع عدد مقدر منهم الى مركزالجامعة للخدمات الطبية والصحية يشكون من علل وأسقام حقيقية و متوهمة ، يأملون أن تهيأ لهم الشهادات الطبية المعتمدة مخرجا من محنتهم!
إن كثيرا من كليات الجامعة تتبع الآن في تدريس الطلاب نظام الفصل الدراسي المعدل وهو نظام هجين يجمع بين سمات من النظام السنوي ونظام الساعات المعتمدة. غير أن من الضروري أن تهتم كافة كليات الجامعة بما يسمي أعمال السنة أو التقويم المستمر للطالب حتى لا يكون الامتحان النهائي هو الفيصل الأوحد في تقدم الطالب من مستوى دراسي لآخر. وفي هذا المجال يمكن الاستعانة، كما تفعل كلية الهندسة، بالخريجين من طلاب الخدمة الوطنية في تنفيذ برامج أعمال السنة «Tutorials». كما أني أرى أيضا أن تفكر الجامعة في تخفيف لوائح الامتحان النهائي على الوافدين الجدد، طلاب السنة الأولى. ذلك لأن هؤلاء الطلاب يجدون أنفسهم في بيئة أكاديمية تختلف تماما عن البيئة المدرسية وهم يحتاجون لوقت حتى يتأقلموا معها، لا سيما وأنهم الآن يدخلون الجامعة وهم أصغر بكثير من طلاب أجيال القرن الماضي. لقد درجت الجامعة قبل زمن على اعتبارامتحان نهاية السنة الثانية - وهو يعادل في بعض الكليات امتحان المستوى المتقدم A-Level في النظام التعليمي البريطاني، الفيصل في مسيرة الطالب الجامعية وكان يجرى تحت اشراف الممتحن الخارجي.
إن العودة لذلك التقليد سيتيح للطلاب الجدد فرصة يلتقطون فيها أنفاسهم في البيئة الجامعية الجديدة كما أنها ستوفر أيضا نظاما محكما لاختيار طلاب درجة الشرف في الكليات التي يتم اختيارهم فيها بعد انقضاء عامين على التحاقهم بالجامعة.
ان هذا الحديث المسهب عن الامتحانات لا يجب أن يترك انطباعا بأنها أساس التعليم الجامعي. ان ما ينبغى أن يهدف اليه هذا التعليم كما قال جي سي سكوت، نائب عميد كلية الخرطوم الجامعية بين عامي 1944 و1946م، هو « تعليم الطالب» أكثر من « تدريسه المادة»- و أن مهمة الجامعة ليست حمل الطالب على اجتياز الامتحانات- بل تنمية عقله وشخصيته وقدراته ليصبح انسانا سويا مفيدا لنفسه ولغيره «جي. سي. سكوت : كلية غوردون اليوم، محاضرة في سلسلة محاضرات مركز السودان الثقافي 1940 -1950- Khartoum Perspectives ، تحرير دونالد هاولي، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001 ».
في عام 1998م انعقد بباريس مؤتمر للتعليم العالي نظمته اليونسكو وحضره أكثر من مائة وثمانين قطرا بالاضافة لممثلي الهيئات الأكاديمية من أساتذة وطلاب «الأخيرين كانت لهم مشاركات رصينة لافتة للنظر في الجلسات الموازية»، وكذلك منظمات كثيرة مهتمة بالتعليم العالي. لقد أصدر ذلك المؤتمر ما سمي بالاعلان العالمي عن التعليم العالي وكان من بين بنوده نداء باتاحة فرص مناسبة أمام الذين يتعثرون أكاديميا ويفصلون من مؤسسات التعليم العالي للعودة مرة أخرى للدراسة بها. لقد طبقت جامعة الخرطوم ذلك البند واصبح ممكنا لهؤلاء أن يعودوا للجامعة بعد الجلوس للامتحانات كطلاب خارجيين. واني أعرف طالبا في كلية علمية رسب في امتحانات السنة الأولى وفصل ثم عاد لذات الكلية بهذا النظام وتدرج في دراسته بنجاح حتى نال درجة الشرف الأولى. انني أتمنى أن تتمسك الجامعة بهذا النظام وأن تشجع كافة الكليات على ابداء مرونة معقولة في تطبيقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.