لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الأكاديمي
جامعة الخرطوم، الحاضر والمستقبل: «4-7»
نشر في الصحافة يوم 03 - 02 - 2010


أرني، ربما أتذكر
لكن دعني أتفاعل معك وسأفهم
«مثل صيني قديم».
واكبت الجامعة تطور طرق التدريس بالاستفادة من معينات التقنية الحديثة وتقنية المعلومات. أرجو أن يتزايد الاهتمام بهذه المسألة ويتسارع دون أن ننسى أن هذه المعينات الحديثة أتت لتحسين الأداء التعليمي ولعب دور مساند لأدوات التدريس التقليدية مثل السبورة المتمتعة بقداسة القدم والتي أثبتت، ولا زالت تثبت في أحوال معينة في أكبر الجامعات العالمية المتقدمة، فاعليتها. لقد رأت جامعة الملك سعود أن تطلب من جميع أعضاء هيئة التدريس بها تأسيس مواقع لهم في شبكة المعلومات الدولية يطرحون فيها مذكرات المقررات التي يدرسونها حتى يطلع عليها طلابهم ويتوافر بذلك لهم قناة أخرى، بجانب قاعة المحاضرات- يتفاعلون عبرها مع الأساتذة كما يفعل طلاب الجامعات المفتوحة. وستحسن الجامعة صنعا لو استفادت من تجربة جامعة السودان المفتوحة في هذا المجال لأنها بحق، رغم حداثتها، جامعة مرموقة تتمتع بعلاقات قوية مع مثيلاتها في أوربا وافريقيا وآسيا ، وتقوم على أمرها ادارة نشطة مقتدرة تعمل بجد وتجرد لتلعب دورا متقدما في نهضة البلاد. ربما لا يعلم كثير من الناس، حتى الذين هم في مؤسسات التعليم العالي، كثيرا عن جامعة السودان المفتوحة. انني أقترح عليهم وعلى أجهزة الاعلام القومي زيارتها ليروا نموذجا حيا للعمل الدؤوب الصامت في بناء السودان.
ان وسائل التقنية الحديثة توفر مجالا أوسع لتفاعل الطالب مع أستاذه، وفي هذا السياق أعجبت بمقال كتبه بروفسير عوض أمين عباس «الصحافة 13/11/2009 العدد 5872» عن الجامعات الالكترونية نبه فيه الى أهمية دور التقنيات الحديثة في تمدد مدى التواصل والتفاعل بين الأستاذ والطالب عبر صفحة الأستاذ في شبكة المعلومات، حيث يعرض الأستاذ المقررات التي يدرسها والواجبات المنزلية التي يقررها ويخطر طلابه بأي تعديل في ساعات وجوده بمكتبه «الساعات المكتبية» لاستقبالهم لشرح ما قد يكون قد استعصى عليهم فهمه في دروسهم، وهذا جانب هام في بلد كالسودان حيث وقتك ليس دائما ملكك! ولم ينس البروفسير عوض أن يذكر بأن الحياة الجامعية لم تعد مرتبطة بدوام معين، أو فترة زمنية محددة، ولقد ذكرت في مقالي السابق أن ذلك كان حال جامعة الخرطوم في الماضي عندما كان الأستاذ حاضرا دائما في الجامعة، وكان أساتذة كثيرون يواصلون عملهم في التدريس والبحث العلمي بعد تناول وجبة غداء فاخرة في نادى الأساتذة يدفعون نظيرها مبلغا كان -على كبره، زهيدا بالنسبة لرواتبهم المحترمة آنذاك. وهذا هو السبب في أنك تجد قدامى الأساتذة حاضرين دائما في الجامعة فتلك جبلتهم التي تطبعوا عليها منذ ذلك الزمن وأظنهم لن يبدلوها وان لم يتقاضوا أجرا! ان التفاعل الأكاديمي بين الطالب وأستاذه مطلوب في الجامعة، و كان دائما مطلوبا كما يبين المثل الصيني القديم في بداية هذه المقالة .
ان الجامعة تحتاج أن تولي التدريس وجهود الأساتذة فيه عناية أكبر مما تفعل الآن فترصد الأداء التدريسي رصدا دقيقا وتعلي من شأنه في معايير الترقي، وليت الجامعات و الهيئات والجمعيات المهنية في البلاد تهتم بتكريم أساتذة التعليم العالي المتميزين في التدريس في مجالاتهم، كما تفعل مثلا الجامعات و الجمعيات المهنية الأمريكية . ويحضرني هنا مثال مشرق من جامعة الملك سعود بالرياض التي ترصد الآن جوائز مالية ضخمة للتميز في التدريس، وقد نال الجائزة الأولى لهذا العام على مستوى كافة فروع الجامعة وكلياتها الدكتور كمال الدين حسين الطاهر- وهو أستاذ سوداني شاب بكلية الصيدلة فيها وهو أيضا أستاذ من هيئة تدريس كلية صيدلة جامعة الخرطوم.
لايغيب عن ادارة الجامعة أن طبيعة العلوم التجريبية وأهمية التدريب الميداني يوجبان تطوير مستويات المعامل وبرامج التدريب في كليات الجامعة. ان دولة ألمانيا الاتحادية أعانتنا في الماضي في مجال تزويدنا بمعدات المعامل ويمكن تفعيل اتفاقياتنا مع جامعات في ألمانيا الموحدة الآن وابرام اتفاقيات جديدة مع جامعات أخرى فيها لتطوير المعامل.
إن دور المكتبة في الجامعة محوري والمطلوب أن نسعى لتأسيس مكتبة حديثة في مبنى مخصص لأن يكون بدءا مكتبة- بدلا من المبنى الحالي الذي لم يتغير منذ أن أودع فيه السيد دوغلاس نيوبولد مكتبته الخاصة. ان انشاء مكتبة جامعية عصرية مشروع كبير يحتاج لاستنفار في الداخل وعون خارجي نأمل أن يأتي مع التطورات السياسية الجديدة في البلاد. ان مبنى المكتبة الحديث الذي أهدته دولة هولندا لجامعة الأحفاد شاهد على ما يمكن أن يثمر عنه التعاون الدولي مع ملاحظة أن المانحين من دول الشمال أصبحوا اليوم أكثر انفتاحا على جموع الدول النامية المتعاونة في التعليم العالي في ما بينها، مثل مجموعة دول شرق افريقيا التي ننتمي لها- بدلا عن دول بمفردها.
لقد كان موسم الامتحانات في جامعة الخرطوم في الماضي موسما مخيفا للطلاب يحسبون له ألف حساب بل درجوا علي تسيير موكب حزين صامت عشية أول شهر مارس ، شهر الامتحانات آنذاك ، ترتعد عند رؤيته أوصال من لم يستعدوا ويتحسبوا لما يحمله الشهر لهم في طياته من مفاجآت فيخيم على الجامعة جو من الرهبة والترقب. ومع أن الحال الآن يختلف نسبيا عما كان عليه حينئذ الا أن الامتحانات في جامعة الخرطوم لا زالت الى حد كبير تثير الفزع والاضطراب في نفوس الطلاب المساكين، خصوصا في الكليات العلمية، فيهرع عدد مقدر منهم الى مركزالجامعة للخدمات الطبية والصحية يشكون من علل وأسقام حقيقية و متوهمة ، يأملون أن تهيأ لهم الشهادات الطبية المعتمدة مخرجا من محنتهم!
إن كثيرا من كليات الجامعة تتبع الآن في تدريس الطلاب نظام الفصل الدراسي المعدل وهو نظام هجين يجمع بين سمات من النظام السنوي ونظام الساعات المعتمدة. غير أن من الضروري أن تهتم كافة كليات الجامعة بما يسمي أعمال السنة أو التقويم المستمر للطالب حتى لا يكون الامتحان النهائي هو الفيصل الأوحد في تقدم الطالب من مستوى دراسي لآخر. وفي هذا المجال يمكن الاستعانة، كما تفعل كلية الهندسة، بالخريجين من طلاب الخدمة الوطنية في تنفيذ برامج أعمال السنة «Tutorials». كما أني أرى أيضا أن تفكر الجامعة في تخفيف لوائح الامتحان النهائي على الوافدين الجدد، طلاب السنة الأولى. ذلك لأن هؤلاء الطلاب يجدون أنفسهم في بيئة أكاديمية تختلف تماما عن البيئة المدرسية وهم يحتاجون لوقت حتى يتأقلموا معها، لا سيما وأنهم الآن يدخلون الجامعة وهم أصغر بكثير من طلاب أجيال القرن الماضي. لقد درجت الجامعة قبل زمن على اعتبارامتحان نهاية السنة الثانية - وهو يعادل في بعض الكليات امتحان المستوى المتقدم A-Level في النظام التعليمي البريطاني، الفيصل في مسيرة الطالب الجامعية وكان يجرى تحت اشراف الممتحن الخارجي.
إن العودة لذلك التقليد سيتيح للطلاب الجدد فرصة يلتقطون فيها أنفاسهم في البيئة الجامعية الجديدة كما أنها ستوفر أيضا نظاما محكما لاختيار طلاب درجة الشرف في الكليات التي يتم اختيارهم فيها بعد انقضاء عامين على التحاقهم بالجامعة.
ان هذا الحديث المسهب عن الامتحانات لا يجب أن يترك انطباعا بأنها أساس التعليم الجامعي. ان ما ينبغى أن يهدف اليه هذا التعليم كما قال جي سي سكوت، نائب عميد كلية الخرطوم الجامعية بين عامي 1944 و1946م، هو « تعليم الطالب» أكثر من « تدريسه المادة»- و أن مهمة الجامعة ليست حمل الطالب على اجتياز الامتحانات- بل تنمية عقله وشخصيته وقدراته ليصبح انسانا سويا مفيدا لنفسه ولغيره «جي. سي. سكوت : كلية غوردون اليوم، محاضرة في سلسلة محاضرات مركز السودان الثقافي 1940 -1950- Khartoum Perspectives ، تحرير دونالد هاولي، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001 ».
في عام 1998م انعقد بباريس مؤتمر للتعليم العالي نظمته اليونسكو وحضره أكثر من مائة وثمانين قطرا بالاضافة لممثلي الهيئات الأكاديمية من أساتذة وطلاب «الأخيرين كانت لهم مشاركات رصينة لافتة للنظر في الجلسات الموازية»، وكذلك منظمات كثيرة مهتمة بالتعليم العالي. لقد أصدر ذلك المؤتمر ما سمي بالاعلان العالمي عن التعليم العالي وكان من بين بنوده نداء باتاحة فرص مناسبة أمام الذين يتعثرون أكاديميا ويفصلون من مؤسسات التعليم العالي للعودة مرة أخرى للدراسة بها. لقد طبقت جامعة الخرطوم ذلك البند واصبح ممكنا لهؤلاء أن يعودوا للجامعة بعد الجلوس للامتحانات كطلاب خارجيين. واني أعرف طالبا في كلية علمية رسب في امتحانات السنة الأولى وفصل ثم عاد لذات الكلية بهذا النظام وتدرج في دراسته بنجاح حتى نال درجة الشرف الأولى. انني أتمنى أن تتمسك الجامعة بهذا النظام وأن تشجع كافة الكليات على ابداء مرونة معقولة في تطبيقه.
أخبرني، سأنسى
أرني، ربما أتذكر
لكن دعني أتفاعل معك وسأفهم
«مثل صيني قديم».
واكبت الجامعة تطور طرق التدريس بالاستفادة من معينات التقنية الحديثة وتقنية المعلومات. أرجو أن يتزايد الاهتمام بهذه المسألة ويتسارع دون أن ننسى أن هذه المعينات الحديثة أتت لتحسين الأداء التعليمي ولعب دور مساند لأدوات التدريس التقليدية مثل السبورة المتمتعة بقداسة القدم والتي أثبتت، ولا زالت تثبت في أحوال معينة في أكبر الجامعات العالمية المتقدمة، فاعليتها. لقد رأت جامعة الملك سعود أن تطلب من جميع أعضاء هيئة التدريس بها تأسيس مواقع لهم في شبكة المعلومات الدولية يطرحون فيها مذكرات المقررات التي يدرسونها حتى يطلع عليها طلابهم ويتوافر بذلك لهم قناة أخرى، بجانب قاعة المحاضرات- يتفاعلون عبرها مع الأساتذة كما يفعل طلاب الجامعات المفتوحة. وستحسن الجامعة صنعا لو استفادت من تجربة جامعة السودان المفتوحة في هذا المجال لأنها بحق، رغم حداثتها، جامعة مرموقة تتمتع بعلاقات قوية مع مثيلاتها في أوربا وافريقيا وآسيا ، وتقوم على أمرها ادارة نشطة مقتدرة تعمل بجد وتجرد لتلعب دورا متقدما في نهضة البلاد. ربما لا يعلم كثير من الناس، حتى الذين هم في مؤسسات التعليم العالي، كثيرا عن جامعة السودان المفتوحة. انني أقترح عليهم وعلى أجهزة الاعلام القومي زيارتها ليروا نموذجا حيا للعمل الدؤوب الصامت في بناء السودان.
ان وسائل التقنية الحديثة توفر مجالا أوسع لتفاعل الطالب مع أستاذه، وفي هذا السياق أعجبت بمقال كتبه بروفسير عوض أمين عباس «الصحافة 13/11/2009 العدد 5872» عن الجامعات الالكترونية نبه فيه الى أهمية دور التقنيات الحديثة في تمدد مدى التواصل والتفاعل بين الأستاذ والطالب عبر صفحة الأستاذ في شبكة المعلومات، حيث يعرض الأستاذ المقررات التي يدرسها والواجبات المنزلية التي يقررها ويخطر طلابه بأي تعديل في ساعات وجوده بمكتبه «الساعات المكتبية» لاستقبالهم لشرح ما قد يكون قد استعصى عليهم فهمه في دروسهم، وهذا جانب هام في بلد كالسودان حيث وقتك ليس دائما ملكك! ولم ينس البروفسير عوض أن يذكر بأن الحياة الجامعية لم تعد مرتبطة بدوام معين، أو فترة زمنية محددة، ولقد ذكرت في مقالي السابق أن ذلك كان حال جامعة الخرطوم في الماضي عندما كان الأستاذ حاضرا دائما في الجامعة، وكان أساتذة كثيرون يواصلون عملهم في التدريس والبحث العلمي بعد تناول وجبة غداء فاخرة في نادى الأساتذة يدفعون نظيرها مبلغا كان -على كبره، زهيدا بالنسبة لرواتبهم المحترمة آنذاك. وهذا هو السبب في أنك تجد قدامى الأساتذة حاضرين دائما في الجامعة فتلك جبلتهم التي تطبعوا عليها منذ ذلك الزمن وأظنهم لن يبدلوها وان لم يتقاضوا أجرا! ان التفاعل الأكاديمي بين الطالب وأستاذه مطلوب في الجامعة، و كان دائما مطلوبا كما يبين المثل الصيني القديم في بداية هذه المقالة .
ان الجامعة تحتاج أن تولي التدريس وجهود الأساتذة فيه عناية أكبر مما تفعل الآن فترصد الأداء التدريسي رصدا دقيقا وتعلي من شأنه في معايير الترقي، وليت الجامعات و الهيئات والجمعيات المهنية في البلاد تهتم بتكريم أساتذة التعليم العالي المتميزين في التدريس في مجالاتهم، كما تفعل مثلا الجامعات و الجمعيات المهنية الأمريكية . ويحضرني هنا مثال مشرق من جامعة الملك سعود بالرياض التي ترصد الآن جوائز مالية ضخمة للتميز في التدريس، وقد نال الجائزة الأولى لهذا العام على مستوى كافة فروع الجامعة وكلياتها الدكتور كمال الدين حسين الطاهر- وهو أستاذ سوداني شاب بكلية الصيدلة فيها وهو أيضا أستاذ من هيئة تدريس كلية صيدلة جامعة الخرطوم.
لايغيب عن ادارة الجامعة أن طبيعة العلوم التجريبية وأهمية التدريب الميداني يوجبان تطوير مستويات المعامل وبرامج التدريب في كليات الجامعة. ان دولة ألمانيا الاتحادية أعانتنا في الماضي في مجال تزويدنا بمعدات المعامل ويمكن تفعيل اتفاقياتنا مع جامعات في ألمانيا الموحدة الآن وابرام اتفاقيات جديدة مع جامعات أخرى فيها لتطوير المعامل.
إن دور المكتبة في الجامعة محوري والمطلوب أن نسعى لتأسيس مكتبة حديثة في مبنى مخصص لأن يكون بدءا مكتبة- بدلا من المبنى الحالي الذي لم يتغير منذ أن أودع فيه السيد دوغلاس نيوبولد مكتبته الخاصة. ان انشاء مكتبة جامعية عصرية مشروع كبير يحتاج لاستنفار في الداخل وعون خارجي نأمل أن يأتي مع التطورات السياسية الجديدة في البلاد. ان مبنى المكتبة الحديث الذي أهدته دولة هولندا لجامعة الأحفاد شاهد على ما يمكن أن يثمر عنه التعاون الدولي مع ملاحظة أن المانحين من دول الشمال أصبحوا اليوم أكثر انفتاحا على جموع الدول النامية المتعاونة في التعليم العالي في ما بينها، مثل مجموعة دول شرق افريقيا التي ننتمي لها- بدلا عن دول بمفردها.
لقد كان موسم الامتحانات في جامعة الخرطوم في الماضي موسما مخيفا للطلاب يحسبون له ألف حساب بل درجوا علي تسيير موكب حزين صامت عشية أول شهر مارس ، شهر الامتحانات آنذاك ، ترتعد عند رؤيته أوصال من لم يستعدوا ويتحسبوا لما يحمله الشهر لهم في طياته من مفاجآت فيخيم على الجامعة جو من الرهبة والترقب. ومع أن الحال الآن يختلف نسبيا عما كان عليه حينئذ الا أن الامتحانات في جامعة الخرطوم لا زالت الى حد كبير تثير الفزع والاضطراب في نفوس الطلاب المساكين، خصوصا في الكليات العلمية، فيهرع عدد مقدر منهم الى مركزالجامعة للخدمات الطبية والصحية يشكون من علل وأسقام حقيقية و متوهمة ، يأملون أن تهيأ لهم الشهادات الطبية المعتمدة مخرجا من محنتهم!
إن كثيرا من كليات الجامعة تتبع الآن في تدريس الطلاب نظام الفصل الدراسي المعدل وهو نظام هجين يجمع بين سمات من النظام السنوي ونظام الساعات المعتمدة. غير أن من الضروري أن تهتم كافة كليات الجامعة بما يسمي أعمال السنة أو التقويم المستمر للطالب حتى لا يكون الامتحان النهائي هو الفيصل الأوحد في تقدم الطالب من مستوى دراسي لآخر. وفي هذا المجال يمكن الاستعانة، كما تفعل كلية الهندسة، بالخريجين من طلاب الخدمة الوطنية في تنفيذ برامج أعمال السنة «Tutorials». كما أني أرى أيضا أن تفكر الجامعة في تخفيف لوائح الامتحان النهائي على الوافدين الجدد، طلاب السنة الأولى. ذلك لأن هؤلاء الطلاب يجدون أنفسهم في بيئة أكاديمية تختلف تماما عن البيئة المدرسية وهم يحتاجون لوقت حتى يتأقلموا معها، لا سيما وأنهم الآن يدخلون الجامعة وهم أصغر بكثير من طلاب أجيال القرن الماضي. لقد درجت الجامعة قبل زمن على اعتبارامتحان نهاية السنة الثانية - وهو يعادل في بعض الكليات امتحان المستوى المتقدم A-Level في النظام التعليمي البريطاني، الفيصل في مسيرة الطالب الجامعية وكان يجرى تحت اشراف الممتحن الخارجي.
إن العودة لذلك التقليد سيتيح للطلاب الجدد فرصة يلتقطون فيها أنفاسهم في البيئة الجامعية الجديدة كما أنها ستوفر أيضا نظاما محكما لاختيار طلاب درجة الشرف في الكليات التي يتم اختيارهم فيها بعد انقضاء عامين على التحاقهم بالجامعة.
ان هذا الحديث المسهب عن الامتحانات لا يجب أن يترك انطباعا بأنها أساس التعليم الجامعي. ان ما ينبغى أن يهدف اليه هذا التعليم كما قال جي سي سكوت، نائب عميد كلية الخرطوم الجامعية بين عامي 1944 و1946م، هو « تعليم الطالب» أكثر من « تدريسه المادة»- و أن مهمة الجامعة ليست حمل الطالب على اجتياز الامتحانات- بل تنمية عقله وشخصيته وقدراته ليصبح انسانا سويا مفيدا لنفسه ولغيره «جي. سي. سكوت : كلية غوردون اليوم، محاضرة في سلسلة محاضرات مركز السودان الثقافي 1940 -1950- Khartoum Perspectives ، تحرير دونالد هاولي، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001 ».
في عام 1998م انعقد بباريس مؤتمر للتعليم العالي نظمته اليونسكو وحضره أكثر من مائة وثمانين قطرا بالاضافة لممثلي الهيئات الأكاديمية من أساتذة وطلاب «الأخيرين كانت لهم مشاركات رصينة لافتة للنظر في الجلسات الموازية»، وكذلك منظمات كثيرة مهتمة بالتعليم العالي. لقد أصدر ذلك المؤتمر ما سمي بالاعلان العالمي عن التعليم العالي وكان من بين بنوده نداء باتاحة فرص مناسبة أمام الذين يتعثرون أكاديميا ويفصلون من مؤسسات التعليم العالي للعودة مرة أخرى للدراسة بها. لقد طبقت جامعة الخرطوم ذلك البند واصبح ممكنا لهؤلاء أن يعودوا للجامعة بعد الجلوس للامتحانات كطلاب خارجيين. واني أعرف طالبا في كلية علمية رسب في امتحانات السنة الأولى وفصل ثم عاد لذات الكلية بهذا النظام وتدرج في دراسته بنجاح حتى نال درجة الشرف الأولى. انني أتمنى أن تتمسك الجامعة بهذا النظام وأن تشجع كافة الكليات على ابداء مرونة معقولة في تطبيقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.