أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الأكاديمي
جامعة الخرطوم، الحاضر والمستقبل: «4-7»
نشر في الصحافة يوم 03 - 02 - 2010


أرني، ربما أتذكر
لكن دعني أتفاعل معك وسأفهم
«مثل صيني قديم».
واكبت الجامعة تطور طرق التدريس بالاستفادة من معينات التقنية الحديثة وتقنية المعلومات. أرجو أن يتزايد الاهتمام بهذه المسألة ويتسارع دون أن ننسى أن هذه المعينات الحديثة أتت لتحسين الأداء التعليمي ولعب دور مساند لأدوات التدريس التقليدية مثل السبورة المتمتعة بقداسة القدم والتي أثبتت، ولا زالت تثبت في أحوال معينة في أكبر الجامعات العالمية المتقدمة، فاعليتها. لقد رأت جامعة الملك سعود أن تطلب من جميع أعضاء هيئة التدريس بها تأسيس مواقع لهم في شبكة المعلومات الدولية يطرحون فيها مذكرات المقررات التي يدرسونها حتى يطلع عليها طلابهم ويتوافر بذلك لهم قناة أخرى، بجانب قاعة المحاضرات- يتفاعلون عبرها مع الأساتذة كما يفعل طلاب الجامعات المفتوحة. وستحسن الجامعة صنعا لو استفادت من تجربة جامعة السودان المفتوحة في هذا المجال لأنها بحق، رغم حداثتها، جامعة مرموقة تتمتع بعلاقات قوية مع مثيلاتها في أوربا وافريقيا وآسيا ، وتقوم على أمرها ادارة نشطة مقتدرة تعمل بجد وتجرد لتلعب دورا متقدما في نهضة البلاد. ربما لا يعلم كثير من الناس، حتى الذين هم في مؤسسات التعليم العالي، كثيرا عن جامعة السودان المفتوحة. انني أقترح عليهم وعلى أجهزة الاعلام القومي زيارتها ليروا نموذجا حيا للعمل الدؤوب الصامت في بناء السودان.
ان وسائل التقنية الحديثة توفر مجالا أوسع لتفاعل الطالب مع أستاذه، وفي هذا السياق أعجبت بمقال كتبه بروفسير عوض أمين عباس «الصحافة 13/11/2009 العدد 5872» عن الجامعات الالكترونية نبه فيه الى أهمية دور التقنيات الحديثة في تمدد مدى التواصل والتفاعل بين الأستاذ والطالب عبر صفحة الأستاذ في شبكة المعلومات، حيث يعرض الأستاذ المقررات التي يدرسها والواجبات المنزلية التي يقررها ويخطر طلابه بأي تعديل في ساعات وجوده بمكتبه «الساعات المكتبية» لاستقبالهم لشرح ما قد يكون قد استعصى عليهم فهمه في دروسهم، وهذا جانب هام في بلد كالسودان حيث وقتك ليس دائما ملكك! ولم ينس البروفسير عوض أن يذكر بأن الحياة الجامعية لم تعد مرتبطة بدوام معين، أو فترة زمنية محددة، ولقد ذكرت في مقالي السابق أن ذلك كان حال جامعة الخرطوم في الماضي عندما كان الأستاذ حاضرا دائما في الجامعة، وكان أساتذة كثيرون يواصلون عملهم في التدريس والبحث العلمي بعد تناول وجبة غداء فاخرة في نادى الأساتذة يدفعون نظيرها مبلغا كان -على كبره، زهيدا بالنسبة لرواتبهم المحترمة آنذاك. وهذا هو السبب في أنك تجد قدامى الأساتذة حاضرين دائما في الجامعة فتلك جبلتهم التي تطبعوا عليها منذ ذلك الزمن وأظنهم لن يبدلوها وان لم يتقاضوا أجرا! ان التفاعل الأكاديمي بين الطالب وأستاذه مطلوب في الجامعة، و كان دائما مطلوبا كما يبين المثل الصيني القديم في بداية هذه المقالة .
ان الجامعة تحتاج أن تولي التدريس وجهود الأساتذة فيه عناية أكبر مما تفعل الآن فترصد الأداء التدريسي رصدا دقيقا وتعلي من شأنه في معايير الترقي، وليت الجامعات و الهيئات والجمعيات المهنية في البلاد تهتم بتكريم أساتذة التعليم العالي المتميزين في التدريس في مجالاتهم، كما تفعل مثلا الجامعات و الجمعيات المهنية الأمريكية . ويحضرني هنا مثال مشرق من جامعة الملك سعود بالرياض التي ترصد الآن جوائز مالية ضخمة للتميز في التدريس، وقد نال الجائزة الأولى لهذا العام على مستوى كافة فروع الجامعة وكلياتها الدكتور كمال الدين حسين الطاهر- وهو أستاذ سوداني شاب بكلية الصيدلة فيها وهو أيضا أستاذ من هيئة تدريس كلية صيدلة جامعة الخرطوم.
لايغيب عن ادارة الجامعة أن طبيعة العلوم التجريبية وأهمية التدريب الميداني يوجبان تطوير مستويات المعامل وبرامج التدريب في كليات الجامعة. ان دولة ألمانيا الاتحادية أعانتنا في الماضي في مجال تزويدنا بمعدات المعامل ويمكن تفعيل اتفاقياتنا مع جامعات في ألمانيا الموحدة الآن وابرام اتفاقيات جديدة مع جامعات أخرى فيها لتطوير المعامل.
إن دور المكتبة في الجامعة محوري والمطلوب أن نسعى لتأسيس مكتبة حديثة في مبنى مخصص لأن يكون بدءا مكتبة- بدلا من المبنى الحالي الذي لم يتغير منذ أن أودع فيه السيد دوغلاس نيوبولد مكتبته الخاصة. ان انشاء مكتبة جامعية عصرية مشروع كبير يحتاج لاستنفار في الداخل وعون خارجي نأمل أن يأتي مع التطورات السياسية الجديدة في البلاد. ان مبنى المكتبة الحديث الذي أهدته دولة هولندا لجامعة الأحفاد شاهد على ما يمكن أن يثمر عنه التعاون الدولي مع ملاحظة أن المانحين من دول الشمال أصبحوا اليوم أكثر انفتاحا على جموع الدول النامية المتعاونة في التعليم العالي في ما بينها، مثل مجموعة دول شرق افريقيا التي ننتمي لها- بدلا عن دول بمفردها.
لقد كان موسم الامتحانات في جامعة الخرطوم في الماضي موسما مخيفا للطلاب يحسبون له ألف حساب بل درجوا علي تسيير موكب حزين صامت عشية أول شهر مارس ، شهر الامتحانات آنذاك ، ترتعد عند رؤيته أوصال من لم يستعدوا ويتحسبوا لما يحمله الشهر لهم في طياته من مفاجآت فيخيم على الجامعة جو من الرهبة والترقب. ومع أن الحال الآن يختلف نسبيا عما كان عليه حينئذ الا أن الامتحانات في جامعة الخرطوم لا زالت الى حد كبير تثير الفزع والاضطراب في نفوس الطلاب المساكين، خصوصا في الكليات العلمية، فيهرع عدد مقدر منهم الى مركزالجامعة للخدمات الطبية والصحية يشكون من علل وأسقام حقيقية و متوهمة ، يأملون أن تهيأ لهم الشهادات الطبية المعتمدة مخرجا من محنتهم!
إن كثيرا من كليات الجامعة تتبع الآن في تدريس الطلاب نظام الفصل الدراسي المعدل وهو نظام هجين يجمع بين سمات من النظام السنوي ونظام الساعات المعتمدة. غير أن من الضروري أن تهتم كافة كليات الجامعة بما يسمي أعمال السنة أو التقويم المستمر للطالب حتى لا يكون الامتحان النهائي هو الفيصل الأوحد في تقدم الطالب من مستوى دراسي لآخر. وفي هذا المجال يمكن الاستعانة، كما تفعل كلية الهندسة، بالخريجين من طلاب الخدمة الوطنية في تنفيذ برامج أعمال السنة «Tutorials». كما أني أرى أيضا أن تفكر الجامعة في تخفيف لوائح الامتحان النهائي على الوافدين الجدد، طلاب السنة الأولى. ذلك لأن هؤلاء الطلاب يجدون أنفسهم في بيئة أكاديمية تختلف تماما عن البيئة المدرسية وهم يحتاجون لوقت حتى يتأقلموا معها، لا سيما وأنهم الآن يدخلون الجامعة وهم أصغر بكثير من طلاب أجيال القرن الماضي. لقد درجت الجامعة قبل زمن على اعتبارامتحان نهاية السنة الثانية - وهو يعادل في بعض الكليات امتحان المستوى المتقدم A-Level في النظام التعليمي البريطاني، الفيصل في مسيرة الطالب الجامعية وكان يجرى تحت اشراف الممتحن الخارجي.
إن العودة لذلك التقليد سيتيح للطلاب الجدد فرصة يلتقطون فيها أنفاسهم في البيئة الجامعية الجديدة كما أنها ستوفر أيضا نظاما محكما لاختيار طلاب درجة الشرف في الكليات التي يتم اختيارهم فيها بعد انقضاء عامين على التحاقهم بالجامعة.
ان هذا الحديث المسهب عن الامتحانات لا يجب أن يترك انطباعا بأنها أساس التعليم الجامعي. ان ما ينبغى أن يهدف اليه هذا التعليم كما قال جي سي سكوت، نائب عميد كلية الخرطوم الجامعية بين عامي 1944 و1946م، هو « تعليم الطالب» أكثر من « تدريسه المادة»- و أن مهمة الجامعة ليست حمل الطالب على اجتياز الامتحانات- بل تنمية عقله وشخصيته وقدراته ليصبح انسانا سويا مفيدا لنفسه ولغيره «جي. سي. سكوت : كلية غوردون اليوم، محاضرة في سلسلة محاضرات مركز السودان الثقافي 1940 -1950- Khartoum Perspectives ، تحرير دونالد هاولي، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001 ».
في عام 1998م انعقد بباريس مؤتمر للتعليم العالي نظمته اليونسكو وحضره أكثر من مائة وثمانين قطرا بالاضافة لممثلي الهيئات الأكاديمية من أساتذة وطلاب «الأخيرين كانت لهم مشاركات رصينة لافتة للنظر في الجلسات الموازية»، وكذلك منظمات كثيرة مهتمة بالتعليم العالي. لقد أصدر ذلك المؤتمر ما سمي بالاعلان العالمي عن التعليم العالي وكان من بين بنوده نداء باتاحة فرص مناسبة أمام الذين يتعثرون أكاديميا ويفصلون من مؤسسات التعليم العالي للعودة مرة أخرى للدراسة بها. لقد طبقت جامعة الخرطوم ذلك البند واصبح ممكنا لهؤلاء أن يعودوا للجامعة بعد الجلوس للامتحانات كطلاب خارجيين. واني أعرف طالبا في كلية علمية رسب في امتحانات السنة الأولى وفصل ثم عاد لذات الكلية بهذا النظام وتدرج في دراسته بنجاح حتى نال درجة الشرف الأولى. انني أتمنى أن تتمسك الجامعة بهذا النظام وأن تشجع كافة الكليات على ابداء مرونة معقولة في تطبيقه.
أخبرني، سأنسى
أرني، ربما أتذكر
لكن دعني أتفاعل معك وسأفهم
«مثل صيني قديم».
واكبت الجامعة تطور طرق التدريس بالاستفادة من معينات التقنية الحديثة وتقنية المعلومات. أرجو أن يتزايد الاهتمام بهذه المسألة ويتسارع دون أن ننسى أن هذه المعينات الحديثة أتت لتحسين الأداء التعليمي ولعب دور مساند لأدوات التدريس التقليدية مثل السبورة المتمتعة بقداسة القدم والتي أثبتت، ولا زالت تثبت في أحوال معينة في أكبر الجامعات العالمية المتقدمة، فاعليتها. لقد رأت جامعة الملك سعود أن تطلب من جميع أعضاء هيئة التدريس بها تأسيس مواقع لهم في شبكة المعلومات الدولية يطرحون فيها مذكرات المقررات التي يدرسونها حتى يطلع عليها طلابهم ويتوافر بذلك لهم قناة أخرى، بجانب قاعة المحاضرات- يتفاعلون عبرها مع الأساتذة كما يفعل طلاب الجامعات المفتوحة. وستحسن الجامعة صنعا لو استفادت من تجربة جامعة السودان المفتوحة في هذا المجال لأنها بحق، رغم حداثتها، جامعة مرموقة تتمتع بعلاقات قوية مع مثيلاتها في أوربا وافريقيا وآسيا ، وتقوم على أمرها ادارة نشطة مقتدرة تعمل بجد وتجرد لتلعب دورا متقدما في نهضة البلاد. ربما لا يعلم كثير من الناس، حتى الذين هم في مؤسسات التعليم العالي، كثيرا عن جامعة السودان المفتوحة. انني أقترح عليهم وعلى أجهزة الاعلام القومي زيارتها ليروا نموذجا حيا للعمل الدؤوب الصامت في بناء السودان.
ان وسائل التقنية الحديثة توفر مجالا أوسع لتفاعل الطالب مع أستاذه، وفي هذا السياق أعجبت بمقال كتبه بروفسير عوض أمين عباس «الصحافة 13/11/2009 العدد 5872» عن الجامعات الالكترونية نبه فيه الى أهمية دور التقنيات الحديثة في تمدد مدى التواصل والتفاعل بين الأستاذ والطالب عبر صفحة الأستاذ في شبكة المعلومات، حيث يعرض الأستاذ المقررات التي يدرسها والواجبات المنزلية التي يقررها ويخطر طلابه بأي تعديل في ساعات وجوده بمكتبه «الساعات المكتبية» لاستقبالهم لشرح ما قد يكون قد استعصى عليهم فهمه في دروسهم، وهذا جانب هام في بلد كالسودان حيث وقتك ليس دائما ملكك! ولم ينس البروفسير عوض أن يذكر بأن الحياة الجامعية لم تعد مرتبطة بدوام معين، أو فترة زمنية محددة، ولقد ذكرت في مقالي السابق أن ذلك كان حال جامعة الخرطوم في الماضي عندما كان الأستاذ حاضرا دائما في الجامعة، وكان أساتذة كثيرون يواصلون عملهم في التدريس والبحث العلمي بعد تناول وجبة غداء فاخرة في نادى الأساتذة يدفعون نظيرها مبلغا كان -على كبره، زهيدا بالنسبة لرواتبهم المحترمة آنذاك. وهذا هو السبب في أنك تجد قدامى الأساتذة حاضرين دائما في الجامعة فتلك جبلتهم التي تطبعوا عليها منذ ذلك الزمن وأظنهم لن يبدلوها وان لم يتقاضوا أجرا! ان التفاعل الأكاديمي بين الطالب وأستاذه مطلوب في الجامعة، و كان دائما مطلوبا كما يبين المثل الصيني القديم في بداية هذه المقالة .
ان الجامعة تحتاج أن تولي التدريس وجهود الأساتذة فيه عناية أكبر مما تفعل الآن فترصد الأداء التدريسي رصدا دقيقا وتعلي من شأنه في معايير الترقي، وليت الجامعات و الهيئات والجمعيات المهنية في البلاد تهتم بتكريم أساتذة التعليم العالي المتميزين في التدريس في مجالاتهم، كما تفعل مثلا الجامعات و الجمعيات المهنية الأمريكية . ويحضرني هنا مثال مشرق من جامعة الملك سعود بالرياض التي ترصد الآن جوائز مالية ضخمة للتميز في التدريس، وقد نال الجائزة الأولى لهذا العام على مستوى كافة فروع الجامعة وكلياتها الدكتور كمال الدين حسين الطاهر- وهو أستاذ سوداني شاب بكلية الصيدلة فيها وهو أيضا أستاذ من هيئة تدريس كلية صيدلة جامعة الخرطوم.
لايغيب عن ادارة الجامعة أن طبيعة العلوم التجريبية وأهمية التدريب الميداني يوجبان تطوير مستويات المعامل وبرامج التدريب في كليات الجامعة. ان دولة ألمانيا الاتحادية أعانتنا في الماضي في مجال تزويدنا بمعدات المعامل ويمكن تفعيل اتفاقياتنا مع جامعات في ألمانيا الموحدة الآن وابرام اتفاقيات جديدة مع جامعات أخرى فيها لتطوير المعامل.
إن دور المكتبة في الجامعة محوري والمطلوب أن نسعى لتأسيس مكتبة حديثة في مبنى مخصص لأن يكون بدءا مكتبة- بدلا من المبنى الحالي الذي لم يتغير منذ أن أودع فيه السيد دوغلاس نيوبولد مكتبته الخاصة. ان انشاء مكتبة جامعية عصرية مشروع كبير يحتاج لاستنفار في الداخل وعون خارجي نأمل أن يأتي مع التطورات السياسية الجديدة في البلاد. ان مبنى المكتبة الحديث الذي أهدته دولة هولندا لجامعة الأحفاد شاهد على ما يمكن أن يثمر عنه التعاون الدولي مع ملاحظة أن المانحين من دول الشمال أصبحوا اليوم أكثر انفتاحا على جموع الدول النامية المتعاونة في التعليم العالي في ما بينها، مثل مجموعة دول شرق افريقيا التي ننتمي لها- بدلا عن دول بمفردها.
لقد كان موسم الامتحانات في جامعة الخرطوم في الماضي موسما مخيفا للطلاب يحسبون له ألف حساب بل درجوا علي تسيير موكب حزين صامت عشية أول شهر مارس ، شهر الامتحانات آنذاك ، ترتعد عند رؤيته أوصال من لم يستعدوا ويتحسبوا لما يحمله الشهر لهم في طياته من مفاجآت فيخيم على الجامعة جو من الرهبة والترقب. ومع أن الحال الآن يختلف نسبيا عما كان عليه حينئذ الا أن الامتحانات في جامعة الخرطوم لا زالت الى حد كبير تثير الفزع والاضطراب في نفوس الطلاب المساكين، خصوصا في الكليات العلمية، فيهرع عدد مقدر منهم الى مركزالجامعة للخدمات الطبية والصحية يشكون من علل وأسقام حقيقية و متوهمة ، يأملون أن تهيأ لهم الشهادات الطبية المعتمدة مخرجا من محنتهم!
إن كثيرا من كليات الجامعة تتبع الآن في تدريس الطلاب نظام الفصل الدراسي المعدل وهو نظام هجين يجمع بين سمات من النظام السنوي ونظام الساعات المعتمدة. غير أن من الضروري أن تهتم كافة كليات الجامعة بما يسمي أعمال السنة أو التقويم المستمر للطالب حتى لا يكون الامتحان النهائي هو الفيصل الأوحد في تقدم الطالب من مستوى دراسي لآخر. وفي هذا المجال يمكن الاستعانة، كما تفعل كلية الهندسة، بالخريجين من طلاب الخدمة الوطنية في تنفيذ برامج أعمال السنة «Tutorials». كما أني أرى أيضا أن تفكر الجامعة في تخفيف لوائح الامتحان النهائي على الوافدين الجدد، طلاب السنة الأولى. ذلك لأن هؤلاء الطلاب يجدون أنفسهم في بيئة أكاديمية تختلف تماما عن البيئة المدرسية وهم يحتاجون لوقت حتى يتأقلموا معها، لا سيما وأنهم الآن يدخلون الجامعة وهم أصغر بكثير من طلاب أجيال القرن الماضي. لقد درجت الجامعة قبل زمن على اعتبارامتحان نهاية السنة الثانية - وهو يعادل في بعض الكليات امتحان المستوى المتقدم A-Level في النظام التعليمي البريطاني، الفيصل في مسيرة الطالب الجامعية وكان يجرى تحت اشراف الممتحن الخارجي.
إن العودة لذلك التقليد سيتيح للطلاب الجدد فرصة يلتقطون فيها أنفاسهم في البيئة الجامعية الجديدة كما أنها ستوفر أيضا نظاما محكما لاختيار طلاب درجة الشرف في الكليات التي يتم اختيارهم فيها بعد انقضاء عامين على التحاقهم بالجامعة.
ان هذا الحديث المسهب عن الامتحانات لا يجب أن يترك انطباعا بأنها أساس التعليم الجامعي. ان ما ينبغى أن يهدف اليه هذا التعليم كما قال جي سي سكوت، نائب عميد كلية الخرطوم الجامعية بين عامي 1944 و1946م، هو « تعليم الطالب» أكثر من « تدريسه المادة»- و أن مهمة الجامعة ليست حمل الطالب على اجتياز الامتحانات- بل تنمية عقله وشخصيته وقدراته ليصبح انسانا سويا مفيدا لنفسه ولغيره «جي. سي. سكوت : كلية غوردون اليوم، محاضرة في سلسلة محاضرات مركز السودان الثقافي 1940 -1950- Khartoum Perspectives ، تحرير دونالد هاولي، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001 ».
في عام 1998م انعقد بباريس مؤتمر للتعليم العالي نظمته اليونسكو وحضره أكثر من مائة وثمانين قطرا بالاضافة لممثلي الهيئات الأكاديمية من أساتذة وطلاب «الأخيرين كانت لهم مشاركات رصينة لافتة للنظر في الجلسات الموازية»، وكذلك منظمات كثيرة مهتمة بالتعليم العالي. لقد أصدر ذلك المؤتمر ما سمي بالاعلان العالمي عن التعليم العالي وكان من بين بنوده نداء باتاحة فرص مناسبة أمام الذين يتعثرون أكاديميا ويفصلون من مؤسسات التعليم العالي للعودة مرة أخرى للدراسة بها. لقد طبقت جامعة الخرطوم ذلك البند واصبح ممكنا لهؤلاء أن يعودوا للجامعة بعد الجلوس للامتحانات كطلاب خارجيين. واني أعرف طالبا في كلية علمية رسب في امتحانات السنة الأولى وفصل ثم عاد لذات الكلية بهذا النظام وتدرج في دراسته بنجاح حتى نال درجة الشرف الأولى. انني أتمنى أن تتمسك الجامعة بهذا النظام وأن تشجع كافة الكليات على ابداء مرونة معقولة في تطبيقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.