القاعدة الذهبية تقول إن الشعوب تثور لامرين، هما: المساس باقوات الناس، والتضييق على الحريات، الا ان الامر الاول هو في الغالب الاعم المحفز والدافع الاقوى لخروج الجماهير على السلطان والمطالبة برحيله، هذا ما تابعناه خلال الشهور المنصرمة من العام الجاري في كل من مصر وتونس وليبيا حيث تداخلت الدوافع وعجلت بتنحي وهروب الحكام (زين العابدين بن علي، مبارك والقذافي) فسنوات تجبُّرهم التي قاربت مجتمعة المائة عام لم توفر حائطا منيعا لصد غضبة الجماهير وآلة بطشهم لم تنفر آخرين مازالوا يحاولون في اليمن وسوريا من اجل النصر وازاحة قامعيهم صالح وبشار. (السودان ليس محصنا من غضبة الجماهير) مقولة رددها اكثر من قيادي بالحزب الحاكم بجانب تهديدات حملتها تصريحات قادة المعارضة، الا ان الاخيرة تضع بجانب اتهاماتها للنظام بالفساد وقمع الحريات ووزر فصل الجنوب كرتا آخر هو الضائقة المعيشية والغلاء المطرد الذي تصحو عليه الاسواق كل يوم، واضعة امامها تجارب الشارع العربي المشتعل منذ بداية عام الربيع هذا، لكن المتابع لربيع تلك الشعوب يتوقف عند اختلاف المسببات التي دفعت بالجماهير للخروج للشوارع فلكل ثورة خصوصيتها ومحفزاتها التي دفعت بالجماهير للمطالبة برحيل انظمة حكمها، بلا سابق انذار، ما اربك تلك الانظمة في تلك الدول وخاب ظنهم بالا مهدد للحكم ولا هاز للعرش بسبب قبضتهم وتنكيلهم بالمعارضين واخراسهم للالسن، لكن الغضبة كانت للجماهير التي سبقت المنظومات الحزبية، بين كل تلك الثورات يُقمع المعارضون في السودان بانتظار هبات الربيع على اراضيهم التي عاشت صيفا طويلا، تعمل الخرطوم على امتداده رغم اتساع مضمار صراع الحكومة ومعارضيها لكسب صف الجماهير ، لكن السودان الذي استقبل مطلع العام الحالي بانفصال ربع مساحته واتساع المواجهات المسلحة بين الحكومة ومعارضيها في النصف الاول من العام الجاري التي مازالت مستمرة بجانب الغلاء الفاحش في اسعار السلع الضرورية كلها باتت كروتا بايدي الحكومة ومعارضيها لتحريك البركة الساكنة، فالحكومة وعلى لسان نائب رئيس حزبها بولاية الخرطوم محمد مندور المهدي لم يتردد في توجيه الاتهام صراحة للمعارضة باستغلال ارتفاع الأسعار لتحريك الشارع ضد النظام، وتابع ان حزبه يدرك ان كل التحركات المعارضة لا تلقى تجاوباً لأن الشعب السوداني على دراية بالتطورات الجديدة وخروج مداخيل النفط من الموازنة ما اثر سلباً على الموارد، وأشار مندور الى ضرورة فرض الحكومة المزيد من السياسات التقشفية منوهاً ان خفض مخصصات الدستوريين من المسؤولين ليس كافياً، داعياً لاهمية اقرار معالجات اكثر صرامة وقوة، بيد ان المعارضة لم تكترس لاتهامات الحكومة وحملتها المسؤولية كاملة عما يدور بالبلاد واستعرض المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر في حديثه ل»الصحافة» عبر الهاتف مسببات الازمة التي وضع على رأسها السياسات الخاطئة التي وضعتها الحكومة واهمال الزراعة والثروة الحيوانية والصرف البذخي على الاجهزة الامنية ومنسوبيها بجانب الحروب التي قال انها تمثل هلالا كاملا امتداده من ام دافوق وحتي الكرمك، ويرفض عمر تحمل المعارضة لتلك الفاتورة التي طالب الحكومة بدفعها بعيدا عن فرض التقشف على الشعب، وتابع حتى الشعب بات غير قادر على التقشف، وسخر عمر من اتهامات مندور لافتا الى انهم كمعارضة لن يتهاونوا في ترصد اخطاء النظام لصالح الشعب وشدد على انهم سيواصلون في تحريضه للخروج للشارع بسبب الازمة الاقتصادية للاطاحة بالنظام، واضاف بعدها الشعب يمكن ان يتحمل فاتورة الاصلاح وليس مرض الشمولية. ما بين اتهامات الحكومة لمعارضيها بتحريض الشارع واقرار المعارضة بالفعل وقطعها بالترصد والعمل من اجل اسقاط النظام يقول محللون إن تضخم أسعار الغذاء قد يزكي المعارضة لدى الشعب الذي يواجه أصلاً صعوبات شديدة، بسبب البطالة والعملة المحلية التي تم خفض قيمتها ونقص العملة الأجنبية والعقوبات التجارية الأميركية، فالربع الاخير من عام الربيع العربي يبدو انه سيطول على الحاكمين بالسودان في ظل دعوات معارضيهم للتظاهر ونقص الموارد التي بيدها فالبلاد فقدت 75% من إنتاج النفط البالغ 500 ألف برميل يومياً بانفصال جنوب السودان خلال يوليو الماضي، ومع ان جنوب السودان سيضطر لدفع رسوم لاستخدام خطوط أنابيب الشمال لنقل نفطه إلى السوق، لكن من المرجح أن يحصل السودان على نسبة أقل من إيرادات نفط الجنوب بعدما كان يحصل على 50% في السابق، ويقول محللون إن تراجع إيرادات النفط سيؤدي إلى تفاقم نقص الدولار في الشمال خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويحمل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين الذي تحدث ل»الصحافة» عبر الهاتف الحكومة ما يدور بالاسواق قائلا الاسعار بالسوق لا ترتفع لوحدها هناك اسباب تقف خلفها واستطرد التحرير الاقتصادي وخصخصة القطاع العام وهدم المشاريع المنتجة التي كانت تحمل البلاد بجانب انهيار الصناعات، وعن خطوة الحكومة لخفض الجمارك تساءل حسين عن الجهة التي زادتها في الاساس؟! واضاف الحكومة هي المسؤول الاول وعليها ان تذهب لانها فشلت وبنت استراتيجيتها على حساب البترول وهو سلعة ناضبة بسبب الطبيعة او الانفصال الذي قال ان اسبابه ترجع للفشل السياسي للنظام وعدم احترام نيفاشا وشن الحرب الجهادية والاضهاد العرقي والديني، فيما اجاب الامين العام للمؤتمر السوداني على اتهامات الحزب الحاكم متسائلا (هل لنا ان نصفق للغلاء كما فعل البرلمان)؟! واردف سنعمل على دفع الجماهير لمقاطعة سياسات الحكومة الاقتصادية بلا تردد.