اعتذر للقراء الاعزاء عن مواصلة نشر، ما تبقى من حلقات توثيق حي ابي روف، على ان يتم ذلك في الاسبوع القادم ان شاء الله وسبب الاعتذار ان الاحداث تتلاحق باتجاه الانتخابات، على نحو يستدعي استمرار الاسهام بالقدر الفكري الممكن فيما يجري. «1» الانتخابات الماثلة، تستند الى نص في دستور نيفاشا 9 يناير 2001، وتتولى المفوضية القومية للانتخابات والتي انشئت بمقتضى المادة 41 «1» اعداد السجل الانتخابي العام، ومراجعته سنويا، كما تتولى تنظيم انتخابات رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب والولاة والهيئة التشريعية القومية ومجلس الجنوب، والمجالس التشريعية الولائية، بالاضافة لتنظيم اي استفتاءات وفقا للدستور «مادة 141/2/أ و2 -ج» ويرتبط بهذه الانتخابات وفقا للمادة 222 من الدستور الانتقالي: الاستفتاء على تقرير المصير الذي يتم قبل ستة اشهر من انتهاء الفترة الانتقالية، وتنظيم مفوضية استفتاء جنوب السودان بالتعاون مع الحكومة القومية وحكومة جنوب السودان «مادة 222/1» وتبدو الحالة السياسية، ومنذ البدء في خطوات العملية الانتخابية في حراك متلاحق، تتداخل اطرافه، ابتعادا واقترابا بين الاندغام، والتنسيق والتحالف، والاستقلال في درجات متفاوتة، وتطرح في اللقاءات برامج الاحزاب واستراتيجياتها، ولقد تغيب المرجعيات التفصيلية، ويمكن، قراءة الصراع، على هذا النحو: ٭ الاحزاب المسجلة، فعلا «ثمانون»، الفاعل بينها، من حيث القاعدة والوضوح الفكري، والقدرة على التمويل النسبي لا يتجاوز السبعة احزاب، وهي المؤتمر الوطني، حركة تحرير السودان، المؤتمر الشعبي، حزب الامة القومي الاتحادي الديمقراطي الاصل، الحزب الشيوعي السوداني، ولا يقدح ذلك بالضرورة، في قدرات الاحزاب الاخرى الفكرية والتنظيمية، والعدد المسجل للناخبين هو 16 مليونا. ٭ تبدو المنافسة، وفقا لمؤشرات الصراع بين طرفي اتفاقية نيفاشا في محورين متعارضين تماما. المحور الاول هو محور السلطة القائمة فعلا والقابضة على مفاصل الدولة والمال، ويمثلها المؤتمر الوطني بتحالفاته مع قوى حزبية منشقة عن اصولها الفكرية والتنظيمية «حزب الامة الاتحادي الديمقراطي التجمع الوطني الديمقراطي» وصار وزنها الحقيقي قائماً على قوة المؤتمر الوطني. المحور الثاني وترتبط به الحركة تنسيقا وتحالفا، هو محور المعارضة التقليدية ويمثله حزب الامة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل والحزب الشيوعي السوداني وقوى التجمع الوطني بالاضافة لقوى اسلامية شكلت فيما قبل رأس الرمح الفكري والتنظيمي في عملية الانقاذ الوطني «30 يونيو 1989» وهي بالضرورة معارضة غير تقليدية، ربما معارضة البيت الواحد الاكثر شراسة «الاخوة الاعداء». ٭ تدخل في حلبة الصراع، عناصر لا يمكن بحال تجاهلها وهي القبلية والعرقية والجهوية «دارفور الشرق جبال النوبة جنوب النيل الازرق» قوى دولية وضغوط اقليمية وجود السلاح ومن يستعمل السلاح. ٭ تراهن كل القوى السياسية، المتنافسة، وعلى تفاوت في نبرة الاولويات على: التنمية المستدامة العدالة في توزيع السلطة والثروة سيادة حكم القانون اعتدال السياسة الخارجية قومية المؤسسات حقوق الانسان حل ازمة دارفور رد المظالم وتسوية النزاعات النظام البرلماني الالتزام بالشريعة الاسلامية وحدة السودان وما خرجت تلك الاحزاب، في برامجها المطروحة عن حزمة «الحكم الراشد» على الرغم من ملاحظة جوهرية وهي ان ايا من تلك القوى السياسية، لم تقدم للمواطنين، رؤية نقدية امينة لممارساتها، تبريرات للاخطاء ووعود جادة بالاصلاح باتجاه الحلول الامثل، لم ترمِ القوى السياسية، ساحة الممارسة منذ 1956م بحجر!! «2» تمارس القوى السياسية، التقرب للمواطن سيد الموقف فعلا، كل بطريقتها وقراءاتها وتوقعاتها، وارى ان كثيرا من تلك القوى، لم يحلل الهيئة الناخبة، بالصورة العلمية اللازمة. ٭ ما هي طبيعة هؤلاء الناخبين، من حيث التأييد او عدم التأييد، الجدية وعدم الجدية، القناعة الفكرية او عدم القناعة، او بالاحرى السذاجة ام الذكاء. ٭ كم نسبة الهيئة الناخبة، الحالية، بالنسبة لآخر انتخابات اجريت في ابريل 1986، ما هي المتغيرات الجوهرية في السلوك السياسي. هذا من ناحية على الاقل بالنسبة للاحزاب المعارضة تقليديا، اما من الناحية الاخرى، فما هي النسبة لمؤيدي احزاب حكومة الوحدة الوطنية، من غير الملتزمين فكريا بالفعل، بمعنى آخر من غير العضوية ذات الانتماء الآيديولوجي والمعيار هنا هو صندوق الانتخابات. ٭ ما هو اثر غياب الثقافة الانتخابية، على اجراء عمليات الاقتراع، من حيث عدد الاصوات الصحيحة عند الفرز، والاشارة هنا وبدقة شديدة جدا الى ما نصت عليه المادة 77/1 من قانون الانتخابات لسنة 2008م، يعد الصوت غير صحيح ولا يحتسب لصالح اي من المرشحين او الاحزاب السياسية اذا: قطعت بطاقة الاقتراع او اتلفت بأية طريقة قام النائب بالتأشير على بطاقة الاقتراع بأية طريقة لا يمكن من خلالها تحديد اختياره بوضوح. ٭ ما هي درجة المصداقية، التي يطرح بها مرشحو الاحزاب او المستقلون وعودهم، هل ثمة احترام لعقل المواطن السوداني، ويرتبط بذلك بالضرورة مدى السلطة التي يتمتع بها هؤلاء المرشحون حال فوزهم. ٭ الخلاف بين قوى المعارضة من غير المؤتمر الشعبي على قيام الانتخابات من عدمه، يبدو لي انه قد تجاوز مرحلة طرحه تماما، فالمنطق يقول ان مجرد القبول بها يعني الالتزام بالمشاركة بها وقبول نتائجها وكان مقبولا تماما وبمبررات كثيرة الرفض ابتداء، وربما شكل موقفا أقوى. ٭ العملية الانتخابية مواجهة بكثير من المشاكل التي تشكل جينات لوضع جديد في المنطقة. ٭ تقرير مصير جنوب السودان وهو قاب قوسين او ادنى ٭ تداعيات الاتفاقيات الاطارية لازمة دارفور، على واقع العملية الانتخابية. ٭ مدى، صدقية مؤشرات العملية الانتخابية على خريطة حكومة ما بعد الانتخابات. هل يعني فوز المؤتمر الوطني، بأي نوع من انواع درجات الاغلبية العزف المنفرد على الساحة السياسية، ام برموز من تحالفات حكومة الوحدة الوطنية، ام بفهم واسع، للديمقراطية بمعنى مشاركة احزاب المعارضة في الحكم، سواء بطريقة مباشرة او بطريقة غير مباشرة واعني هنا، مفهوم المشاركة Participation كما تطرحه الرؤى الديمقراطية الحقة.. ام بتشكيل حكومة قومية.. كما اعلن الرئيس بعد معرفة الاوزان الفعلية. ٭ ان التحفظات الامنية على اجراء الانتخابات في بعض مناطق دارفور أو أية مناطق اخرى، قد يستدعي بعض سيناريوهات، بدأت تطل بالفعل برأسها، فالمعايير قد تتسع لتشمل غير دارفور، والظروف القابلة للتغيير في كل لحظة، ربما استوجبت ذلك، على الاخص في مناطق النزاع القائم «جنوب النيل الازرق جبال النوبة» ولعلي امضي اعتمادا على ذات القراءة لاضيف، انتخابات والي البحر الاحمر، فهي تتميز «بسخونة غير عادية». ٭ تلعب الحركة، دورا مؤثرا في جماهير الناخبين في الشمال، فهي في واقع الامر تشكل رصيد الناخب، من غير المعارضين التقليديين وفي غير ذوي الانتماء اليساري وتبدو نداءاتها الملحة في بيت علي عبد اللطيف وفي البجراوية تمرينا ساخنا على اعادة قراءة التاريخ او بالاصح اعادة ترتيب البيت السوداني. ٭ يشكل المؤتمر الوطني معتمدا على انجازاته العملية استقطابا مضادا، لكل حذر الناخبين، من غير عضويته الآيديولوجية او غير الآيديولوجية، في الذي تطرحه الحركة، من دفع حسابات تاريخية باهظة الثمن! هل بالامكان في ضوء المؤشرات السابقة وباعتبار صحة افتراضها بأي تنبؤ مقبول لنتيجة الانتخابات ونرى انها عملية احصائية بالغة الدقة والتعقيد بحسبان ثبات «المعامل» ولكنها في ذات الوقت وازاء تحولات مفاجئة، يمكنها ان تكون تلك الانتخابات ام المفاجآت على وزن ام المعارك. «4» في كل الاحوال، فنحن في السودان، بازاء متغير مفصلي، في تاريخنا السياسي، وهو تغيير رهن بقراءة كل الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لمراحل تطورنا التاريخي، بأناة ووضوح وصدقية وفيه كثير مما يستحق ان تعاد قراءته على نحو نقدي منهجي، بعيدا من اي مؤثرات غير موضوعية. ويبدأ ذلك المدخل، واردا، من خلال تساؤلات واشارات لماذا نريد الحكم، والاجابة المباشرة والصحيحة هي تحقيق العدالة ولن يتم ذلك بغير حرية منضبطة، وقيم حارسة وشفافية ناجزة. السيد بعد الله هو الشعب، الذي تحقق الانتخابات النزيهة الحرة بارادته وباسمها يكون التكيف بالحكم وهو من عند الله وامانة، والناس سواء، فيصلهم التقوى، على تعدد الثقافة ولا كبير على القانون. الحكومة تعبر عن كل الشعب وان ناصرها واتى بها بعض هذا الشعب، وهي معنية باختيار العناصر التي تمثل كل الشعب بما يحقق الوعي ويحقق المشاركة ويستجيب للعدل ولا يوقظ الفتنة. وبعد... فاننا شعب هذا الوطن العريق، نملك ارثا حضاريا يضرب في عمق التاريخ، ولنا اسهام في المسار الانساني غير منكور، وبامكاننا وباسم الوعي وتجاوز العصبيات الضيقة وبحق الله تعالى قي قيم الحرية والكرامة والعدلة، ان نعبر باتجاه الوحدة الوطنية الى مرافيء الاستقرار وان نقدم للعالم، ولاجيالنا القادمة.. درسا من الدروس التي اعتاد غضبا ان يقدمها.. عنوانا جميلا.. في كتاب التاريخ الانساني. ملاحظات: ٭ القضاء، هو الوحيد المؤهل اخلاقيا وقانونيا، لفض النزاعات الناتجة عن العملية الانتخابية. ٭ تفتح المواجهة المسلحة في اي شكل كانت ابواب جهنم، فهي نار تسري فوق الهشيم وربما كانت مدروسة ومنظمة. ٭ اي انتقالات لنواب فازوا تحت مظلة مستقل او حزب قائم، لاي حزب آخر تشكل خيانة ويلزم عدم الاستجابة لها، ولا يجب تمريرها قانونيا او اخلاقيا او الاثنين معا.. والانتقال وفي كل الاحوال رهين بارادة الشعب بمعنى ان اعادة الانتخاب في مثل هذه الدوائر تنظر في كثير من الدول الى تجربتنا الانتخابية وتراهن بعض الانظمة فيما يشبه الشماتة، على امكان تجاوزها وربما راهنوا على الفوضى. ٭ كثير من المسائل تستحق المزيد من التوضيح وتسليط الضوء. ٭ مسألة علاقة الاحصاء السكاني في جنوب السودان باربعين مقعدا اضافية منحت للجنوب، ما هي مبررات المنح وقبل ذلك مشروعيته! «ما هو المعادل او المعامل الموضوعي للمعادلة» اهو مقابل لمغالطة الاحصاء. ٭ القراءة الثاقبة للمشورة في جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان واستفتاء ابيي. ٭ التنبيه، من قبل المفوضية بما يشكل ترسيخ الثقافة الانتخابية، على سلوك الناخب، بنصوص الفصل العاشر من قانون الانتخابات لسنة 2008م بعنوان الممارسات الفاسدة وغير القانونية والمخالفات الانتخابية «في المادة 87 الى المادة 102 والتي تنص على عقوبة السجن لمدة لا تقل عن 6 اشهر ولا تزيد عن سنتين او بالغرامة التي تحددها المحكمة المختصة او بالعقوبتين عند الادانة. ٭ لمزيد من تأكيد شفافية المفوضية ان تتولى نشر ضوابط وقرارات كل ما تعلق برسو اي عطاءات او تصرفات مالية وتحديد الجهات التي ترسو العطاءات عليها مع نشر المعايير التي بنيت عليها الموافقة من عدمها. ٭ ان حاجة المواطنين الفعلية، هي نزع فتيل الاستقطابات الحادة، باتجاه التسامح، يكفي الناس هنا، متغير لصالح الجريمة والاجرام، نقرأه في بعض الصحف السيارة.. حاجة المواطنين ملحة للصحة وتكلفة الحياة اليومية. ٭ تبدو المساءلة القانونية، عنصرا اساسيا، يثبت حسن النوايا باتجاه سيادة حكم القانون، في كل المخالفات والجرائم، بشرط ثبوت ادلتها. ٭ ان خريطة المسؤولية في الجهاز التنفيذي وخريطة الجهاز التنفيذي نفسه جديرة بالتغيير، فالمنطق يقول بضرورة ذلك، والشباب جدير ان يتولى دوره ومهامه، فالمياه الساكنة تحتاج لحجر يحرك فيها التيار بديلا للسكون والآلية والجمود، ثم ان المهنية تبدو واردة تماما وكشرط محوري. ٭ النظام الاتحادي.. يستوجب اعادة القراءة والتقدير. واعادة الهيكلة، فالولايات الحالية لا تشكل سوى واقع جغرافي.. تغيرت مسمياته.. اذا كانت اتفاقية نيفاشا «2001» وبالتالي دستور «2005» الانتقالي وقد احتاط تماما، لخيار الانفصال، عند تقرير المصير وارد في البند «10» من المادة 226: اذا جاءت نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير لصالح الانفصال، فان ابواب وفصول ومواد وفقرات وجداول هذا الدستور ملغاة!! اذا كان ذلك الاحتمال مرجحا لهذه الدرجة.. ماذا اعدت القوى السياسية، دون استثناء لذلك «الزلزال» فالنوايا الحسنة بقبول الامر الواقع لا تكفي ابدا. ٭ ماذا عن المتغير الدولي والاقليمي في المنطقة؟ ٭ ماذا عن اي انفعالات غير منضبطة شمالا او جنوبا؟ ٭ ماذا عن مياه النيل؟ ٭ ماذا عن آبار البترول؟ ٭ ماذا عن اي حسابات غير مرئية، هنا او هناك؟ هل تقرأ القوى السياسية ذلك جيدا؟ ٭ هل بالامكان النظر تأكيدا للمزيد من الديمقراطية فيما بعد هذه الانتخابات في دورة انتخابية على مستوى الحكم المحلي باعتباره فيما اوردت المادة 24 من الدستور الانتقالي، احد مستويات الحكم، ثم انه يحرك ساكن قواعد المواطنين باتجاه المشاركة الفعلية... ويحقق عدالة مطلوبة.. تبدأ من قاعدة الحكم... ولتكن التجربة الفرنسية محل المقارنة. ٭ ان اختيارا انتقائيا، لما طرحه مرشحو رئاسة الجمهورية وبعض المرشحين المستقلين قد يصلح بعد دراسات الاولويات المحلة، ليكون برنامجا مثاليا، يرضي ضمير المجتمع السوداني.. ويعبر عن اغلبية ارادته!! و.. تبني البرامج ليس عيبا.. بل هو منتهى الشراكة!! هل يشكل، مطلب تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة قومية تديرها بؤرة اخرى من بؤر الصراع الخطير وهو «جينة» لتداعيات غير مريحة.. هل ثمة حلول «عاقلة»؟