أرجع والي القضارف كرم الله عباس الشيخ تأخر المشاريع التنموية بالبلاد والولاية إلى تفشي داء القبلية والجهوية بعد أن أصبحت بعض الفئات السياسية والتنظيمات يستخدمونها كرتا لتحقيق المكاسب السياسية والتنموية والخدمية وارتفاع صوتها للضغط على السلطات في المركز والولايات، وأشار الشيخ خلال مخاطبته فاتحة أعمال مجلس الولاية التشريعي في دورة إنعقاده الثانية غياب سياسات التخطيط الاستراتيجي وضعف المواعين الإيرادية بجانب القبلية التي أصبحت أهم معوقات المشاريع التنموية بالبلاد بعد أن مثلت القبلية المستشرية عائقا كبيرا في ت?دم السودان في ظل إفرازها لعناصر غير مؤهلة خصمت كثيراً من السياسة للقراءة المتكاملة بحال البلاد مما خلق بؤرة ضغط وأسهمت إسهاماً كبيراً في مشاكل السودان مثل إقليم دارفور عبر الصراع بين القبائل العربية وغير العربية التي كرست له الجهوية والاسقاطات في حالة التعيين القبلي لتقوي مراكز النفوذ وتنعدم المحاسبة مما يؤدي لمزيد من الفساد والضغط على الحكومة. واستبعد الشيخ إنصياعه للقبلية والضغوطات السياسية لأنها لن تحقق العدالة وقال إن حكومته لن تترك مساحة للقبلية ولن تراهن على إنفاذ المشاريع التنموية عبر الاستقطاب السي?سي والقبلي. ودعا الشيخ خلال خطاب في البرلمان القوى السياسية إلى ضرورة التوافق الوطني عبر الحوار العريض لأن السودان يعاني من عدة أزمات مشيراً إلى أن الوضع السياسي والتغيرات في ولايته مرهون باشراك الأمة والاتحادي عبر الحوار الدائر في المركز وأشار الشيخ إلى ضرورة اقتلاع الجهوية والقبلية داخل السودان من جذورها . يقول أستاذ الإعلام بجامعة الجزيرة مهند علي محمد نور إن هنالك عدد من المؤشرات المزعجة لتيارات جهوية وقبلية تنامت داخل الحزب الحاكم بالسودان والولاية أثرت بشكل كبير على أدائه وتماسكه تظهر هذه المؤشرات في أوقات الصراع الداخلي لمؤسسات الحزب عبر الشد والجذب في التسابق نحو المواقع والمناصب وأهمها ظهور كيانات جهوية وقبلية مشيراً إلى أن تمكين مجموعات سكانية بعينها في الجهازين التشريعي والتنفيذي يعود إلى رغبة عدد من كوادر الحزب في الترقي والوصول إلى مواقع إتخاذ القرار باستغلال قواعد جماهيرية حقيقية أو مصطنعة في الو?ول إلى المواقع والتمتع بالمخصصات المالية والدستورية ليتبع ذلك الانحياز للمجموعات التي صعدت عبر المسئول للسلطة دون عامة الناس ويعتبر هذا إهداراً للأمانة وخيانة عظمى للحزب الذي ينبني على أفكار ومبادئ أتفق حولها يجب أتباعها وأشار مهند إلى أن حديث كرم الله عبر البرلمان يمثل انتباهة متأخرة لمفاصل الدولة والحزب لمشكلة قديمة استفحلت ويمكن السيطرة عليها ومعالجتها بالنظر والتدقيق في قيادات الحزب الحالية بالمركز والولايات عبر اتباع المعايير الموضوعية والضرورية في شغل المناصب الدستورية والقيادية ويعزو أستاذ الإعلام ?فشي الجهوية والقبلية بإحساس بعض القيادات والمسئولين بالغبن والظلم واللجوء للتعبير في كثير من الأحيان عبر السلاح والخروج عن الدولة لتصبح دار فور وجنوب السودان عنواناً بارزاً لها ولم يسلم الشرق من داء القبلية بيد أن اتفاقية السلام التي سعت لمعالجة الداء أفرزت في بعض الأحيان قيادات ضعيفة وغير مؤهلة بعيدة عن قضايا الجماهير ويرى نور بأن معالجة داء الجهوية والقبلية يأتي عبر تعزيز الانتماء القومي عبر المناهج الدراسية ووسائل الإعلام والعمل على التوازن في اختيار المناصب القيادية والسيادية في توسيع دائرة الحوار وال?ورى داخل الحزب. الكاتب الصحفي الفاتح عبد الله داود يرد استشراء ظاهرة الجهوية والعرقية بالسودان لجذور تاريخية تعود إلى ضعف بنية الدولة السودانية منذ فجر الاستقلال لغياب الرؤية وسط الكيانات السياسية وانعدام البرنامج الواضح لبناء السودان ما بعد الاستقلال مما أدى للصراع حول المغانم والمناصب وأهملت الأطراف نتيجة المركز القابضة مما أدى الى بروز الكيانات الجهوبة ممثلة في جبهة نهضة دار فور ومؤتمر البجا حديثاً بجانب كياني الغرب والشمال وأبان داود بان بعض العوامل الثقافية لم تُراعَ فيها السياسات الإعلامية والتربوية وقضية التنوع وا?تعدد في الثراء الذي يزخر به السودان وزاد بأن الجهوية ذهبت إلى الاقتصاد عبر المظالم التنموية التي أصابت الأطراف بغبن تجاه المركز والسلوك السياسي للنخبة الحاكمة في الخرطوم وزاد داود بان المحاصصة القبلية اعتلت المشهد السياسي بقوة عبر الاتفاقات الأخيرة التي وقعتها الحكومة شرقاً وغرباً مع الحركات المسلحة في ظل أطماع النخب السياسية التي كثيراً ما تلجأ لتوظيف قبائلها لتحقق طموحاتها السياسية في الحكم مما أدى بصورة مؤسفة إلى غياب وإنعدام اللعب السياسي النظيف مما أدى إلى لجوء الساسة للإنتهازية وممارسة النفاق بأبشع ص?ره ودعا داود الى ضرورة تجاوز هذه المعضلة بمبدأ إعمال الكفاءة وبناء دولة المؤسسات وحكم القانون والعدالة والمساواة والشفافية بين مختلف مكونات الوطن. المحلل السياسي محمد المعتصم أحمد موسى اتفق مع ما ذهب إليه كرم الله في تشخيص الحالة الراهنة لتنامي دائرة الجهوية والقبيلة على المستوى القومي وهي ترقد مجاورة تماماً لهذه النتيجة في ظل الاتجاه لا يقل أهمية وهي قيام الوطنية في الحياة كقيمة مركزية في كل مجتمع وقيمة حديثة بملاحظة وقراءة الواقع يرى المعتصم أن القطبين المكونين للوطنيين هما الوطن المواطنة فقد ضربا في مخيلته المواطن العادي عندما شعر بضياع الوطن والمواطنة التي ما عادت تلبي حاجته وتوفر له حقوقه التي بدأت أمامه كأنها حبر على ورق تأتي في الحقوق الأساسية?للمواطن من المأكل والكساء والدواء الذي أصبح الحصول عليه عسيراً ليكون البحث طبيعياً للإنسان عن قوى تحميه فلا يجد إلا ذوي القربي والقريب في الدم هو القبيلة وفي الجغرافيا الجهة والمنطقة وقد فسر المعتصم هذه الظاهرة بأنها مؤشر لتفكك أواصر الدولة وتحويلها إلى دويلات صغيرة هي دولة القبلية صغرت أم كبرت ويعتبر هذا أمراً مؤسفاً للغاية بعد أن قطع السودان شوطاً كبيراً عبر قرنين في بناء دولته. ولعل كرم الله انتبه في حربه على القبلية التي اعلنها من منصة المجلس التشريعي للمخاطر التي قد تؤدي اليها ان تمادى الناس فيها ويتجلى ذلك في محاولته اعمال المؤسسية حين تحدث عن أن التشكيل القادم للوزارة يأتي في سرية تامة عبر مؤسسات الحزب والحكومة بعد تقييم الأداء في الجهازين التنفيذي والسياسي وقطع بأن التغيير لن يكون عبر هوىً شخصي بل عبر عمل مؤسسي لتحقيق العدالة والتنمية.