تبدو اعادة قراءة التاريخ - المدخل الصحيح لبيان كل جوانب «الحدث».. دون ذلك تكون الوقائع متيسرة.. ومنحازة.. فلا يكون الأمر تاريخاً.. بقدر ما يكون انطباعاً... من محاور الجمعية السودانية لاعادة قراءة التاريخ (1) الصراع داخل مجلس الثورة ٭ يتداعى صراع (سلطة مايو) مع (الشيوعيين) ويسافر - كمان إلى (المانياالشرقية) حيث كان (الزين) يمثل السودان في مؤتمر (الحزب الاشتراكي الألماني) الموحد، فقد اعترض على تمثيل الحزب الشيوعي ووجد الاعتراض قبولاً على «طريقة غض الطرف» لو جلس البعض من عضويته دون لافتة (كان سفير السودان وقتها حسان محمد الأمين).. ونسأله عن تفاصيل الواقعة كما حدثت، ويورد (الزين) ان خطابه نال 13 (صفقة) في الوقت الذي نال خطاب (برجنيف) رئيس الاتحاد السوفيتي أكثر من 40 (صفقة).. ونال ما بعدهم (4 صفقات) فقط.. والملاحظ أن أذن (الزين) وصلتها (?علومات طاشة).. خلال وجوده هناك بين الأول والرابع من يوليو 1971 عن احتمالات تحرك عسكري في السودان ويؤكد على ذلك بلقائه بالكادر الشيوعي (ابراهيم زكريا) و(شيوعيي (لا يبزج) من طلاب (السودان) كما أن الطلاب المايويين هناك حذروه: مايو في خطر، ولم ير فيه ذلك الخطر فكان عنده حديث ليل يمحوه النهار لأنه بلا دليل.. ص35. ٭ في طريق عودته للخرطوم عن طريق القاهرة (14 يوليو 1971)، وجد في السفارة تكاليف من الخارجية بتمثيل الرئيس في قمة طرابلس التي انعقدت في (مرسى مطروح) في (17 يوليو 1971) وشارك فيها كل من أنور السادات وحافظ الأسد ومعمر القذافي، وطالب هذا الأخير - في عنف واضح - بضرورة غزو المغرب واغتيال الملك الحسن الثاني، وتكوين جيش مشترك من (دول ميثاق طرابلس) للقيام بهذه المهمة ولم يتردد (الزين) في الرد على القذافي بأن ذلك توريط لا معنى له ووصفه بالجهل، وهو ما أراح أنور السادات. (2) مظاهر الانقلاب ٭ حين عودة (الزين) للخرطوم في تمام الثالثة والربع عصراً، استقبله كل من أبو القاسم محمد ابراهيم وأبو القاسم هاشم ومأمون عوض أبوزيد وانطلقوا من هناك لمنزل نميري، في القوات المسلحة - حسب توجيهه - لتقديم تقرير مفصل ولفت نظرهم أن (حرس منزل الرئيس) يقفان في مواجهة البوابة.. وهو أمر صعب التصور أمنياً وعسكرياً، وحين نبههما (مأمون عوض أبوزيد) لذلك، استجابا في يسر - وحين دخلوا على نميري في غرفة النوم - وأثناء سلامي عليه (بالحضن) دخل 15 جندياً من (البوليس الحربي) و(المظلات) و(المدرعات) حسب لون قبعاتهم، وأمرونا برفع ا?أيدي ووضعت البنادق على ظهر كل منا. ٭ دار حديث سريع بين نميري وملازم كان يقود الجنود.. تأكدوا فيه بأن الانقلاب شيوعي فقد استغرب (الملازم) فصل (بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمد الله) وساقوا نميري للخارج (حافياً) في عربة (5 طن) ونقلنا بعربات لاندروڤر. ٭ توجهت العربات نحو (القصر الجمهوري) وفي البوابة الرئيسة وجدنا (سعد بحر) مرفوع اليدين محضوراً (وملازما كان من الانقلابيين يتمشى في هدوء ظاهر). وزعونا على الغرف الخالية وأغلقوا الأبواب من الداخل والخارج وفي منتصف الليل دخل الرائد هاشم العطا ومعه بعض الجنود وبعد أن تبادلنا التحايا خاطب (الزين) قائلاً: «غيرتكم السلطة وفقدتم أصالتكم القديمة التي عرفناكم بها منذ أن كنا ملازمين وتقوقعتم في برج عاجي وانعزلتم عن الجماهير وخيل إليكم أن لا أحد قبلكم ولا أحد بعدكم.. وما يؤكد عزلتكم عن الجيش والشعب أننا استلمنا السلطة?منكم في خمس وأربعين دقيقة!!». ٭ رد (الزين) على هاشم العطا قائلاً: هذه الدقائق هي الشوط الأول ولكل مباراة كرة قدم شوطين.. فلقد نجحتم في كسب الشوط الثاني.. فندعوا الله أن يوفقكم في حكم البلاد بما يصون وحدتها.. وإياك أن يقتل العسكري السوداني أخاه العسكري السوداني في الشوط الثاني لأن ذلك لم يحدث من أيام (عبود) ضد (علي حامد ومجموعته). ٭ كان رد (هاشم) موجزاً: (أنت واهم). ٭ عرف أن هاشم مضى إلى كل من (نميري وأبو القاسم محمد ابراهيم ومأمون عوض أبوزيد). لكنهم رفضوا التحدث إليه!! وكان من غرائب الأمور أن يؤيد (معاوية ابراهيم سورج) الانقلاب الشيوعي.. ويبارك (ثورة التصحيح) ص38، وكانت مذكرة تأييده قد وصلت للرائد محمد أحمد الزين أحد أعضاء مجلس قيادة انقلاب يوليو 1971. وحين كان في طريقه (للاعلام) سلمها لأحد الجنود الذي قام بدوره بتسليمها (لمأمون عوض أبوزيد) - وعلى رغم حرج شخصي - وقع فيه (مأمون) إلا أنه اطلع مجلس قيادة ثورة مايو عليها.. ولم ينكر (معاوية) حين واجهناه بالأمر فاعترف موضح?ً أنه أكثر الناس معرفة بطريقتهم ولم يكن لديه مخرج غير ذلك ص38. (3) عودة نميري ٭ بعد ظهر (22 يوليو 1971) سمعنا صوت أزير الرصاص ومدافع الدبابات فقد تحرك صف الضباط من الذين كانوا معنا في (خور عمر)، بعدأن استعادوا «ابر» الدبابات. يصف (الزين) التحرك كما يلي: - قادوا (المدرعات) من معسكر الشجرة، انطلقت أول دانة من دبابة (الملازم عبد الله خير الله) والرقيب أول (حماد الأحيمر) واشترك هذا الأخير في محاولة انقلاب حسن حسين عام 1975 (ابن حماد الأحيمر.. بماذا يشهد؟! وقد ضربت هذه الدبابة (من كوبري الحرية) (القصر) الذي اهتزت جوانبه. تواصل صوت (الجبخانة) مكثفاً وبدأ (الحرس الجمهوري) في الرد عليه. ٭ سمع (الزين) في حوالي الخامسة والنصف طرقاً على باب الغرفة التي كان محتجزاً فيها، ولما فتحوا باب الغرفة عنوة رأي (الزين) بعض جنود من المظلات يقودهم (النقيب علي محمد محمود).. وكانوا في حالة انفعال شديد.. ووجههم بعدها بضرورة أن نجد مخرجاً (من النيران الكثيفة) وتداعت الأحداث بعد ذلك سريعة متلاحقة. ٭ في حديقة القصر عدد من الدبابات فيها (الرائد الرشيد نور الدين) و(الرائد يعقوب اسماعيل) وأطقم من المظلات والمدرعات معهم (أبو القاسم هاشم) و(أبو القاسم محمد ابراهيم) ركب (الزين) معهم وانطلقوا نحو (الشجرة) وكان (نميري) قد خرج من غرفته أيضاً بمعية (حارسه) وذهب لرئاسة الجيش ومن هناك إلى (الشجرة). ٭ يرى (الزين) أن ظروف هزيمة الانقلاب قد تأكدت من: - ارغام (القذافي) طائرة (الخطوط الجوية البريطانية) على النزول في (طرابلس) واعتقال كل من بابكر النور وفاروق حمد الله. - احتراق (الطائرة العراقية) التي كانت تحمل وفداً عسكرياً للانقلاب في جدة. - تحرك (الدبابات في الداخل) لمقاومة (جيوب الانقلاب) بعنف. - عدم استجابة الشارع السوداني لنداءات (هاشم العطا) بالخروج. في هذا المناخ نفذت مذبحة (بيت الضيافة) - ويؤكد (الزين) أن التحريات قد أشارت إلى أن (المقدم عثمان حسين أبو شيبة) هو الذي قام بالتوجيه بذلك ص39، وكان (للحدث) حزن عاصف على نفوسنا، وما أحزننا أننا لم نكن نشك (اطلاقاً) في (المقدم عثمان حاج حسين). وكان عندهم من أهم كوادر ودعامات ثورة مايو. والغريب أن الوحيد الذي كان يساوره الشك فيه هو (أحمد سليمان المحامي). والغريب أن (نميري) قد اختاره شخصياً (قائداً للحرس الجمهوري) الملكف بحمايته - وتحول الحرس الجمهوري - في خلال هذه الثقة إلى (قوة ضاربة) ولم نكن نفكر في أن (عبد?الخالق محجوب) - حين - هُرب - كان يرقد مطمئناً داخل القصر الجمهوري ص40. يثبت (الزين) أنه وقبل عودته من القاهرة يوم وقوع الانقلاب، كان (أبو القاسم محمد ابراهيم ومأمون عوض أبوزيد) يتناولان الغداء في منزل المقدم عبد المنعم محمد أحمد (الهاموش) ومعهم (أبو شيبة) وكان (نميري) قد اتصل بهم موجها اصطحابهم لي حال عودتي وكان غريباً أن يعتذر كل من (أبو شيبة وعبد المنعم) ويخرجا من المنزل بحجة (مشوار) عاجل، كان ذلك تحديداً في تمام (الثانية والنصف ظهراً) في حين خرج أبو القاسم محمد ابراهيم ومأمون عوض أبوزيد ليستقبلا (الزين) في المطار!! (4) ٭ في (الشجرة)، وعند محاكمة (أبو شيبة)، فقد (نميري) أعصابه، فضربه بيده (بونية) وأطبق عليه يكاد يقتله بيديه وهو يصيح: تقتل (أورنش)، تقتل (عيد المبارك)، تقتل (حمودي)!! وكنا قد فقدنا في المجزرة أعزاء كثر. ٭ جئ (بالملازم أول محمد جبارة) وكان (الزين) يجلس إلى جانب (نميري) في مكتب (قائد سلاح المدرعات)، وكان الملازم مقيداً وفي حراسة الملازم (محمد ابراهيم محمد سعد).. هل تذكرونه في أول الدراسة.. وحين كان (نميري) يوجه إليه الحديث.. حاول أن يخطف مدفع الكلاشنكوف من الحرس.. ليوجهه إلينا.. لولا أن عاجله (محمد ابراهيم) بضربة على رإسه بمؤخرة سلاحه. ٭ انتهت (أحداث يوليو 1971) إلى النتائج الآتية:- - ضرب اليسار الماركسي في القوات المسلحة. - الحذر السياسي والعسكري (تغيير المعادلة السياسية). ٭ رأى (الزين) ضرورة دراسة مضمون (بيان انقلاب 19 يوليو) كإجراء تصحيحي ولكن الأمر رفض بسبب الجو المشحون بالغضب. ٭ يسجل (الزين) حزنه على رفاق الأمس في نبل: «كان الأمر قاسياً عليَّ للغاية على الصعيد الشخصي وكان من الناحية العاطفية فوق قدرتي على الاحتمال والاستقبال والمواجهة». - كانت (للأحداث) أثرها البالغ - على (شخصية نميري) - فقد طرح (بابكر عوض الله) فكرة (الاستفتاء) على (رئاسة الجمهورية) وكان الذي يترتب على ذلك هو حل (مجلس قيادة الثورة)، وقد رفض (الزين) ذلك وهو مسجل في مضابط (مجلس قيادة الثورة) ويسجل وكأنه يقرأ المستقبل «ان حكم الفرد غير مضمون العواقب فالفرد قد يصمد أمام العواطف لسنة أو حتى خمس سنين ولكن لابد له في النهاية من أن ينهار أو أن يتمسك» وأضاف «انه حتى لو قررتم في النهاية اسناد السلطة لرئيس الجمهورية فليستمر (مجلس الثورة) كسلطة رقابية على أدائه للمسؤوليات على أن تكو? رئاسته دورية كل منا لمدة سنة» أو سنتين ص42. ٭ حين سافر (الزين) إلى (كسلا) لتحضير للاستفتاء (سبتمبر 1971) نشرت احدى الصحف (الأمر الجمهوري الخامس).. وكان من ضمن نصوصه (حل مجلس الثورة فور اعلان الاستفتاء)، وحينها عدت على الفور إلى (الخرطوم) وذهبت (لنميري) لأقول له (نحن لم نتفق على ذلك). وكانت تلك بداية مرحلة مختلفة في علاقتي مع (نميري). (5) حل مجلس قيادة الثورة: نزع الاسبلايت الحمراء.. بداية نميري آخر ٭ أعلنت نتيجة الاستفتاء، فجرت مراسم أداء القسم (لأول رئيس جمهورية) بمباني مجلس الشعب القديم بالخرطوم (12 أكتوبر 1971). وبعد أداء القسم ذهبنا (أعضاء مجلس قيادة الثورة) لمكتب (الرشيد الطاهر). وكنا نلبس (الاسبلايت الحمراء مع علامات الرتب العسكرية) وقبل أن يشربوا ما طلب لهم من مرطبات ونادى (نميري) مدير مكتبه (الرائد عمر محمد علي محكر) واتجه نحونا ليقول:- - يا اخوانا اقلعوا (الاسبلايت الحمراء) وسلموها (للرائد محكر): المسؤولية أصبحت مسؤوليتي.. هذه جمهورية وأنا رئيسها. نحدث دون خجل أو تردد. ولم نتمالك أنفسنا فذرفنا الدموع.. تأثراً فلم يكن أمامنا (جعفر نميري) الذي نعرفه.. كان شخصاً جديداً، وكان حل المجلس قراراً فردياً - فتح الطريق - فيما بعد (الحكم الفرد) ويسجل (الزين) «كنت أعرف جيداً قدرة (نميري) على التحول من موقف لآخر اذا لم يجد من يقول له أو يكبح جماحه». والذي أحزننا أكثر.. هو توجيه (نميري) لمدير مكتبه (محكر) بأن يضع (الاسبلايت الحمراء) في دار الوثائق المركزية أو في المتحف القومي.. يعني نمشي المتحف!! يثبت (الزين) في صور ذلك التحول في (شخصية نميري) محللاً عقب رحلة واحدة للتبشير بمبادئ مايو (في سبتمبر 1969) وبين (الأبيض) و(مدني) قرأ (نميري) خطابين تناقضا موضوعاً ومضموناً كتب الأول بلغة مبينة (الدكتور منصور خالد) وكتب الثاني (الأستاذ فاروق أبو عيسى).. وكان الأخير رداً في الواقع على بعض ما خطه بيان (منصور خالد) وقرأه (نميري) وحين عدنا (للخرطوم) وفي غداء دعا له (نميري) لتقييم الرحلة، واجهنا (نميري) بهذا التناقض في الخطاب السياسي. غضب (نميري) غضباً شديداً وترك الطعام واتجه إلى غرفته وقفل على نفسه «الباب من ا?داخل» وقد فوجئ الجميع بذلك وكان رده أن الاجتماع انتهى بكلام (زين العابدين) وباصرار (الاخوة) خرج (نميري) من غرفته ورفضت الاعتذار له - كما طلب البعض - ورأى (الزين) أن المسألة تتعلق بالمبادئ. ولقد عنى كل ذلك أننا أمام كارثة سوف يصنعها (نميري). ٭ في كل الأحوال صرنا ضباطا في المعاش، وتم تعييني رقيباً عاما OMBUDSMAN ومساعد الرئيس للقطاع الاقتصادي ويثبت (الزين) حقيقة كبرى «منذ لحظة أداء القسم التف ذوو المصالح والمتملقون والمنافقون حول (جعفر نميري) وبدأ بما يملكون.. في ابعاده عنا وابعادنا عنه وعملت الأيدي الخفية على أن يكون (نميري) محاصراً دائماً.. وأصبحت مكاتبه أبراجاً عاجية وتحول بيته لثكنة عسكرية.. ونستعرض في العدد القادم إن شاء الله التطورات الأخرى