يعمل (محمد شمو) في واحدة من أكبر شركات الكمبيوتر الأمريكية بولاية كاليفورنيا. لم يكن محمد مجرد موظف عادي، بل ترقى في شركته حتى صار يعرف عن خبايا وظيفته الكثير، وصار يمثل شركته في كثير من الاجتماعات. كانت بعض من هذه الاجتماعات داخل الحدود الأمريكية لكن كانت كثير منها خارجها، وصار يضع بعضاً من ملابسه وأوراقه الرسمية في شنطة سفر صغيرة ويهرع إلى المطار عدة مرات في السنة. لم يكن السفر في حد ذاته معضلة تواجه محمد، فهو واثق من نفسه، من عمله ومن إمكانياته على مناقشة وضع شركته كيفما يليق بها. لكن كانت رحلة العودة ودقائق الوقوف في المطار لدخول الولاياتالمتحدة هي ما يثير قلقه. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغيرت الكثير من الإجراءات الأمنية. بعض من هذه الإجراءات كان يتضمن بحث تاريخه وسجله، فحص شنطته وجوازه، ثم تطور الأمر. لقد صار ضباط الأمن في المطار يبحثون حتى جهاز كمبيوتره الذي يحمله. لم يكن بالجهاز شيء غير عادي، تقارير للشركة عن الرحلة، رسائل إليكترونية بعض منها تخص عمله وأخرى شخصية، ثم كانت هنالك ما أثار انتباه ضباط المطار، صور من القرآن الكريم وآيات تتلى. كان التوتر على أشده وبدأت الشبهات تحول حول محمد، بداية إسمه، ثم جنسيته السودانية والمصنفة على أنها راعية للإرهاب ثم آيات من القرآن.. يا لها من أدلة دامغة على تطرف الإنسان. وبعد ساعات تفتيش طويلة، لم يجد ضباط الأمن بدا من ترك محمد يدخل إلى الولاياتالمتحدة، لكن الحادثة نفسها صارت تكرر نفسها بصورة غير معقولة. وصار محمد، في محاولة لتلاقي ساعات التفتيش، يمسح من جهازه كل الصور سواء الشخصية أو القرآنية.. لكنه لم يكتف بكل هذا. فلقد قص محمد تجربته لواحدة من القنوات الأمريكية (اي بي سي)، ووجد أنه ليس وحيدا. بل بدأ يثور حوار حول أحقية الضباط في تفتيش الأجهزة الإليكترونية لكل مسافر وبدون أية شبهة. ولفت النقاش إنتباه نائب مجلس الشيوخ الأمريكي (أليوت أنجل) الذي قرر أن يقوم بكتابة مسودة تمنع ضباط التفتيش في المطار من فتح الأجهزة الإليكترونية للمسافرين بدون شكوك قوية مسبقة. وسيقوم النائب بتقديم مسودته أمام بقية النواب حتى يقومون بالتصويت عليها ليصير قانونا بالولاياتالمتحدة كلها. لقد كان من الممكن لمحمد أن يحني رأسه في كل مرة يواجهه فيها (كتاحة) التفتيش القاسية. كان من الممكن أن يخضع لنظرات الاتهام التي تحاصره في كل مرة يحمل فيها اسمه وإرثه وديانته ويلج إلى مكان إقامته. كان من الممكن أيضا أن يحاول تلافي إثارة زوبعة على قضية تفتيشه هذه فهو ليس أمريكي الأصل، لكن محمد رفض أن يكون مواطناً درجة ثانية حتى في بلاد ليست هي بلاده الأصلية بل قرر أن يقف لكرامته ويواجه جلادي التفتيش في المطار بصورة قانونية واثقة. إن من حق كل إنسان أن يحتل مرتبة المواطنة الأولى، خاصة في بلاده الأصلية فهذا حق وليس هبة تعطيها الدولة. وربما بهذا الإيمان وحده يمكن للإنسان أن يواجه المظالم ويحسن من أوضاع معيشته ومواطنته.