هناك نكتة مصرية قديمة سبق وتعرضنا لها ولكن المناسبة تتطلب استعادتها . ذهبت السيدة المصرية إلى المقابر أو «القرافة» كما يسميها المصريون للترحم على زوجها في قبره ، وهناك وجدت مقرئا كفيفا ممن يتكسبون من قراءة القرآن على أرواح الموتى فدخلت معه في جدل حول «تسعيرة» تلاوة بعض الآيات على روح زوجها ، فكان المقرئ يصر على جنيه بينما تمسكت المرأة بربع جنيه ، وبعد أن أنهكت الرجل بفصالها قبل على مضض سعرها ، ولكنه راح يتلو القرآن على قبر زوجها وهو يتخير كل آيات الوعيد والعذاب والسعير الذي ينتظر الكفار والعصاة في الآخرة ?صاحت فيه المرأة في هلع : «ايه ده ياعم ... مافيش حاجة أحسن من كده ؟» ، ولكن المقرئ الكفيف رد عليها ببرود قائلاً : «ماهو على أد فلوسك يا ست». هذا الرجل الذي سعّر أيات الله وراح يتكسب منها ويبيع فيها وفق قوانين العرض والطلب شأنه يماثل «فتوجية» السلطة الذين يتطوعون بتقديم الفتوى الدينية للسلطة بشكل يتوافق والمزاج السياسي لأنظمة الحكم . كتاب الله بين أيديهم يغضب لغضب السلطة ويبطش لبطشها ويرضى لرضاها ويشرّع لشرعها ولتوجهاتها السياسية . «فتوجية» لا يجهدون أنفسهم لإلتماس الفتوى الشرعية طالما كان الأمر يتعلق بضيق عيش العوام من الناس ، والذي ما ضاق إلا بالممارسات الفاسدة والبطش غير الرحيم بأقوات الناس وأسباب حياتهم . «فتوجية» لا يلتمسون الفتوى الشرعية و?م يرون أصحاب الجاه والسلطان ينعمون بالقصور الباذخة والمخصصات المترفة والسيارات الحكومية الفارهة مثنى وثلاث ورباع بينما بعض الطالبات الجامعيات يرتدن «الكوش» لتناول طعامهن، وأخريات يغسلن ويكوين بالدستة في مقابل توفير معاشهن ونفقات دراستهن . «فتوجية» لا تؤرق وجدانهم الديني عذابات البسطاء الذين يُفزعون كل صباح بطرقات الجبايات الحادة على أبواب بيوتهم المستأجرة .. من نفايات وفواتير مياه وعوائد ورسوم مدارس بعد أن أطفأوا حتى وميض أرواحهم ليرشدوا فواتير الكهرباء ، وبعد أن نسى أطفالهم طعم حليب الصباحات الباكرة ونسو? حتى لونه . «فتوجية» لا يضيرهم حال المرضى الذين باتوا يتشهون الموت بعد أن عزّت عليهم جرعة الدواء وراحت مستشفيات الحكومة تبيعهم حتى القطن والشاش بينما المستشفيات الخاصة تعلق على مداخلها لافتات أنيقة تقول : «عفواً .. الفقراء يمتنعون» . «فتوجية» السلطة لا يعنيهم كل هؤلاء فمصالحهم وقلوبهم وأبصارهم وأفئدتهم معلقة بقصور وعروش السلطة .. فتاواهم تميل أينما مال ريح السلطة. إن الحديث الذي تناثر على صفحات الصحف ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك حول جواز شراء الأضحية بالدين أو التقسيط هو محاولة إسناد «فقهي» للحكومة وهى تحاول التنصل من تبعة الإنهيار الإقتصادي الذي أقر به وزير الخارجية ونفاه وزير المالية واكتوى بضرام نيرانه الفقراء وهم غالب هذا الشعب الصابر المحتسب ، وكأن من تجرأ بتلك الفتوى يريد تعزيز الخطاب الإعلامي الرسمي بأن الاقتصاد بخير وأن غلاء الحياة وغلاء الخراف واللحوم لم يكن بسبب الحروب السياسية في مناطق الإنتاج ولا بسبب الجبايات الولائية والمركزية ، فالأمر كله في نظ? الحكومة يعود لجشع التجار بينما المنطق البسيط يقول أن التاجر هو أول من يتأذى من مناخ الركود والكساد الذي ينجم من غلاء الأسعار . ويبقى السؤال المنطقي : إن كان السواد الأعظم من الناس لا يملك قيمة بضعة جرامات من اللحم فكيف السبيل حتى للإستدانة التي جوّزتها الفتوى وممن يستدينون؟!