مهنة الطب من أشرف وأنبل المهن التي عرفها التاريخ، والكل يعلم ان شعار أهل الطب ان لم تكن سماعة الاذن فهو المعطف (الروب) الناصع البياض.. والذي هو دليل النقاء والحيادية في علاج المريض أي كان وأين كان وكيف كان. هذا الروب الأبيض اليوم تتقاذفه كثيراً من المخاطر.. فالناظر أمام كليات الطب والعلوم يرى بعضاً من الطلبة والطالبات هناك لا يلقون بالاً لهذا الشعار العنوان ويرمونه بأقبح الاساءات... فالروب اليوم ليس في أروقة الدرس ومعامل الجامعات.. هو اليوم في الشوارع، وفي المواصلات، وفي عتبات مداخل الجامعة وعلى الأرض وفوق صندوق البارد، في الدكان أثناء (البوش)... كما أصبح الكثير من الطلبة لا يكترث للبس الروب حتى أثناء (الونسات) داخل الركشات وعربات النقل المتوقفة أمام الكليات.. أو حتى لشكل الروب وهو على الاعناق أو فوق الأكتاف في لحظات التسكع وأكل التسالي والايسكريم عند مشارف المحلات. والمصيبة طالت حتى شكل الروب في حد ذاته.. فأصبحت الموضة تتقاذفه هنا وهناك. فمرة مخصر، وتارة مقصر ومقطع الأيدي من الأكتاف وأخرى مشوه باكسسوارات لا تمت له بأي صلة. وبالأمس فقط صادفت في احد المرافق الطبية في وسط البلد.. روباً مقطوع الأيدي خصراً مقصراً وبحزام (بفاروظة) فضية كبيرة على شكل مربع مزركش وازرار مكبوسة بقماش أبيض.. ألا تتفقون معي أيها السادة بأن قيمة الروب الأبيض مثل السارية والفنار للمريض الغريق في بحر الألم. فيه يلوح الأمل بحضور من جاء للانقاذ، وفيه الأمل لرفع الداء وازالة الأوجاع.. فكل مريض وأهله يدركون هذه الحقيقة ويسرعون إلى أول روب أبيض يصادفهم في المشفى ليطلبوا المساعدة العاجلة دون سابق معرفة بمن يرتديه... لأن هذا الشعار لا يرتديه إلا صاحب مهنة جليلة منقذ للحياة محافظاً عليها. فهو شعار الطبيب المداوي وعنوان الرحمة والمساعدة. فكيف بهذا الارث المهني العظيم وهذه القيمة السامية للطبيب والممرض بأن يساء.. ومن بعض طلاب المهنة نفسها؟؟ فالكليات الطبية وعلى اختلافها ولها كل الاحترام والتقدير تقوم بتدريس المواد العلمية باحترافية مشهود بها.. ولكن أشك في وجود مادة تسمى السلوك المهني.. كما في المعاهد التقنية والفنية مثلاً. ووجود مثل هذه المادة في المنهج تلجم بعض ما تفلت من بعض البيوت والمدارس وجال وصال بين القنوات وفي عقول بعض شباب اليوم في هذا العصر المحير.. فإن كان لا بد مما ليس منه بد.. فأقول ومن باب حفظ هذا الارث الغالي من الضياع والاندثار من على الطرقات.. بأن يدرس المسؤولون وأولياء الأمر وعلى رأسهم وزير الصحة.. بتحويل لون روب طالبات الكليات العلمية للون الزهري مثلاً على أن يكون لون روب الطلاب هو اللون الأزرق أو الأخضر الفاتح... وليس الأبيض الناصع شعار الطبيب المحترف والممرض المسؤول. وأصدقكم القول بأنه عندها قد لا ترون أي روب يتحرك إلا داخل غرف الدرس ومعامل الكليات. وعندها تصل رسالة الجامعة والكلية المقصودة من هذا المعطف ولكن بلون آخر.. يدعمها في ذلك منهج جديد للسلوك المهني ليذكر الطالب بمعنى المهنية والمحافظة عليها وعلى ارثها وشكلها واحترامها. وبهذا يصبح لبس الروب الأبيض مقدساً حتى على الطلبة أنفسهم فيعرفون قيمته ويسعون للبسه بالاجتهاد والاستذكار والنجاح.. وعندها سوف نترك الروب الأبيض لرجل وامرأة المهام الصعبة في المستشفيات وعند تطبيب المريض واسعاف المحتاج.. فثقة المريض في من يلبس هذا الشعار جزء من العلاج على حد ضآلة علمي بالطب النفسي فللنترك الروب الأبيض لليوم الأسود شفى الله كل مريض.. وأدام علينا وإياكم نعمة الصحة والعافية. * مدير موارد بشرية [email protected]