عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في ابريل 2010 ،دعا حزب المؤتمر الوطني الحاكم، القوى السياسية إلى مشاركته السلطة لكنه رهن ذلك بقبول برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري؛ لأنه يرى أنه حصل على تفويض شعبي عريض ببرنامج ينبغي أن يكون قبوله شرطا، وأنه لن يخون من ساندوه بترك البرنامج الذي انحازوا إليه،وتبني برنامج جديد،ولم تقبل القوى المعارضة واعتبرتها دعوة "مراكبية"،إذ أن مشاركتها وفق برنامج الحزب الحاكم تعني التحاقا بالسلطة وليست مشاركة في صنع القرار وتحمل المسؤولية، خصوصا أن المؤت?ر الوطني يمسك بمفاصل السلطة ولا يريد تقديم تنازلات لأي شريك إلا أن يكون مستأنسا ووديعا يرضى بما يمنح من كيكة السلطة،وتمسك المعارضون بحكومة قومية لفترة محددة تنتهي مهمتها بمعالجة ملفات، وصياغة دستور للبلاد. دوام الحال من المحال، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر ..فقدت البلاد جزءا عزيزا من أرضها وسكانها ومواردها بانفصال الجنوب في يوليو الماضي،ووقعت متغيرات سياسية وأمنية واقتصادية، وباتت البلاد تواجه تعقيدات ألقت بظلال كثيفة على الواقع،من إحباط الانفصال إلى لسعات الاقتصاد،وحرب جنوب كردفان، والنيل الأزرق وتداعياتها. قيادة المؤتمر الوطني أبدت مرونة هذه المرة، ودعت إلى حكومة ذات قاعدة عريضة وعرضت نصف مقاعد مجلس الوزراء على معارضيها. حزبا الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي دخلا في حوار مع المؤتمر الوطني قطع شوطا بالاتفاق على أكثر من 80 في المئة من الملفات،بينما حدد حزبا المؤتمر الشعبي والشيوعي موقفا مبكرا بعدم الرغبة في المشاركة،وبعد جولات سرية وعلنية لحق بهما حزب الأمة وغادر زعيمه الصادق المهدي إلى القاهرة في طريقه إلى واشنطن لتسويق "الأجندة الوطنية". أما الحزب الاتحادي فكان الأقرب إلى المشاركة بعد تسريبات عن تفاصيل بشأن المحاصصة رغم نفي الطرفين،وما حمل على الاعتقاد أن الحزب اقترب من الاتفاق مع المؤتمر الوطني، تأجيل تشكيل الحكومة غير ما مرة وتزايد وتيرة الاتصالات بينهما ومنح المكتب القيادي للحزب الحاكم مفاوضيه فرصة لاستكمال مشاورات مع الاتحاديين. ولكن حديث الرئيس عمر البشير إلى الزميل محمد لطيف رئيس تحرير "الأخبار" نشر الأثنين الماضي كشف أن محادثات حزبه مع الحزب الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني ، اقتربت من اتفاق نهائي، لكنه رهن اكتمال الخطوة بإعلان الميرغني موقفاً واضحاً من نائبه علي محمود حسنين والقيادي في حزبه التوم هجو اللذين ينشطان للإطاحة بالحكومة و "التبرؤ" من أفعالهما. وقال البشير إنه أبلغ الميرغني خلال لقاء جمعهما أخيراً أن دخول الحزب الاتحادي في الحكومة رهن بحسم وضع حسنين وهجو، واعتبر أنه "لا يستقيم عقلاً أن يكون لدينا حزب يشغل بعض قياداته مناصب دستورية في الدولة، وفي الوقت ذاته تتنقل قيادات أخرى منه إلى الخارج تدعو وتحشد لإسقاط النظام"، وقال إنه رفض تبريرات قدمها الميرغني في شأن حسنين، وتابع: "على الميرغني وحده أن يختار الآن بين التبرؤ مما يدعو إليه حسنين في لندن، والانضمام إلى الحكومة إن أراد، أو الانحياز إلى ما يدعو إليه نائبه حتى تتمايز الصفوف". الحزب الاتحادي بدا غاضبا من حديث البشير ورد بلهجة غير معتادة في بيان أمس، وقال إنه الآن ليس جزءاً من المعارضة أو شريكاً في الحكم، واعتبر اشتراط البشير على الميرغني بأن يختار المشاركة أو المعارضة تدخلاً في إدارة شأن الحزب، ووصف تصريحات رئيس الحزب الحاكم بأنها غير لائقة في إطار الممارسة السياسية، وأنه "مارس العمل السياسي إبان العهود الديمقراطية ومعارضا للأنظمة الشمولية، ولن تجدي مع قيادته أساليب الترغيب أو الترهيب لكي يتخذ موقفاً لا يتماشى مع النهج الذي ارتضته مؤسساته في معالجة قضايا الوطن والمواطنين". بيان الحزب الاتحادي لم يحدد موقفا واضحا ونهائيا من المشاركة في السلطة، لكنه سيبعده خطوات من الحزب الحاكم وربما يحدث شرخا في علاقتهما يحتاج إلى جهود لترميمه،وان كان المؤتمر الوطني ينتظر حكومة عريضة مظهرا ومخبرا، فإن الطريق إليها لم يعد سالكا، وينبغي أن يعيد ترتيب أوراقه ويفكر بجدية في حكومة صغيرة من كفاءاته الموسومة بالفاعلية ونظافة اليد، وتكنوقراط لديهم استعداد لخدمة مواطنيهم ،فالبلاد تواجه تحديات مصيرية لا تحتمل المجاملة. حاشية: ما لفت انتباهي في بيان الحزب الاتحادي قوله إن "الحزب ليس جزءاً من المعارضة أو شريكاً في الحكم"،لم أفهم أن الحزب ليس في الحكم أو المعارضة هل يعني أنه حزب وسط ..حيرتونا..!!