لم يشكل بروز «الجبهة الثورية السودانية» المناهضة لنظام الحكم في الخرطوم مفاجأة للمراقبين باعتبار ان كافة المؤشرات كانت تشير الى حتمية ظهور هذا التحالف في ظل المعطيات وتطورات الاحداث على المستويين الداخلي والخارجي ، ومن الواضح ان ظهور التحالف لم يشكل ايضاً مفاجأة لدى كثير من منسوبي الحكومة السودانية باعتبار أنهم كانوا يدركون جيداً تعقيدات الواقع والعلاقة مع الحركة الشعبية الأم والحركة الشعبية - قطاع الشمال - وما آلت اليه الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق واستحقاقاتهما وما وصلت إليه الأمور من قبل في ما يخ? النزاع في دارفور والنزاع على منطقة أبيي، إذن الجبهة الثورية ليست مفاجأة ولكن المفاجأة هي حديث الإمام الصادق المهدي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتصريحاته عن ضرورة تغيير النظام وليس إسقاطه، ان التقاطع يبدو واضحاً بين شعار تحالف الجبهة الثورية الرامي الى إسقاط النظام عبر البندقية وبين حكيم تحالف المعارضة بالداخل الساعي الى تغيير نظام الحكم عن طريق النضال السلمي الديمقراطي والحوار الهادئ والإقناع. هذا التقاطع البائن يؤكد للمراقبين وجود سيناريو شبيه بالسيناريو الذي تم تطبيقه دولياً من قبل في العراق ولعل الكثيرين يذكرون ان قوي المعارضة العراقية كونت تحالفاً عريضاً في لندن ودعت الى تكوين حكومة منفى عراقية ترث الأوضاع بعد سقوط نظام صدام حسين وتشجع العمليات العسكرية الدولية ضد نظام بغداد بسبب ان النظام العراقي آنذاك كان يتمترس خلف ترسانة من الاسلحة لا يمكن لمليشيات المعارضة القضاء عليه وبالتالي جاء الإسناد العسكري الدولي ووجدت جميع الاطراف المناهضة لنظام صدام الفرصة سانحة لتصفية الحسابات رغم ان اطرافاً ع?بية كانت تنادي بضرورة حل النزاع العراقي - العراقي عبر طاولات الحوار السياسي الهادئ . ان التحالف السوداني الشبيه موجود وتم تكوينه بمشاركة العديد من الاطراف السودانية في عاصمة الضباب بيد ان التطور اللافت هو قيام تحالف ثوري يعمل كذراع عسكري للتحالف السياسي وهو ما يرشح الازمة السودانية للتدويل ويفتح الباب واسعاً امام جميع الاحتمالات، ان الاطراف السودانية المتنازعة قلبت طاولات الحوار في وجوه بعضها البعض واحتكمت الى البندقية الامر الذي جعل المجتمع الدولي يمد عنقه لمراقبة ما يراه انتهاكات ضد الانسانية ارتكبت خلال النزاع السوداني - السوداني ثم جاءت تطورات الأوضاع الأخيرة لتزيد من اشتعال النيران في?أقاليم البلاد وتزيد من وتيرة ونبرة الحرب ومع ذلك تراهن جميع الأطراف المتورطة في ما يجري حالياً على المحافل الدولية لتحل لها مشاكلها فالحكومة السودانية في الخرطوم تشتكي حكومة الجنوب للأمم المتحدة وحكومة الجنوب تدعو المجتمع الدولي لإيقاف قصف الشمال لمعسكرات اللاجئين السودانيين من مناطق الجنوب الجديد، أن صوت العقل غاب تماماً من الأطراف المتنازعة وبدلاً من الرجوع إلى منابرهم الحوارية التي كانوا يصرفون أموال الشعب السوداني في جرجرة الكلام عبرها هم الآن ينتظرون حلولاً تسقط من السماء وهو ما سيحدث بيد إن السماء تب?ي دائماً ضد الظالمين وحلولها عادة ما تكون جذرية وسريعة ومتلاحقة وحاسمة كما تابع كل من له بصيرة. والسؤال الجوهري هو ثم ماذا بعد؟ أن حكومة الخرطوم تبدو محاصرة من جميع الأطراف وهي حكومة حزب واحد ظل ممسكاً بتلابيب السلطة أكثر من عشرين عاماً وحينما أراد مواصلة النهج العقيم بإدخال بعض الشركاء من الأحزاب لتشكيل حكومة تأخذ هيئة القومية رفضت الأحزاب السودانية المسألة وتركت للحكومة مهمة طبخ وجبتها وحدها وبالتالي عليها أن تأكلها وحدها ولذلك جاء تحالف «الجبهة الثورية السودانية» كذراع مسلح للأصوات السياسية التي تطالب بالتحول الديمقراطي وإقرار الحريات.