لن نمل من التذكير بأن البندقية والاحتكام للسلاح لن يحل قضايانا الوطنية.. أمس الأول تراجع توقيت السودان السياسي الى منتصف تسعينات القرن الماضي والقوى السياسية تعلن التوقيع على مذكرة تدشين تحالف الفجر الجديد بكمبالا. التطور بالتأكيد يعيد للأذهان تجربة التجمع الوطني المعارض، ويفتح الباب أمام احتمالات عديدة تقود كلها في النهاية الى انتكاسة متوقعة في المشهد السياسي. الصور (نفس المشاهد)، الحركة الشعبية (قطاع الشمال) هي الكيان الفاعل والمؤثر والمحرك للقوى المتحالفة، والميثاق الذي يتبناه التحالف لا يخالف توجهاتها في منازلة الحكومة عسكرياً بهدف تغيير النظام عبر انتفاضة مَحمية بالسلاح. قطاع الشمال بالتأكيد هو الجناح الفاعل الذي تدور حوله كل القوى السياسية المعارضة.. الخطوة تؤكد أن الحركة الشعبية قررت نقل معاركها إلى الخرطوم بالاستفادة من الأحزاب المعارضة في الداخل، اذ بدا واضحاً أن قادة قطاع الشمال يَتخوّفون من الضغط الممارس من قبل الخرطوم والإتحاد الأفريقي وأطراف في المجتمع الدولي على حكومة جوبا لفك الارتباط مع قطاع الشمال، وبالتالي فإن القطاع يحاول البحث عن أرضية بديلة تمكنه من ممارسة لعبة استنزاف الحكومة ورفع ضغطها السياسي.. كما أنه يريد أن يبعث برسالة إلى جوبا في ذات الوقت تقول إنه (فاعل تارك) في الشمال وإن رصيده وسط المعارضة قادرٌ على تحقيق رغبات الجنوب في تغيير نظام الخرطوم. توقيع الميثاق حقق فوائد عديدة لقطاع الشمال أكثر المستفيدين، وهو تدشين لمنهج (مجرب) في العمل المعارض المسلح يستلهم تجربة (الجيش الحر) في سوريا.. قطاع الشمال حاول من قبل استنساخ التجربة الليبية - تجربة بنغازي - وبدأ في تنفيذ إستراتيجية بدأت من كادوقلي غير أنها لم تنجح في التأثير على الحكومة. التطور سيسلب المشهد السياسي عافية التواصل والحوار، لأن أنشطة القوى المعارضة في الداخل ستكون محل تشكيك وارتياب من قبل الحكومة وهي تعلم أن منظميها يربطهم تحالف يسعى لتغيير النظام بقوة السلاح.. كما أن القيادات السياسية في الداخل ستكون مُواجهة بتهمة التحالف مع قطاع ينتمي لدولة أجنبية وهذا الأمر ربما يصعب عليها كثيراً في التواصل مع الجماهير ذات الحساسية العالية من واردات الجنوب العسكرية والمدنية. لم تكن القوى السياسية مُوفّقة وهي توقع على هذه الوثيقة التي ستُواجه بتحديات الارتباط بالجبهة الثورية وقطاع الشمال.. فالشارع السوداني ينظر لهاتين الواجهتين من زاوية ارتباطهما بمآسي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، كما أن البُعد العنصري مازال قائماً في توجهاتهما على نحو سيصعب من مهمة القوى السياسية كثيراً، إلى جانب ارتباط قطاع الشمال بدولة الجنوب التي يعتبرها الشارع سبباً حقيقياً في خنق اقتصاد السودان ودفع الأوضاع فيه إلى حالة الانفلات الاقتصادي التي يعيشها المواطنون. الأجدى للسودان أن يعمل الجميع على تنشيط واجهات العمل السياسي السلمي بعيداً عن التصعيد والتصعيد المتبادل، وأن ينأوا عن السلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ويدركوا أنّ العالم الذي تابع مَوجة (الربيع العربي) بات يعول على الجماهير في تغيير الأنظمة ولا يراهن على الفعل المسلح.