تقرير المراجع العام الذي طرحه أمام البرلمان قبل يومين الذي غطى الفترة من سبتمبر 2010 حتى أغسطس 2011، لم يختلف كثيرا عن سابقه في منهج تناوله للتجاوزات والبيئة، وكالعادة اختفت مخالفات المصارف العامة ولم يكشف عنها ولا زلت اعتقد أن نشرها سيعزز الثقة في الجهاز المصرفي ولا يهزها كما يعتقد من يقفون وراء حجبها،ولكن التقرير يعكس جهدا مقدرا بذل في مراجعة المؤسسات والهيئات والشركات،وحوى توصيات مهمة سيؤدي الأخذ بها إلى تجويد الأداء المالي والمحاسبي وتحقيق الولاية على المال العام. جرائم الاعتداء على المال العام في العام الذي شمله التقرير زادت عن سابقه،وما دون من اتهامات في هذا الشأن تسعة وثلاثون لكن ماً فٍُصل فيها اثنان منها فقط وما استرد من مال لم يتجاوز 4 في المئة هذا مؤشر مقلق يعكس أنه لم تبذل خطوات جادة في محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الاختلاسات وملاحقة ناهبي ثروة الشعب. ومن المؤشرات المقلقة أيضا فرض رسوم من غير سند قانوني،ومضاعفة تجنيب الأموال وفتح حسابات بدون دون علم وزارة المالية وعدم الالتزام بإجراءات الشراء والتعاقد ،وعدم المشروعية والمواءمة في الصرف على الحوافز والمكافآت، وتفاوت فئاتها واستئثار بعض العاملين بها دون الآخرين، واستحداث مسميات مختلفة لها، الأمر الذي يفتح الباب أمام التصرف في المال دون مراجعة أو ضوابط والتحايل في الحصول على المال دون وجه حق "نهب مصلح" والمثل الشعبي يقول "المال السايب بعلم السرقة". والمخيف في أداء الولايات - حسب التقرير- عدم واقعية الموازنات التقديرية وتضخم الصرف على الدستوريين وتجنيب المتحصلات والتصرف في المبالغ الخاصة بالتنمية لصالح الدستوريين وافرد لتنفيذ مشاريع تنمية في مناطقهم،وهذا يعكس تضخم صرف الدستوريين في الولايات على حساب خدمات المواطنين وتراجعها وتباطؤ حركة التنمية. وكان لافتا انتقاد التقرير لشهادات شهامة وأنها لم تحقق هدفها المعلن المتعلق بتوفير السيولة لسد العجز في الموازنة، لاسيما وان 78 في المئة من تلك الشهادات تجدد سنويا ويستغل ماتم تحصيله من إصدارات جديدة في سداد مستحقات على الوزارة، ورأى أنها تشكل عبئا ماليا إضافيا على الدولة وأوصى بوضع الترتيبات للتخلص التدريجي من هذه الشهادات مع دراسة بدائل أخرى،ولعل التقرير ذهب إلى خلاف ما يراه الاقتصاديون ولا ادري أن كانت ملاحظة المراجعة إجرائية أم اقتصادية؟ وبشأن السندات الحكومية أبدى التقرير ملاحظة تبدو غريبة حول سداد سندات نقدا قبل تاريخ استحقاقها لشركات دانفوديو المك نمر للمقاولات، وهي بالطبع شركات محظوظة فإن بعض الشركات حل موعد سداد سنداتها ولكنها تلهث خلف المالية حتى تحفى أقدامها وتبحث عن وساطات وطرق ملتوية للحصول على استحقاقاتها، أما من يحصلون عليها قبل موعدها فهذه مفارقة تحتاج إلى توضيح من وزارة المالية. وأشار التقرير إلى نقطة خطرة ذكر التقرير أن معظم الأجهزة القومية لم تقم بإجراءات حصر وحماية ممتلكات الدولة وأصولها بالتحرز أو التأمين عليها،ولماذا تقوم بذلك فلا أحد قلبه على المال العام والمؤسسات العامة إلا بالقدر الذي يحقق لهم مكاسبهم وطموحاتهم الشخصية،وهكذا تغيب الوطنية ويتراجع الشعور بالمسؤولية. وانتقد التقرير غياب المستندات التي تؤكد صحة المبالغ المحصلة للصندوق القومي لدعم الطلاب إلى جانب عدم وجود ميزانية مجمعة تعكس حقيقية المركز المالي للصندوق، كما أن القوائم المالية للصندوق لا تعكس حقيقية الوضع المالي،أصح يا صندوق هذا وضع لا يسر ولا يطمئن. والمبكي ما يجري في هيئة الأوقاف فلم يتم تحصيل إيرادات الأوقاف وهناك تجاوز في الصرف لدى هيئة الحج والعمرة وعدم استرداد الأوقاف السودانية الضائعة بالمملكة السعودية، وصرف ملايين الريالات السعودية لشراء عقارات دون أن تتسلم الهيئة تلك العقارات، وهذا أمر يحتاج إلى مساءلة قانونية عاجلة عن التقصير وخيانة المال العام. وشر البلية ما جاء عن ديوان الزكاة بسبب قيامه بدعم المنظمات وخصم المكافأة والحوافز على مصرف الفقراء والمساكين مما يخفض المبالغ المتاحة لهذين المصرفين، وأوصى التقرير بالتقيد بالصرف على المصارف الشرعية مع إرفاق فتوى شرعية لما يتم صرفه ،وهل هذا يحتاج إلى فتوى يا مراجع؟ ،هذا يحتاج إلى توبة ورد حقوق الفقراء والمساكين.. ولنا عودة