الطاهر عبد القيوم وهو يطلع الشعب السوداني على حسابات الدولة انتهج نفس نهج سلفه ابوبكر مارن المراجع العام السابق الذي سجل رقماً قياسياً في المنصب.. لم يكن هنالك اختلاف في إعداد وتصميم وعرض التقرير السنوي بنفس المصطلحات والمفردات، الاختلاف الوحيد في الأرقام المتضخمة. نتطرق الى مبلغ الاختلاسات أو ما أصطلح على تسميته الاعتداء على المال العام لفت نظري أنه أصغر من المتوقع، ولا أعتقد أن خمسة ملايين جنيه سوداني هو كل ما فقدته خزينة وزارة المالية لعام 2010م، فعلينا أن ندقق في التقرير ونقرأه أكثر من مرة لنرى إذا ما كانت يد العاملين بالدولة أصبحت كلها نظيفة بنسبة 100?، وبلا استثناء لشركات لديها حصانة وهذه الشركات معروف حجمها وعددها الذي يقارب الألف شركة، ثم إذا ما راجع المراجع كل حسابات الولايات ومشروعات التنمية فيها وشركاتها ووحداتها. لفت نظري في التقرير المنشور أن الناس اهتمت برقم الاختلاسات لا بالفوضى و(الجغمسة) التي كانت جزءا مهما في الأداء والحسابات الرسمية.. وطريقة (طاقية هذا على رأس ذاك) فعلى سبيل المثال فإن بعض المبالغ قدمت كدعم للمشاريع كمساهمة في رؤوس أموالها، فمبلغ (133) مليون جنيه سدد لعدد من الجهات مثل مستشفى المجلد، هيئة غرب كردفان للتنمية، الصندوق القومي للأطفال، ويؤدي ذلك إلى تضخم بند الأسهم وحصص رأس المال بمبالغ لا تخصه وبالتالي لا يعكس الوضع الحقيقي.. التقرير قال إن المبلغ المسدد لهيئة غرب كردفان للتنمية وهو (15.1) مليون جنيه عبارة عن تعويضات عاملين ومكافآت لمجلس الإدارة ومصروفات تسيير الهيئة. المخزون الإستراتيجي لم يودع عائد بيع القمح إلى المالية بل اشترت به الهيئة ذرة.. ثم اقرأوا معي مبلغ العهد (285) مليون جنيه لثماني وحدات فقط منها مبلغها (260) مليون جنيه من بينها وزارات الخارجية والداخلية والصحة وشرطة الجمارك ومفوضية الانتخابات، ففي وزارة الداخلية مثلاً لا يتم خصم السلفيات عند تسوية الحقوق المعاشية للعاملين بل تستمر لسنوات ما بعد التقاعد ولآجال ما بين (10-20) سنة. ومن الملاحظات المهمة في تقرير المراجعة أن حسابات البنك المركزي تظهر مديونية باسم الحكومة قدرها (7.2) مليارات جنيه ولا اثر لها بحسابات وزارة المالية. والفوائد المستحقة من العام 91 وحتى2010م، رصدت في حساب معلق ضمن مديونية الحكومة وأصبح يتراكم سنوياً بالفوائد والجزاءات المحتسبة وغير مثبتة بالسجلات الحسابية بوزارة المالية. من المفارقات في أداء الحكومة المحاسبي أن المسؤولين لا يملون من تذكيرنا بولاية المالية على المال العام، أما التقرير فيثبت كم نحن بعيدون عن هذا الهدف، فمن أهم ملاحظاته عدم واقعية الموازنات التقديرية وتجاوز بنود الصرف والتحويل من بند لآخر دون موافقة وزارة المالية مع الصرف خارج إطار الموازنة وتحصيل مبالغ وتجنبيها إما عن طريق حجبها عن وزارة المالية أو فرض رسوم بغير سند قانوني ثم عدم الالتزام بإجراءات الشراء والتعاقد وعدم اتباع اللوائح للاستخدام وشؤون العاملين وعدم المشروعية والمواءمة في الصرف على الحوافز والمكافآت مع استحداث مسميات لها، تعيين بعض العاملين دون أسس المؤهلات والخبرة ثم الأدهي هو عدم وجود حسابات ختامية. قارئ تقرير المراجع العام لا يحتاج إلى جهد وتفكير ليصل إلى نتيجة واحدة وهي أن الجهاز التنفيذي والوحدات الحكومية تعمل وفق مزاج الوزير أو المدير اللذين أصبحا يتعاملان معها كما يديران شركاتهما الخاصة.