الاستاذ النور أحمد النور .. أسعد الله ايامك.. وقع بصري على ما سطره قلمك الشفيف، بذاكرتي اليقظة الخصبة، وبزاويتك «حروف ونقاط» 16 نوفمبر 2011م بعنوان «بلا تعليق» - دلف قلمك في تلك السياحة الوطنية، يحكي لنا عن مواقف ومشاهد وطنية نبيلة لرجال شوامخ بالوطن، مواقف في حواشيها نقاء السريرة، طهر اليد واللسان ونزاهة القول والفعل ، مشاهد لرجال أفذاذ قبعوا بذاكرة الوطن، رجال وطدوا دعائم وركائز الحكم العادل الراشد Good Governance ووضعوا لبنات متينة وقوية للخدمة المدنية Civil Service والتي كانت يومذاك علي لسان كل فرد في ذلك الزمان ثناءً ومدحاً.. لتسمح?أخي النور ان اضع بسلة ذاكرة الوطن مواقف اخرى لرجال اسهموا في صناعة التاريخ، ولا تقل عما ذكرت قدراً ونزاهة. ٭ في العهد المايوي قدم احد ملوك العرب منحة مالية مقدرة لكل وزير بذلك النظام، ارسلت بخطاب ممهور بتوقيع وزير شئون رئاسة الجمهورية آنذاك. اثارت هذه المنحة الموبوءة حفيظة شقيقي سر الختم الخليفة الذي كان وزيرا للتربية والتعليم. فردها بشيك لرئاسة الجمهورية وارفقها بخطاب غاضب لاهث ، يأسف فيه على مبدأ قبول المنحة، مقترحا اما ردها لصاحبها، واما تسخيرها لتعمير مستشفى الخرطوم التعليمي واخطار مصدرها بذلك. ٭ الوطني الغيور حماد توفيق (اول وزير لمالية السودان) الذي عرف بعفة يده، ثم نقله من وزارته ليشغل منصب مدير البنك الزراعي الذي أنشئ يومذاك، وحدد له مرتب يفوق مرتب وزير المالية الذي يرأس البنك الزراعي. طلب حماد توفيق تخفيض مرتبه ليكون اقل من راتب الوزير، وعندما رفض مجلس الوزراء طلبه، قدم استقالته التي رفض الازهري قبولها !! وتم تخفيض راتبه فسحب الاستقالة. ٭ عندما كان المرحوم نصر الدين السيد (وزير الحكومات المحلية الاسبق) وفي مطلع الستينات يشغل منصب الضابط التنفيذي لبلدية بحري، قام بتوزيع القطع السكنية، وقطع اخرى بسوق سعد قشرة الحالي، تم التوزيع بعدالة وتجرد دون محاباة، وبأسس ومعايير محددة. وعرف نصر الدين بعفة وطهر اليد، فقد رفض منح ذوي القربى وأصدقائه قطعاً سكنية بقرار استثنائي، وطلب منهم التقديم كبقية المتقدمين. وهل تعلم أن نصر الدين لم يحظ بقطعة سكنية بمسقط رأسه ببحري؟ وكان يسكن منزلاً مؤجراً حتى مماته! عليهم جميعاً الرحمة. فهذه وما ذكرت من مشاهد وموا?ف تدل على أصالة ونزاهة الحاكم وراعي الرعية في ذلك العهد الذهبي من الحكم العادل الزاهد في هذه الدنيا، فلماذا لا نقتدي بهؤلاء؟ فهذه السيرة النقية تولدت وجاءت حصيلة لتربية قويمة للنشء يومذاك، وغرس كريم الخصال والفضائل في نفوس فلذات الأكباد، تربية صالحة قوامها مناهج دراسية منتقاة أعدتها بخت الرضا بحرص، وتمت تجربتها لتتوافق مع البيئات السودانية المختلفة، ويقوم بتدريس تلك المناهج معلمون تم تدريبهم بعد تأهيلهم. ولتحقيق أهداف التربية القويمة الشاملة كانت العلاقة قوية ومتجانسة بين محوري التربية، المدرسة والأسرة، فك?ن لهما القدح المعلى في تربية الصغار، ومراقبة سلوكهم العام. وبجانب التحصيل الأكاديمي، كانت المدرسة تصنع وتصقل الانسان ليواكب المجتمع. وتعد الطالب لمجابهة الحياة العملية، وذلك عبر الجمعيات المدرسية (المالية/ الموسيقى/ الصحة/ الاصلاحات/ الحدائق/ الزراعة/ الأدبية عربية والانجليزية)، فهذه الجمعيات بمثابة المصنع لبناء ونمو المهارات والملكات والقدرات الفردية، وتوطد في الطالب عبر الاجتماعات وممارسة الجمعيات اليومية صفات الأمانة، النزاهة، الانضباط، تحمل المسؤولية، والخطابة التي تغرس في طالبنا صفة الشجاعة الأدبية عن? مخاطبة حشد من البشر، وهذا ما يفقده طالب اليوم. فهذه الدروس التربوية كانت تمارسها مدرسة الدويم الريفية الوسطى منذ انشائها (1908م) تلك المدرسة الأنموذج والشاملة "Comprehensive" والتي بنهجها التربوي أنجبت للوطن خيرة بنيها قدموا للوطن ثمرات جهدهم وخبراتهم الثرة، التي دفعت بالوطن نحو التألق والشموخ يومذاك. ونذكر من هؤلاء الرجال الأفذاذ: محمد أحمد المحجوب، وسر الختم الخليفة شغلا منصب رئيس وزراء السودان في حقبتين من تاريخنا الناصع، د. خليل عثمان/ ابراهيم منعم منصور/ أ.د. الطيب زين العابدين/ البروف الطيب حاج عطية? البروف ابراهيم غندور/ د. المتعافي/ د. فاروق هباني وآخرين. آمل أخي النور أن نعمل جاهدين لادراج هذه المواقف الوطنية والنماذج النبيلة للانسان السوداني الاصيل، التي طوتها زوايتك لمادة التاريخ والتي وئدت وبأي ذنب قتلت، هي ورصيفتها مادة الجغرافيا، ونحن بصدد بث الروح فيهما! والوطن يستقبل قريباً المؤتمر القومي للتعليم (مطلع ديسمبر القادم)، وحتى نصنع جيلاً متشبعاً بروح سلفنا الصالح، فنحن زمرة المعلمين القدامى نتطلع ونتوق أن تطوي مناهجنا الدراسية المرتقبة، تعاليم ديننا الحنيف، وتقاليدنا الموروثة، وعاداتنا السمحة، وحضارتنا وارثنا الأصيل وسير ومواقف أفذاذ الرجال عبر تاريخنا ?لناصع، وجهاد الثوار الذين خاضوا اللهيب من أجل استقلال السودان ووحدة ترابه. وأن تضم مناهجنا سير الرعيل الأول من رواد الخدمة المدنية الذين أرسوا قواعدها وحملوا لواءها عالياً خفاقاً، فهم القدوة لشباب اليوم، ومثلهم الذي يحتذى ولكي نضع أسساً لمناهج راسخة وقويمة علينا أن نختار صفوة التربويين وخبراء المنتدى التربوي السوداني بخبراتهم الواسعة، وقدامى المعلمين وعلماد المجتمع ورجال علم النفس التربوي وثلة من الاباء والأمهات ومجالس الآباء. وأن نكف عن دعوة الحشد المظهري الذي لا يثمن ولا يغني من جوع! وأن نبتعد عن دعوة كل?من هبَّ ودبَّ، وهذا النفر الصالح سيختار لنا مناهج قومية ترفع رأس السودان عالياً بعيدة عن المؤثرات السياسية والنعرات القبلية، والدوافع الجهوية ، الشعب يريد منهجاً سودانياً أصيلاً، يرضي طموحه ورغباته، ويؤسس وطناً قوياً متيناً. والله الموفق حسين الخليفة الحسن خبير تربوي