الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    إلي اين نسير    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطاع الخاص و التنمية الزراعية
نشر في الصحافة يوم 03 - 12 - 2011

السودان هذا القطر المترامى الأطراف ، المتعدد الموارد الطبيعية ، المبشر بالخير الوفير لأهله و جيرانه و للعالم أجمع ، تنظر له المنظمات العالمية المختصة كواحد من ثلاث دول عليها الأمل و الرجاء فى فك شفرة الغذاء العالمى ، ولكن ذلك لن يتأتى بالأمانى العذبة و لا بالتمنى وكثرة ترداد المقولة الخاوية من التطبيق ألا وهى سلة غذاء العالم ما لم تجد الجدية و الصدق و العلمية فى التخطيط و التنفيذ. فى أرض السودان و تنوع مناخاته المتَسع للجميع محليا و عالميا للاستثمار و لتحقيق تنمية زراعية حقيقية ومستدامة. إن كافة أنظمة ال?نتاج من قطاع عام و خاص و تعاونى يمكنها تطبيق ما ارتأت من فلسفة نظمها دون إخلال او تضاد مع الآخر. إنه معلوم بالضرورة أن القطاع الحكومى أكبر مشترى إلا أنه ايضا ومن واقع الممارسة محليا أو عالميا اسوأ مشترى و أردأ بائع ولذا حرصت الكثير من الدول التى سلكت الطرق القويمة للتنمية- خاصة الزراعية منها- على تحديد مسارات و أدوار واضحة و محددة لكل من الحكومة وللقطاعات الاخرى تعاونية أو خاصة فكان لها ما أرادت من تنمية حقيقية رغم عدم مقارنة إمكانياتها الطبيعية مع قطر كالسودان. للتنمية الزراعية متطلبات عدة يجب أن توفر كأر?ية أساسية ومن أهمها المناخ السياسى و الاقتصادى ممثلا بالسياسات المالية و النقدية و القوانين المقيدة للاحتكار و الشفافية العالية جدا فى التعاملات المالية و الإدارية و تحديد الإختصاصات دون تداخل أو تضارب أو تجاوز، و تطبيق القوانين الاستثمارية بكل عدل وشفافية ويسر. إن مجالات العمل فى التنمية الزراعية متعددة غير أنها متكاملة و تشمل التسويق و الإنتاج و الخدمات الزراعية و المتاجرة فى المدخلات و المنتجات داخليا و خارجيا و التصنيع الزراعى وغير ذلك من المجالات. كما أن أى تنمية زراعية او غيرها لابد و أن تراعى بجانب ?لمناحى الاقتصادية و المالية و الفنية الأبعاد الاجتماعية بحسبان أن المواطن هدف التنمية بدءاً و منتهى.
شهد السودان منذ نهايات العهد الاستعمارى و بواكير الاستقلال مرورا بسنوات الديمقراطية الاولى مشاركة فاعلة من القطاع الخاص فى كافة أوجه التنمية الزراعية، ومنها إنشاء المشاريع الزراعية فيما عرف سابقا بمشاريع النيل الابيض و مشاريع النيل الازرق و مشاريع الشمالية و مشاريع جبال النوبة ، وتبع ذلك الاستثمار المحلى فى القطاع المطرى- الزراعة الآلية- فى مختلف ولايات السودان ذات الامطار الغزيرة ، ورغم ما قيل عن تلك المشاريع و دمغها من بعض التوجهات السياسية بأنها استغلت مواطن المنطقة و أدت لإثراء أصحابها على حساب عرقه و ?ده إلا أنها و لا شك قد أحدثت إضافة حقيقية فى كل المناطق و خلقت فرص عمل غير محدودة للمواطنين فى مناطقهم . وعلى نفس النهج يمكن تصنيف كل مزارعى الجروف النيلية و كذلك مزارعى البلدات و الحواكير و غير ذلك من المنتجين فى مساحات محدودة وتقليدية على إنه إسهام من القطاع الخاص على أساس اعتمادهم الكامل على مقدراتهم الذاتية . كما أن الكثير من الشركات قد نشأت و مارست عمليات استيراد وتوفير المدخلات المختلفة من أسمدة و مبيدات و تقاوى و معدات زراعية وكان لها الإسهام الواسع فى تحقيق التنمية المنشودة . بجانب ذلك مارست الكثير?من البيوتات المالية العريقة عمليات التسويق الداخلى فى أسواق المحاصيل المختلفة وكانت أهم منافذ الصادرات للمنتجات الزراعية مثل الصمغ العربى و السمسم و الذرة و الفول السودانى و الحيوانات الحية و المذبوحة . حسب التعريف العالمى فإن كل المنتجين و المتاجرين والعاملين فى قطاع الثروة الحيوانية وكل أنشطة الانتاج الحيوانى الأخرى يتم تصنيفهم تحت هذا الإطار الزراعى ، وبناء على حقيقة ملكيتهم وتمويلهم الذاتى لأنشطتهم فى السودان يعتبرون أيضا ضمن شريحة القطاع الخاص، لهم دورهم و إسهاماتهم التنموية . ذلك كان المسار والحال إل? أن تفتقت عبقرية بعض الساسة فكان ما سمى بالإصلاح الزراعى ، ثم ما تبعه من ضربة مضرية قاضية فى العهد الشمولى الثانى بتأميم نميرى لكثير من منافذ مساهمة القطاع الخاص بما فيها القطاع الزراعى ، فكان الانكماش التأريخى للقطاع الخاص فى معظم مجالات الاستثمار والتنمية خاصة فى مجالات العمل الزراعى المختلفة ، وهكذا استمر الحال فى عهد «هؤلاء « حين فتح الباب على مصراعيه لأجهزة وشركات حكومية مصنوعة ومحمية و مدعومة تحت مسميات مختلفة للتغلغل فى مجالات انتاجية و خدمية كانت حكرا على القطاع الخاص والتعاونى. هذا الإرث التأري?ى للقطاع الخاص بكل نجاحاته أو مراراته ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار عند أى حديث عن دور القطاع الخاص فى التنمية الزراعية. بل إنه من الأجدر أن نتحدث عن إعادة دور القطاع الخاص فى التنمية الزراعية مع العمل على تطويره ليتماشى مع متطلبات العصر و العولمة .
بما أن السودان قطر زراعي- والأساس الحقيقى لاقتصاده هو الزراعة- فإن التنمية الزراعية تعتبر رأس الرمح لأى تقدم منشود للبلاد ، ولتحقيق ذلك لابد من تحديد الأدوار و المهام لكل المشتركين فى العملية التنموية خاصة الأجهزة الحكومية و القطاع الخاص بكافة مستوياته و تعريفاته. إن الدور الاساسى للجهاز الحكومى على كل الأصعدة تهيئة المناخ للتنمية المنشودة و تحديد خارطة طريق متفق عليها بين كل المعنيين بأمر التنمية الزراعية دون إقصاء لاحد ، ويتمثل ذلك فى الاتفاق على استراتيجية طويلة المدى تغطى كافة جوانب التنمية المنشودة ?واقعية و علمية فى التخطيط و تحديد الاهداف ، وينبنى على ذلك الخطط قصيرة و متوسطة وطويلة المدى. و على هدى هذه الاستراتيجية يتم إعلان السياسات القومية و القطاعية فى ترابط و تناغم و تكامل شاملة الجوانب المالية و الاقتصادية و الاجتماعية. هذه السياسات المالية و الاقتصادية لابد أن تأخذ فى اعتبارها حال المنتج الصغير فى السودان وتقليدية النظم التى يتبعها مما يستدعى تعاملا خاصا لتفعيل دوره فى المشاركة لإحداث النقلة المستهدفة ، علما أنه من حيث العددية يمثل النسبة الأكبر فى تعداد القطاع الخاص. ولابد فى كافة المراحل ?ن استصحاب آراء اصحاب المصلحة الحقيقية من مستهدفين بالتنمية و منفذين لها سواء كان فى الجهاز الحكومى التنفيذى أو الأكاديمى أو التشريعى بجانب الممثلين الحقيقيين للمواطن السودانى- المستهدف الاساسى بكل العملية التنموية - و كذلك ممثلى القطاع الخاص بكل مستوياته وأحجامه و تنوع مجالاته. ولاشك أن هذا الاتفاق الكلى لكافة أطراف المعادلة لهو الضمان الوحيد للاستدامة و فيه تطبيق حقيقى للشفافية اذ لامعنى للبداية من الصفر بين كل حين و آخر وتلو كل تغيير فى نظام الحكم او الافراد. إن الجوانب التشريعية و القانونية المرتبطة باع?ال التنمية لهى من مهام الدولة الأساسية على المستوى القومى أو الاقليمى أو المحلى دون تضاد أو تقاطعات بينها بل تكامل و تناغم. كما أن الدولة مطالبة بالتركيز على أمر البنيات الاساسية مع مراعاة العدالة و التوازن فى توزيع هذه البنيات حتى تتيح للقطاع الخاص الإنطلاق فى الجوانب الإنتاجية المباشرة. وكما هو معلوم فإن العولمة التى تسود عالم اليوم لتعول كثيرا على القطاع الخاص فى إرتياد كافة المجالات التنموية ، ولعل فى الإشارة لبعض المتطلبات التى تشجعها العولمة ما يضمن للقطاع الخاص لعب دوره المنشود ، و من ذلك إلزام الح?ومات بالشفافية العالية فيما يتعلق بالعطاءات و تحجيم الاحتكار و الإهتمام بأمر البحث العلمى و نقل المعرفة بل حتى الدعم فى مجالات محددة و على أسس معلومة. أما القطاع الخاص فبجانب مشاركته الفاعلة فى مراحل التخطيط العام للاستراتيجيات و السياسات فمطلوب منه فى مراحل التنفيذ الجرأة فى ولوج المجالات التنموية المختلفة وعدم التقوقع و التخوف من ارتياد المجالات الجديدة ، ممايخلق فراغا تعمل بعض الاجهزة الحكومية على التمدد فيه بدون وجه حق . كما ان على القطاع الخاص المقتدر ان يدرك منذ البداية طبيعة العمل الزراعى و تعرضه ?لمخاطر الطبيعية و غيرها مما يستدعى ان يتسلح كما قيل قديما بشئ من « صبر ايوب و عمر نوح و مال قارون». إن دور القطاع الخاص ليتعدى الجانب الربحى فقط - رغم أنه هدف اساسى و مشروع - إلا أن الابعاد الاجتماعية فى المنطقة المستهدفة بالتنمية الزراعية لواجب له آثاره الإيجابية على عمل القطاع الخاص ، ففى استقرار أهل المنطقة و مشاركتهم كعمالة او فى أى نمط من أنماط المشاركة ما يضمن نجاح و استمرارية المشروع التنموى ، ولذا فإن مساهمة المستثمر الخاص فى ذلك الجانب الخدمى مطلوبة وفق أسس معلومة ومقبولة لكافة الاطراف. وكما أن?ا نجد فى كثير من الدول المتقدمة أن للقطاع الخاص «من ذوى الاحجام الكبيرة « إسهاما واضحا فى عمليات البحث العلمى التطبيقى ولذا من المتوقع ايضا من القطاع الخاص السودانى المقتدر المساهمة فى هذا الجانب دفعا لما تقاعست الدولة فيه . لابد أن يدرك القطاع الخاص مهما كان حجمه صغيرا أم كبيرا ، وطنيا أو أجنبيا مهامه وواجباته وحقوقه ايضا و أن يحسن التخطيط قبل مرحلة التنفيذ ، فإن من لا يحسن التخطيط للنجاح حتما يخطط للفشل ، وفشل القطاع الخاص لأى سبب من الأسباب آثاره مدمرة على مجمل مستقبل واستمرارية مشاركة القطاع الخاص ا?وطنى أو الأجنبى فى العملية التنموية.
لقد تتابع فى السودان على مر العهود و الأنظمة إصدار الخطط بمختلف المدد الزمنية وتنوعت السياسات و التوجهات إلا أنه ومن واقع التطبيق وقياسا على مميزات السودان من ثروات زراعية
نجد أن الحصيلة النهائية لا تتناسب مع ذلك الغنى و التنوع فى الموارد ولعل فى ذلك مما يشير لخلل اساسى إما فى السياسات أو الخطط أو المناخ المطلوب بل و لعل فى عدم الاستقرار السياسى الذى ساد السودان منذ الاستقلال حتى تاريخه ما يفسر ذلك الخلل الشائن. وإيماء لما أشرنا له من مساهمات للقطاع الخاص فى بواكير تاريخ السودان ووأد ذلك بالاصلاح الزراعى ثم تأميم نميرى للشركات و نتيجة لذلك نجد أن القطاع الخاص المقتدر قد تقوقع كثيرا فى الجوانب الانتاجية ومجالات الصادر و إكتفى بجانب التعامل فى تقديم الخدمات و المتاجرة بالمدخل?ت خاصة لمحصول القطن ، و كانت النتيجة الحتمية خروج السودان من العديد من الأسواق العالمية وضعف مساهمته فى أسواق كان لنا فيها مكان مميز مثل الصمغ العربى و القطن طويل التيلة ، كما نلاحظ أنه نتيجة للتأميم فقد تم إنشاء الكثير من الشركات الحكومية بديلا للقطاع الخاص وازدادت ايضا القبضة الحكومية على المشاريع المؤممة مما أدى لترهل فى الأجهزة الادارية و ضعف الدافع للإنتاج و من ثم هجران المزارعين للزراعة و النزوح للمدن مما ضاعف من حجم الماسأة. فى العقدين الاخيرين من زماننا هذا وكنتيجة للتطبيق المتسرع للاقتصاد الحر و ل?يق دائرة التشاور و التحاور متزامنا مع الوهم الذى أصاب متخذى القرار المتنفذين بعد ظهور البترول و ما تبعه من سوء استغلال لعائداته فى أنشطة الزراعة ليست فى قائمة أولوياتها ، وكذلك لسوء تطبيق نظام الحكم الفدرالى وما نتج عنه من اتجاه الحكومات الولائية للجبايات القانونية و غيرها لتغطية نفقات الأجهزة المترهلة مع إغفال تام للخدمات الاساسية ، كل ذلك ادى للمزيد من احجام القطاع الخاص الصادق من لعب دوره المنشود فى التنمية الزراعية. غير أننا وبعد كل هذا الكم من الدمار نجد بصيص ضوء فى نهاية النفق ممثلا فى قانون تشجيع ال?ستثمار و الاستراتيجية ربع القرنية و من ثم النفرة الزراعية و ربيبتها النهضة الزراعية. من الناحية النظرية نجد أن قانون تشجيع الاستثمار ورغم بعض الهنات و المآخذ على نواحى محددة منه إلا أنه قد فتح الباب على مصراعيه للمستثمرين سواء الوطنيين او الأجنبيين و قدم لهم الكثير من الضمانات و الحوافز ، إلا أن الواقع التطبيقى تشوبه الكثير من العوائق أهمها استمرارية التضارب بين المركز و الولايات و إنعدام الخارطة الاستثمارية فى الكثير من الولايات و المشاكل المتعلقة بملكية و تخصيص الأراضى الزراعية و المواجهات غير المنطقية ب?ن المستثمر و مواطنى المنطقة المعنية بشأن الاراضى فى غياب تام للسلطات بل و أحيانا بتشجيع منها بصورة أو اخرى وتأثر المستثمر بكثرة تعديلات و تضارب السياسات المالية و الاقتصادية ، وكما لا نغفل ما يرشح من حين لآخر باتجاه الدولة أو الولاية لتعديل قانون الاستثمار مما يخلق نوعا من البلبلة و عدم الاستقرار، كل هذا أقعد بالاستثمار الزراعى و بعودة القطاع الخاص للعب دوره المنشود فى التنمية الزراعية. أما الاستراتيجية ربع القرنية فلا يبدو أن هنالك من يهتدى بها أو يستند على ما جاء فيها ، و يكفى أن البعض من القيادات لا يعر? عنها سوى اسم «الاستاذ» أمينها العام وهى المفترض أن تكون الاساس الجامع و الموجه لكل الانشطة. وفى شأن النفرة الزراعية- النهضة الزراعية- ورغم أنها احتوت من الناحية الفنية والتخطيطية على كل ما تحتاج له النهضة الحقيقية وشارك فى تصميمها علماء و اداريون لا يتطرق الشك لكفاءتهم ، و توفرت لها الأجهزة التنفيذية و التمويل الادارى و أجهزة المتابعة ، و توفر لها الغطاء السياسى على أعلى المستويات ، وتضمنت فى برامجها التنفيذية تشجيع مشاركة القطاع الخاص، إلا أنه بعد إنقضاء حوالى 5-6 اعوام من عمر هذه النفرة- النهضة نجد أن?المحصلة حتى تاريخه دون الطموحات بكثير بل دون المخططات المجازة فى وثائق النهضة نفسها مما يدل على خلل بين فى اداء هذه النهضة و لا ندلل بغير استمرارية ضعف الانتاجية معضلة السودان الاولى. أما عن دور القطاع الخاص فى تنفيذ برامج النهضة الزراعية ورغم أنه منصوص عليه فى الأهداف الاستراتيجية للنهضة إلا أن واقع الحال يحكى عن شراكات تسمى بالاستراتيجية و الذكية مع القطاع الخاص و ما هى كذلك إلا إذا كان هنالك تفسير آخر لكلمة « الكلمة المركبة لصفات ذكية بالانجليزية ، والعبرة بالنتائج ولنا فى الشراكات «غير SMART» الذكية» ?ى مشاريع الرهد و السوكى و الجزيرة خير دليل.
أما الجوانب الإيجابية لمشاركة القطاع الخاص - خارج مظلة النهضة الزراعية - فتتمثل فى عودة الكثير من البيوتات المالية-العائلية العريقة للنشاط الزراعى بعد فراق دام زمانا أشرنا له آنفا ، ويحمد لهذه العودة استهدافها لتعمير مساحات كبيرة وفى ولايات متعددة و بإمكانيات كبيرة ، و الأهم من ذلك إتباع النظم الزراعية الحديثة و استهداف الصادر، و رغم العوائق التى تواجهها إلا أن النتائج مبشرة ، ويكفى أن نشير لمحصول البرسيم وكيف أصبح من محاصيل الصادر الهامة ، وفى الطريق محاصيل واعدة أخرى، كما اهتمت هذه البيوتات بالجوانب ا?اجتماعية« طوعا أو كرها » فى المناطق التى خصصت لها . غير أن المطلوب من القطاع الخاص أكثر من هذا بكثير بحكم إمكانياته المادية و تحرره من الروتين وعلاقاته الخارجية مع شركات مماثلة ، فمن ضمن المطلوب المزيد من الجرأة و التوكل فى إرتياد مجالات محاصيل واعدة و مطلوبة خارجيا مثل الزهور، ونشير هنا إلى أن دولا مثل اثيوبيا و كينيا أصبحت أرقاما عالمية فى هذا المجال ، وهنالك أيضا مجال المحاصيل الطبية و العطرية ، و مجال تحديث تربية الحيوان فى مزارع متخصصة لأجل الصادر و السوق المحلى وغير ذلك من المجالات الزراعية. وكذلك ?سبة لارتفاع أسعار الجرارات الكبيرة و المعدات والآليات الزراعية المتخصصة فقد اصبح من المتعذر على المنتجين حتى المقتدرين منهم شراءها ولذا فإن مجال هذا النمط من الخدمات الزراعية متاح ومطلوب إضافة للمجالات الاخرى التى تمترس فيها القطاع الخاص منذ أمد وهى التى تتعلق بالمدخلات الأخرى من تقاوى و اسمدة و مبيدات خاصة و أن هنالك بوادر عودة لمحصول القطن لو صدقت النوايا و «أعطى القوس لباريها» و جودت كل «شركة « ما أنشئت من أجله وكلف كل امرئ بما هو أهل له.
السودان الآن فى مرحلة مفصلية يكون بعدها أو لايكون ، وعلى أعتاب الجمهورية الثانية كما يطلق عليها إعلاميا وهنالك الكثير من الوعود بطى صفحة الماضى والتوافق على ما ينفع أهل السودان كافة تحقيقا للتغيير الحتمى بأيدينا لا بيد عمرو، لذا لابد من وقفة جادة وصادقة و أمينة لمراجعة كافة سياساتنا وأهمها الاقتصادية و على رأسها موضوع الاقتصاد الحر و الدور الأساسى الذى يجب أن يلعبه القطاع الخاص «الحقيقى» فى التنمية عامة و الزراعية خاصة ، وأن نعيد هيكلة آليات التنفيذ على أسس الكفاءة و الخبرة ، وأن نهيىء كافة الاسباب و ا?متطلبات ، ونحدد ونلتزم بدقة بالمهام و المسؤوليات التى توكل لكل مشارك وكفانا «دغمسة» فلا شىء بعد ذلك إلا الطوفان.
*مستشار زراعي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.