٭ قلل المفكر الإسلامي فهمي هويدي من تداعيات الخلاف حول هوية الدول في الشرق الاوسط عقب ثورة الربيع العربي، وقال في الجزء الثاني من حواره مع «الأحداث والصحافة» بتركيا خلال حضوره ملتقى الاعلام التركي العربي بمدينة إسطمبول إن الناس غير مشغولين بالدولة المدنية أو الدينية، وان تركيزهم ينصب في أكل عيشها، مشدداً على ان الغرب حاكم جميع الدول بمنظار أسود بنمط «سوداني أفغاني إيراني» رغم اختلاف البلدان وظروفها، وبدأ هويدي اكثر خوفاً من إسقاط مشكلات النخبة السياسية على المجتمع لأنها تتعارك مع بعضها وتسقط مشكلاتها على ا?مواطن، مؤكدا ان الناس «قرفوا» من الاستبداد والفساد، وبعض المجتمعات قرفت من التحلل الأخلاقي. وكان هويدي قد اعلن في الجزء الاول من الحوار رفضه لصعود التيار الاسلامي السياسي في الوطن العربي لتقلد زمام السلطة الحاكمة، لعدم إلمامهم الكافي بمطلوبات الحكم في الوطن العربي، وليس ذلك فقط بل ان هويدي جزم بأن كل القوى الاسلامية التي ولجت الحقل السياسي في الشرق الاوسط لها مشكلة واضحة في انعدام الخبرة والدراية السياسية الكاملة. وشدد على ان التجربة التونسية تختلف عن التجربة المصرية، في اشارة الى الفوارق الايديولوجية بين ?ماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة التونسية بزعامة المفكر الاسلامي راشد الغنوشي الذي عرف بميله الى الحداثة وبعده عن الغلو والتشدد في أطروحاته، منوِّها الى ان التيار العلماني الذي حكم مصر طوال الفترة السابقة تيار اقصائي، ومضى يقول انه الآن بعد ان امضينا نصف قرن صار امر وجوده مهددا، لافتا الى حركات الاسلام السياسي في الشرق الاوسط تهم بمد يدها الى المجتمع الدولي، لكن الاخير مازال متردداً في الكيفية التي يصافح بها يد الاسلام السياسي.. فإلى مضابط الجزء الثاني من الحوار. ٭ الآن هنالك مخاوف حقيقية من ألا تصل الديمقراطية في مصر الى ميدان التحرير؟ إذا بحثت عن المخاوف ستجد ها كثيرة.. والمعترف به أن هنالك شيئاً متغيراً حدث في مصر، وأن الناس ارتفع صوتها بجرأة غير عادية، وأدركوا أن هنالك ساحة للتعبير هى ميدان التحرير، والشاهد أن بعض المرشحين ذهبوا الى الميدان وقام شباب الميدان بطردهم.. فإذاً هنالك شيءٌ من الديمقراطية.. وأنا أقول إن مصر فيها مشكلة كبيرة أنها بلدٌ مجاور لإسرائيل، وأن بينها وبين اسرائيل معاهدة سلام.. وكل المسؤولين الغربيين «دبلوماسيين، صحافيين وأكاديميين» أول ما يسألون عنه في مصر: ماذا ستفعلون في معاهدة السلام مع إسرائيل.. ولهذا أنا في ?ونس كنت أقول لهم «أنتم حظكم كويس» مادام ستؤسسون لديمقراطية لا توجد فيها مشكلة، ففى مصر هنالك مشكلة بدليل أن الصحافيين الاسرائيليين يأتون الى مصر ويتحدثون مع الشباب في ميدان التحرير، ويرجعون لبلدهم مذهولين من رد فعل الشارع، لأنهم طول السنوات الماضية كانوا يسمعون أصوات النخب والحكام ولم يسمعون الشارع، والآن اكشتفوا أن الشارع معادٍ لإسرائيل، فهم يدركون أن الديمقراطية في مصر مشكلة، وهي تتعارض مع مصالحهم.. صحيح ان كل السياسيين في مصر يقولون «ان موضوع اسرائيل هذا مؤجل وعندنا بلد نريد ان نبنيه وبرلمان نكونه».. لك? لا أظن أن هنالك ترحيباً من جانب الغرب، فيمكن ان يبارك الديمقراطية في تونس وليبيا ولكن في مصر هناك مشكلة. ٭ من المخاوف أن القوة العلمانية إن خسرت الانتخابات سوف تنقلب على العملية الديمقراطية؟ ولكن ماذا تمثل في الآخر.. فإذا كانت عندك انتخابات فستعرف ماذا تعني كلمة القوة وما هو وزنها الحقيقي.. مثلاً في التعديلات الدستورية التي عُرضت في مارس الماضي كانت كل القوى العلمانية والليبرالية و...الخ .. كانت ضد التعديلات، والاعلام في مصر أيضاً ضد التعديلات، والأبواق والخطب والصحافة.. وأنا أحد الذين قلت إنه معنى ذلك أن التعديلات لا تمر، فهم استخدموا كل ما يملكون من رصيد بالقوة والتأثير طول «60» سنة ماضية، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ عندما حدث الاستفتاء نسبة «77%» وافقوا على التعديلات، وهذا كأن نصيبهم من التأ?ير لم يتجاوز «22 23%» وعندما يكون ثلاثة ارباع الشعب في اتجاه وانت وزنك لا يتجاوز الربع فماذا تستطيع أن تُعطل؟! ولهذا هم الآن ضد الانتخابات.. فأنت في غير انتخابات تستطيع ان تثبت حضوراً بالتلفزيون وتعمل منصات وصحفاً، ولم تحتكم فى كل هذا الى الشارع.. في غير انتخابات أنت تتحدث في الفضاء وبالانتخابات انت تنزل الى الارض.. فهم لا يريدون نزول الارض.. هذه المخاوف تنطلق متأثرة بالتعبئة الاعلامية، لكن التعبئة الاعلامية ليست لها علاقة بالاحتكام الى الشارع.. ولهذا أنا أشك كثيراً في أن يستطيع العلمانيون أن يعملوا شيئ?ً يعوق، لأن المسار في الشارع مختلف، والاقبال في الانتخابات كان يفوق العقل. ٭ هل فوز العدالة والتنمية في المغرب والنهضة في تونس يعتبر مؤشراً لنهضة إسلامية أم هو مجرد ردة فعل إسلامية، وأن الناس كرهت العلمانية والاستبداد؟ أنا أستغرب.. ولا أستطيع أن أحكي كلمة «النهضة الاسلامية» فهذا التعبير صعب ولذا أتعامل معه بحذر، لأن هذه شعوب مسلمة، وراشد الغنوشي عندما قال إننا لا نقترع دولة اسلامية بمجرد عمل دستور؟! ما هي أصلاً دولة مسلمة ولا تحتاج لشهادة في ذلك.. لكن انا أقول على الاقل أولاً أن موضوع هوية الدولة هذا موضوع مبكر، فنحن لدينا مشكلات اهم منه، مثل «البطالة والتخلف والتشقق في البنى الاجتماعية وأشياء كثيرة تحتاج للعمل فيها».. وأنا أقول هنالك ثلاث أو أربع قضايا في السياسة الداخلية «الديمقراطية والاستقلال الوطني والعدالة الاجت?اعية» وليست لها علاقة بهويتك الفكرية والسياسية والدينية، ولكن هنالك أشخاص يستدعون الهويات لكي تقدم البطاقات وتقول انا كذا وكذا.. وعند العقلاء المصالح العليا.. وبالمناسبة الناس غير مشغولة بدولة مدنية أو دينية بل مشغولة بأكل عيشها ومصالحها «مياه شرب نظيفة، خبز، صحة وتعليم» أشياء من هذا القبيل.. وأنا أخاف أحياناً من إسقاط مشكلات النخبة السياسية على المجتمع، حيث تتعارك النُخبة مع بعضها وتسقط مشكلاتها على الناس، فلهذا تستطيع أن تقول الناس «قرفوا» من الاستبداد والفساد، وممكن بعض المجتمعات قرفت من التحلل الاخلاقي? يعني هنالك غضب جماهيري لأسباب كثيرة، والسؤال من يتولى إنقاذ هؤلاء الناس من هذه المسالب؟! الناس غير مشغولة بمن يأتي إسلامي أو علماني.. ما يهمهم ان يأتي وطني نظيف .. وأنا كنت اقول باستمرار اتركوا قصة إسلامية أو دينية أو مدنية، وأتركونا في محاولة دولة ديمقراطية ما يختاره الناس نقبل به، طالما انه يحترم ارادة الناس ورغباتهم وليس احلامه هو الشخصية.. وتستطيع أن تقول الناس لديها عواطفها الاسلامية ..المهم هل سينجح هؤلاء في ان يكونوا تعبيراً حقيقياً.. وبالمناسبة ما فعله حزب العدالة والتنمية هنا «اسطمبول» نجح، بحيث ?نه لم يدخل بشعاراته الدينية أو الاسلامية، ولكنه دخل من باب خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم، وهذه خبرة اكتسبوها من البلديات ومن انشغالهم بالخبز النظيف والمياه وإصلاح الطرق.. وهنا السؤال ليس عن الهوية ولكن عن مدى الالتزام وعن خدمة المجتمع وإقناع الناس بأن بقاءه في السلطة أفضل لهم ولغيرهم. ٭ اتهامات شتى تطلق الآن تجاه النماذج الإسلامية.. كيف ترى تلك النماذج على ضوء صعود التيار الاسلامى فى المنطقة ديمقراطيا؟ أنا لا أفهم.. هل هذا «كتلوج» معمول سوداني أو أفغاني أو إيراني؟! والأمر حديث تبسيط.. وهناك خواجات لا يفرقون بين اردوغان وبن لادن.. والصحيح هو أن لكل بلد حساباته.. ونقول إن إيران فيها الخصوصية الشيعية الاثني عشرية وتقليد الامام والتزامهم بالمضي وراءه، وهذا لا يحدث في السودان وهذا الموضوع غير وارد .. وبعض الخواجات يقولون «ولو أحد يتخيل ما سيحدث في السودان او المغرب او تونس.. الرجل ذقنه كذا والمرأة لبسها كذا».. وهذا حديث خيالات غربية ولم يكتشفوا الاسلام الا من طلعة طالبان، ولكن اليس هنالك غير افغانستان ؟! و?قيقة بعض الاوربيين بدأوا يتحدثون ويقولون إن هنالك مجموعة معتدلة ويمكن التفاهم معها.. ونشير الى انه في تركيا الاسلام لم يثر مشكلة في الحجاب لأنهم يعرفون أن هنالك أولويات.. فهم في الأول يرون بمنظار أسود بنمط «سوداني أفغاني إيراني»، ثم حاكمونا كلنا بمنظاهرهم هذا، رغم اختلاف بلادنا وظروفنا. ٭ أيضا هنالك مخاوف من تحالف «داخلي» ضد ظاهرة صعود الإسلاميين؟ إذا فتحت الباب للسياسة فإنها تقبل هذا التحالف، بل هذا تحالف خاطئ لأنه يعمل استقطاباً، والاستقطاب له خطورته، وكنت أُحذِّرُ دائماً منه، وأظن أن بعضهم أدرك هذا، لكن إذا تحدثت على مناخ ديمقراطي فحق التحالف مقبول، لكن لا تستطيع أن تقول لهم لا، ولكن تقول لهم إذا فعلتم هكذا تكون عندكم مشكلة.. فهنالك حزب الكتلة فيه مشكلات وليس فقط تحالف بل يقوده قبطي وعلماني، وبالنسبة للأقباط الموضوع معقد قليلاً، بمعنى أن هنالك عدة اعتبارات.. كان في نظام ضعيف.. ضعف الدولة .. طبعاً المتعصبون رفعوا سقف مطالبهم وفي ذات الوقت الباب? شنودة رجل متشدد ومتعصب ومع التطرف القبطي ولو أن الناس مجاملة له لا يقولون هذا، والحصل ان ضعف الدولة وأحيانا سوء تصرفها أوجد حالة وشجع المتعصبين من الاقباط على رفع سقف طلباتهم، وأثر على هذا ما يسمونه «أقباط المهجر».. فموضوع الاقباط في مصر فيه حساسية على الجانبين، والحقيقة لا بد أن نقول إن السلفيين فى مصر أساءوا كثيراً إلى هذه العلاقة، وهنالك تعصب شديد عند أجيال الاقباط، وأظن أن الكنيسة تلعب دوراً في إذكائه بالاضافة لضعف الدولة، لكن نعتقد أن الحل الديمقراطي هو الكفيل بتذويب هذه المسألة، وإشراك الجميع في الع?ل العام وتحملهم المسؤولية التي تجمع وتسمح بأن يتصرفوا بوصفهم مواطنين بهويتهم الوطنية وليست الدينية.