عندما كنت مديراً لمكتب العمل الدولي في القاهرة وكانت كوادر الأحزاب السودانية تقيم معارضة في القاهرة (آخر التسعينيات) زارني المرحوم أحمد السيد حمد بصحبة المرحوم هاشم الرفاعي المحامي في منزلي، وتطرقنا في الحديث متسائلين لماذا لا يحتوي برنامج الحزب الاتحادي الديمقراطي على أي شيء خاص بالوحدة مع مصر. وهنا انبرى أحمد السيد حمد ليروي لي القصة التالية التي حدت بالسودان إلى الاستقلال، وهذا نصها: (في أيام الحكم الذاتي دُعي السيد إسماعيل الأزهري من قبل الحكومة البريطانية لزيارة بريطانيا وكان في معيته شخصي بصفتي مسؤول?ً عن إعلام الحزب والمرحوم يحيى الفضلي «أمين صندوق الحزب». وفي تلك الأثناء قمنا بزيارة إلى وزارة الخارجية البريطانية حيث دخل الأزهري في اجتماع منفرد مع سير/ آنتوني نتنغ «الذي كان وزيراً للدولة بالخارجية ومسؤولاً عن السودان». وبعد حوالى ساعة من الاجتماع الثنائي بين السير/ نتنغ والسيد/ الأزهري خرج الأزهري من عند الوزير مودعاً ثم اتجه نحوي وقال لي: (إني أخاطبك يا دكتور أحمد باعتبارك أول شخص يعلم بنيتي بما سأفعل في المستقبل القريب بصفتك المشرف على صحافة الحزب وأدبياته والمسؤول عنهما). وجلس معي السيد/ الأزهري وق?ل لي: (لقد أبلغني وزير الدولة للخارجية بأننا إذا أعلنا الاتحاد مع مصر فهناك احتمال قوي أن يجد هذا الإعلان معارضة قوية من كثير من السودانيين وخاصة من حزب الأمة مما قد تنتج عنه صدامات وحرب أهلية، وفي هذه الحالة فإن الحاكم العام سيضطر بموجب أحكام اتفاقية الحكم الذاتي أن يعلن حالة الطوارئ وأن يوقف العمل بالدستور المؤقت حتى يستطيع أن يسيطر على الأمن في البلاد، أما إذا انتظرتم وأعلنتم الاستقلال فستصبحون دولة ذات سيادة لها الحق والحرية أن تتصرف كما تشاء بالنسبة لعلاقاتها مع الآخرين إذا كان ذلك في صيغة اتحاد?أو وحدة أو غيرها ولا يستطيع شخص أن يطعن في عمل مؤسسي كهذا). ثم كان تعليق الأزهري لي أن قال: (لقد رأيت في هذا الكلام منطقاً معقولاً ومقبولاً وعليه فإنني سأتجه إلى إعلان الاستقلال من البرلمان، وفي المستقبل إن شاء الله سأطوِّر مفاهيم لمستقبل الوحدة مع مصر إذ أعددنا مسبقاً شيئاً من هذا القبيل. وإن إخطاري لك بهذه السياسة المتوقعة لكي تكون على علمٍ حتى تستطيع أن توجه ماكينة الحزب نحو ما نهدف إليه). * وكيل وزارة العمل الأسبق ومستشار منظمة العمل الدولية سابقاً