* لم أكن أعلم بأن ملامح وجهي ونظراتي تعكس صورة الحزن الذي إجتاح جوانحي وأنا أستعد لأداء صلاة الفجر في المسجد عندما داهمني إبني الصغير «إبراهيم» البالغ من العمر أربع سنوات بسؤاله المفاجئ :- «لماذا أنت حزين يا أبي؟» ولم أستغرب فصاحة عباراته التي إكتسب أكثرها من متابعة برامج الأطفال التلفزيونية «لعل سلامة النطق بالعربية إحدى حسناتها القلائل» ولكن أدهشتني شفافيته وقدرته على الوصول إلى دواخلي وقراءة ملامح وجهي عندما نظرت في المرآة.. فقلت له في تعلثم من ضُبط متلبساً بجُرم «عشان بحبك» فردَّ علىَّ «أنا ذاتي بحبك? ثم قبلني على خدي قبلة طويلة سرت كالعافية في جسدي.. وأستغفرت الله ثم إصطحبته إلى المسجد.. فأراحتني الصلاة وفرَّجت بعض كدري وغمي وحزني.. والحمد لله.. له الحمد في الأولى والأخرى . * كانت أول «مصيبهة» حلَّت بأسرتي الصغيرة في مثل هذا اليوم عام 1994م عندما توفيت إبنتي مرام الأولى غرقاً.. وما من مصيبة أعظم من الموت كما وصفه القرآن.. وكانت أبلغ مواساة تلقيتها من الأخ الكريم الأستاذ الطيب مصطفى الذي قال لي :- «محجوب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» فطاب خاطري وهدأت نفسي وجفَّ دمعي «لكن الموت ما بيتوالف» فقد فقدت أبي وأمي وجدتي وأخي وزوجتي وخالاتي وعماتي.. وفلذة كبدي «وكلنا زراعة موت» لا بد أن يأتي أوان حصادها.. ولم أفرح أبداً لموت «خليل إبراهيم» ولم أحزن.. مثلما شعرت عند موت القذافي?وغيرهما.. فقد أفضوا إلي ما قدَّموا.. وسيبعث الله كُلاً على نيته.. فليس لنا من الأمر شئ.. * لكن لابد من التنويه بجهود قواتنا المسلحة الباسلة وعلو كعبها في الميدان فلها التحية والتجلة والإحترام.. * ونؤكد على نبذ العنف وإعتماد الحوار طريقاً أوحد لحل المشاكل.. لا للحرب ونعم للسلام « متى تبعثوها تبعثوها ذميمة» لكن مصدر حزني الذي إكتشفه «إبراهيم الصغير» لم يكن بسبب إجترار الذكرى الأليمة بفقد «مرام الأولى» فقد عَّوضني الله عنها «بمرام» التي تستعد لخوض إمتحانات الشهادة السودانية هذا العام بإذن الله.. لكن ما أحزنني هو عثوري على قصاصة من صحيفة الرأي العام الغرَّاء تحمل خبراً فيه بشرى سارَّة للمواطنين يقول الخبر 13/11/2008 كشفت الهيئة القومية للكهرباء عن مسعى للخروج بالكهرباء من جسم مدعوم إلى جسم داعم بزياد? التوليد واحداث إستقرار وامداد الشبكة وقالت إن العام 2011م ستنخفض فيه تعرفة الكهرباء إلى نصف التعرفة الحالية.. وأكد الأستاذ الزبير أحمد الحسن وزير الطاقة والتعدين حرص وزارته على إعطاء أولوية قصوى لإقامة العديد من المحطات الحرارية والطاقة الشمسية والمائية والإستفادة من البيوغاز وإضاف لدى مخاطبته ورشة عمل «الكهرباء رأس الرمح في الإستراتيجية ربع القرنية» بالمجلس الوطني إن الكهرباء لم تعد من الكماليات لكنها حق أصيل للمواطن.. ومن جانبه إستعرض المهندس مكاوي محمد عوض المدير العام للهيئة القومية للكهرباء خطة الهيئ? طويلة المدى حتى عام 2030م لربط ولايات السودان بشبكة قومية موحَّدة واستغلال جميع الموارد المائية والحرارية المتاحة للوصول إلى (23078 ميغا واط) بتكلفة أكثر من ثلاثين مليار دولار.. كاشفاً أن في العام 2011م ستصل تعرفة الكهرباء إلى عشرة قروش للكيلو واط!! «عبد الرؤوف عوض.. الرأي العام 13/11/2008م» وهاهي سنة 2011م توشك على الرحيل «والحال في التعرفة يا هو نفس الحال». * ولم تَصُم وزارة الكهرباء والسدود أذنيها فقد طلب وكيل الوزارة من الشركات السودانية.. للتوليد الحراري.. التوليد المائي.. نقل الكهرباء.. توزيع الكهرباء.. وشركة كهرباء سد مروي.. «دراسة تكلفة إنتاج الكهرباء وأثرها على المشروعات الإنتاجية» فعكف حوالي عشرة من المختصين على إعداد دراسة دقيقة معتمدة على موازنات الشركات المذكورة متضمنة تكاليف الصيانة والتشغيل.. المصروفات.. الإدارية .. وتكلفة الوقود.. وتكلفة التمويل.. والإهلاك.. والتنمية. وخلصت اللجنة إلى أن تكلفة الإنتاج للكيلو واط/ساعة حسب الموازنة قد انخفضت عا? 2011م إلى عشرة قروش لكل كيلو واط/ساعة.. أي أن نسبة الإنخفاض من التعرفة المعَّدة للعام 2009م بلغت (41.6%).. وأوصت اللجنة تبعاً لتلك النتيجة أن ينخفض متوسط التعرفة بنفس نسبة إنخفاض تكلفة الإنتاج ولكل الشرائح «سكني زراعي صناعي تجاري» ورأت اللجنة إعادة النظر في الفئة الثابتة المسماة خطأً أجرة العداد بعد الإستعاضة بنظام الدفع المقدم. وغير ذلك من التوصيات.. وهذه النتيجة ستصب حتماً في صالح المواطن وتحسب لوزارة الكهرباء والسدود وإن سبقهم إليها بأعوام المهندس مكاوي بخطته طويلة المدى والتي أشارت إلى نفس التعرفة في ?ام 2008م لتصل إليها عام 2011م بعد مغادرة الهيئة القومية للكهرباء خارطة الهيئات الحكومية. وغادر الزبير الوزارة وغادر مكاوي الهيئة.. فالحق أن يُتبع.. والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى الناس بها. ومن ترفَّق بالأمة ترفَّق الله به... * ومصدر حزني أيضاً إننا نهزم إنجازاتنا الكبيرة بأمورٍ صغيرة فما كان لتكلفة إنتاج الكهرباء أن تنخفض لولا قيام سد مروي الذي أحطناه بصراعات كادت أن تنسينا إننا «بنينا السد» وزيادة أسعار المواد الغذائية والغلاء الفاحش الذي ضرب الأسواق حتى تململ الناس كان بالإمكان إعطاء دفعة مادية ومعنوية بخفض تعرفة الكهرباء وفق ما أشارت إليه الدراسة خاصة وأن ريع بيع الكهرباء لا يدخل خزانة المالية التي تسدد القروض التمويلية «بطريقتها» ثم ما يزيد من حزني أن تذهب مثل هذه التوصيات «شمار في مرقة حارة» ولن نسأل عن الأرباح الهائلة?التي تجنيها شركات الكهرباء.. ولربما بلغ الدخل اليومي من بيع الكهرباء تسعة مليار جنيه بالقديم .. ربنا يزيد ويبارك. وهذا هو المفروض