فى بداية عهد حكومة الانقاذ، وخلال عنفوانها الثورى وقتها ، اقدمت على تقديم محافظ محافظة سنار على النحيلة الى المحاكمة بتهمة الفساد واستغلال النفوذ ليكون «عبرة» لغيره وليكون مثالا وكبش فداء كما كشف عن ذلك عراب الحكومة الاول الدكتور حسن عبد الله الترابى عندما كان يتحدث الى «الصحافة» فى شهر رمضان الفائت. والآن بعد مرور اكثر من «20» عاما على حكم الانقاذ وتغير وجوه كثيرة فيها وجريان مياه كثيرة تحت جسرها، لم يتم تقديم أى مسؤول حكومى اخر ذات منصب رفيع الى المحكمة بتهمة الفساد، قررت الحكومة تكوين «آلية» لمكافحة الفساد فى الدولة، وتم تعيين الطيب ابوقناية مسؤولا عن هذه الآلية وتنحصر مهامها طبقا للقرار الرئاسي بمتابعة كل ماينشر ويبث عن الفساد فى وسائل الاعلام والعمل على التنسيق بين رئاسة الجمهورية والجهات المختصة فى وزارة العدل والمجلس الوطنى لاستكمال المعلومات والتقارير بشأن كل مايثار عن الفساد فى الدولة. وبررت الحكومة تكوين آلية لمحاربة الفساد بدلا عن تكوين مفوضية مستقلة لها بالقول ان تكوين مفوضية يجعل شبهة الفساد وكأنه امر واقع، كما ان المفوضية فى حد ذاتها جسم حكومى ويتبع للدولة وبالتالى لاتستطيع ان تكون مستقلة. ومع تلك المبررات التى ساقتها الحكومة لتكوين الآلية بدلا عن المفوضية فان رائحة الفساد واخبارها يتم تداولها وسط المواطنين خلال «ونساتهم» العادية وهم يرون موظفين عاديين فى الدولة يبنون بيوتا فخمة ذوات طوابق متعددة ، وفى مناطق مرموقة تصل قطعة الارض فيها الى مليارات الجنيهات ويركبون سيارات فارهة وبموديلات حديثة قل ان توجد حتى فى دول الخليج الغنية بالنفط. كما ان تقرير المراجع العام للدولة اقر بوجود جهات حكومية نافذة ترفض ان يتم مراجعة حساباتها والتى جنبت كثيرا من الاموال التى تقدر بمليارات الجنيهات. ونشرت صحيفة «الصحافة» فى شهر ديسمبر من العام الماضى تلك الجهات والتى من بينها القوات المسلحة والشرطة ووزارة الزراعة وغيرها من المؤسسات الحكومية التى تمارس التجنيب للمال العام. الاكثر من ذلك فان هنالك تقارير صحافية تتحدث عن وجود «لوبيات» كبيرة وقوية ومتجذرة داخل مؤسسات الدولة وتهدف الى حماية المفسدين، وليس اخرها المحاولات المستمية لمحاصرة القضية التى عرفت بقضية «المستشار مدحت» التى فجرتها الزميلة «السودانى « مؤخرا . هذا فضلا عن ان منظمة الشفافية الدولية ومن خلال تقريرها السنوي عن مؤشر الفساد في العالم والذي يغطي 180 دولة في العالم وضعت السودان فى المرتبة الثانية فى اسفل القائمة للدول الاكثر فسادا فى العالم العربى وليس تحته سوى دولة الصومال . ويتم قياس الفساد فى الدول عبر المنظمة وفقا لمقياس تصاعدي يتدرج من الصفر الى عشر درجات. وظلت المنظمة تنشر كل سنة ومنذ العام 1995 مؤشرا للفساد بناء على تصنيف 180 دولة في العالم وفقا لتحليل مجموعة دولية من رجال الأعمال والخبراء والجامعيين ظل السودان على الدوام فى ذيل الترتيب خلال هذه السنوات. وقالت المنظمة خلال حيثيات نشرها للتقرير ان الدول التي احتلت المراكز الدنيا فى التقرير والتى من بينها السودان كان بينها قواسم مشتركة كثيرة، فجميعها أنظمة هشة، وغير مستقرة، وتنخر أنظمتها آثار الحروب والنزاعات. وأضافت: «عندما لا يكون هناك وجود لمؤسسات القانون، أو عندما تكون ضعيفة، فان الفساد يستشري ويخرج عن السيطرة، وتنهب موارد الشعب، ويجري استخدامها في تدعيم الفوضى والعجز». وفيما رحب مراقبون تحدثوا «للصحافة» بفكرة تكوين الآلية غير انهم يرون انها تأخرت كثيرا فى الظهور، انتقد اخرون الخطوة واعتبروها اهدارا للمال العام وزيادة فى المصروفات التى تحتاجها الدولة ولكل جنيه منها. فالناشط في منظمات المجتمع المدني وعضو تحالف المحامين الديمقراطيين الدكتور أمين مكي مدني يدعو الى ضرورة تفعيل اقسام المراجعة الداخلية بالوزارات والمؤسسات الحكومية بدلا من انشاء جهات براقة لاتغني وتمنع ايقاف نزيف المال العام ، وقال مدني « للصحافة» انه كلما تراجع تفعيل تقارير المراجع العام باتخاذ الاجراءات ضد المخالفات المالية والادارية على مستوى المؤسسات الحكومية ينمو الفساد بصورة تجعل القضاء عليه صعبا ومكلفا .وابان مدني ان عملية طرح العطاءات الحكومية وممارسة المحاباة وتفشي الرشوة والمحسوبية اوساط المؤسسات يجب ان تجد حظها من تطبيق القانون الموجود دون الحاجة لانشاء المفوضيات وتقديم المتورطين بالعمل المباشر مع الشرطة والنيابة لمعاقبتهم واسترداد المبالغ المنهوبة. واعتبر مدني مجرد تكوين جهات بالرغم من وجود قوانين مباشرة امر لايعدو سوى «دبلجة» سياسية اكثر من كونها توفر ارادة لمحاربة الفساد الذي لايحتاج الى تكوين آليات بقدر حاجته لتفعيل القوانين الموجودة وتشديد الرقابة على ميزانيات واوجه الصرف وتفعيل المراجعة الداخلية. اما الخبير فى شئون الحكم والادارة الدكتور مختار الاصم فيعتقد ان تكوين آلية لمكافحة الفساد امر جيد وانه يمكن ان يسهم فى معرفة المفسدين وتتبع اخبارهم. واضاف ان هذه الآلية تحتاج الى التفويض الكامل والحقيقى لتنطلق فى عملها دون عقبات او اشكالات من الجهات المعنية.