لم يعد حلم إسرائيل بالتمدد من الفرات إلى النيل مجرد أماني أو أضغاث أحلام، بل هو إستراتيجية صهيونية عملت على تحقيقها دولة إسرائيل، وأحدثت هذا الاختراق الكبير في القارة السمراء والتي لم يكن لإسرائيل موطئ قدم فيها حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي، إلا مع نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، ومع تراجع الدور العربي وتلاشي الاهتمام بالحفاظ على العمق الاستراتيجي العربي توغلت دولة الكيان الصهيوني في أفريقيا وسعت لتمتين علاقاتها بدول حوض النيل، وعلى وجه أخص بمنابع النيل الأعلى . لقد تمتعت إسرائيل بعلاقات متميزة مع كل من يوغندا وكينيا وأثيوبيا، وهاهي دولة جنوب السودان تدخل ضمن قائمة العلاقات الإسرائيلية النشطة والفعالة في دعم تقسيم مياه النيل على أسس جديدة، حيث تسعى إسرائيل إلى تعزيز استثماراتها وتعاونها الاقتصادي في مجالات الزراعة والمياه، واستخدام إنشاء السدود على منابع النيل كورقة ضغط على المصالح الحيوية لدول المصب، خاصة الشقيقة مصر التي تشهد تحولات سياسية كبرى بعد ثورة 25 يناير 2011م، والتي أفرزت تقدم الإسلاميين في نتائج الانتخابات البرلمانية اخيراً . هناك توجه عالمي عقلاني ومستنير يرمي لزيادة التعاون بين الدول المشتركة في الأحواض المائية العالمية يتم فيه التنسيق بين الدول المتشاطئة في الجوانب الفنية وتبادل المعلومات، والعمل المشترك لجمعها في سبيل تحقق التوزيع العادل للموارد المائية، وتقوية آليات وإدارات الشراكة في المياه من خلال اتفاقيات ملزمة لجميع الأطراف المنتفعة بالمياه، مع الاتفاق على آلية دولية لحسم النزاعات وزيادة الاستثمارات في الخدمات المائية، وهذا ما تناوله مبحث قيم للإمام/ الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في كتابه (مياه النيل الوعد والوعيد)، تطرق فيه لما لخصه مجلس المياه العالمي من الرؤية الجديدة التي يريد أن تتبناها الإنسانية في العبارة الآتية: (لقد بددت الإنسانية مواردها المائية عن طريق الركون لمؤسسات معيبة، وإدارات سيئة، وإمكانات موزعة توزيعاً رديئاً، ونقص في استخدام أسلوب الحوافز. أمام الإنسانية الآن خياران: أن تستمر الإنسانية في سلوكها المعهود فتواجه كارثة، او أن تتبنى الرؤية المستنيرة وتحولها من التنظير للتطبيق تحت شعار: «الماء الشغل الشاغل للجميع») . وتبدو زيارة رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت لإسرائيل في أحد أوجهها تعبيراً عن أمتنان وعرفان من دولة الجنوب للمساعدات والدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري الذي تلقته الحركة الشعبية من الكيان الصهيوني حتى حصلت على الانفصال عن الشمال، وينبغي على القيادات الجنوبية أن تفطن لمدى التأثيرات السالبة للعلاقات بالكيان الصهيوني الغاصب على الشمال فأي تحد أمني «سياسي أو اقتصادي» في إطار دفع الفاتورة القديمة لإسرائيل سيقابل بالحزم اللازم، ولعل في زيارة قيادات «حماس» للخرطوم أبلغ رسالة .