رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة النظر في نسب تقسيم مياه النيل حتى ينال كل طرف نصيبه
قضايا ما بعد الاستفتاء(4-4)
نشر في الصحافة يوم 12 - 02 - 2011

يعتبر الماء العنصر الأساسي للكائنات الحية وسراً لخصوبة الأرض وازدهارها، مصداقاً لقوله تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيء حي } . فالحياة مرتبطة بالماء وجوداً وعدماً، ويستوي في ذلك حياة الإنسان والحيوان والنبات، والقصور في وجود الماء يعني تهديداً خطيراً للحياة والأحياء على السواء.إن السكان بطبيعة الحال يتزايدون وبمعدلات متفاوتة في جميع أنحاء العالم بصورة عامة، وفي العالم الثالث بصورة خاصة. هذا النمو المتسارع للسكان خاصة في دول حوض النيل أفرز احتياجات متفاوتة للمياه ، لتأمين الغذاء والاستهلاك المنزلي،وتوليد الطاقة الكهرومائية وغيرها من الاستخدامات المتعددة للمياه. ولأجل هذه الاحتياجات المائية المتزايدة لدول حوض النيل،انعقدت الكثير من المؤتمرات والندوات، لتأمين شريان الحياة للإنسان والحيوان والنبات، وسخرت التكنولوجيا المائية لتحد من الفواقد المائية، فضلاً عن تكنولوجيا تحلية مياه البحر. يجئ الاهتمام بالحديث عن مياه النيل هنا لاشتراك عشرة دول فيها، وربما أحد عشرة دولة إذا انفصل جنوب السودان . ولوجود اختلافات وعلاقات متباينة بين تلك الدول، وكذلك لارتباطها باتفاقيات وبروتوكولات قديمة ، متجددة بالمطالبة بإلغائها وفقاً لنظرية التغيير الجوهري في الظروف ، تلك النظرية التي تعطي الدولة المتضررة الحق في إنهاء أو إيقاف العمل بالاتفاقية وفق شروط معينة، فدول حوض النيل مرت وتمر الآن بظروف وتغيرات عديدة جعلتها منقسمة بين دول مطالبة بإلغاء الاتفاقيات القديمة الاستعمارية الموروثة « إثيوبيا ، يوغندا ، كينيا ، رواندا ، بوروندي ، الكنغو الديمقراطية، تنزانيا»، وهذه جميعها دول منابع. ودول متمسكة بالحقوق المكتسبة من الاتفاقيات القديمة «مصر والسودان». ودولة غير منضوية حتى الآن في مجموعة دول حوض النيل « اريتريا» وتشارك بصفة مراقب. إن الإشكالية الكبرى في اتفاقيات مياه الأنهار الدولية تتمثل في أن القانون الدولي لم يوفر أساساً قانونياً واضحاً يتيح للأطراف المتنازعة فرصة الاحتكام لمبادئه ، كذلك ومن وجهة أخرى تتزايد أزمة المياه في العالم المعاصر في الوقت الذي لا يخضع فيه حوض نهر النيل لاتفاقية شاملة لتقسيم المياه. إن القاعدة الأساسية في النظام القانوني الدولي ، هي العقد شريعة المتعاقدين أي الثبات ، ولكن الإستثاء أن هناك جانباً متغيراً ومتطوراً في الحياة عامة بكل نظمها الطبيعية والبشرية والنظام القانوني فيها.
نماذج عالمية
أصبحت الانهار الدولية ( التي تشترك فيها أكثر من دولة ) مصدرا للنزاع وربما للحروب في العديد من دول العالم .وسوف يتم التعرض ?لي بعض الانهار التي اصبحت مجالاً للنزاعات ولتدخل اطراف خارجية لفض النزاع واعادة تقسيم الموارد المائية فيها.
* نهري دجلة والفرات:
يشكل نهري دجلة والفرات مواردا للمياه لكل من تركيا وسوريا والعراق. لم تكن هناك مشاكل سياسية أو قانونية تثار حول استخدام مياه دجلة والفرات بسبب وقوع النهرين من المنبع حتى المصب تحت سيادة دولة واحدة هي تركيا ( الدول العثمانية) . إلا أنه بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية ، وانفصال سوريا والعراق عن السيادة التركية ، اختصت تركيا بالمنبع والمجري الأعلى لنهر الفرات ، وسوريا بالمجري الأوسط للفرات ، فما اختص العراق بنهر دجلة والمجري الأدنى لنهر الفرات ( العراق دولة مجري ومصب النهري) (39). كانت سوريا تحت الانتداب الفرنسي ، والعراق تحت الانتداب البريطاني .
عقدت بعض الاتفاقيات والمعاهدات بين تركيا ودولتي الانتداب نيابة عن سوريا والعراق ، ولم يكن هدفها تنظيم الانتفاع بمياه الأنهار بين تركيا والعراق وسوريا معاً تنظيماً كاملاً . بل اكتفت بوضع بعض القواعد العامة التي تسجل حقوق دولة المجري الأسفل لهذه الأنهار في الانتفاع بالمياه بصفة عامة ، وحماية نهر الفرات من أي تصرف انفرادي تقوم به دولة المنبع (تركيا) النص الوحيد الذي حدد تعهد الجانب التركي بإطلاق نسبة معينة من مياه الفرات وتعهد تركيا بتوفير 500م3 . وكذلك الاتفاق السوري العراقي الموقع في أبريل 1990م والذي جاء فيه أن تكون حصة العراق 58 % وحصة سوريا 42% من المياه الواردة عند الحدود التركية السورية ، إلي أن يتم التوصل إلي اتفاق نهائي ثلاثي حول قسمة المياه (40).
أهم تلك الاتفاقيات والبروتوكولات :
(معاهدة لوزان ديسمبر 1920م عقدت بين فرنسا وبريطانيا وتركيا ، معاهدة أنقرة أكتوبر 1921م بين تركيا وفرنسا معاهدة الصلح الوزان 1923 م بين تركيا وفرنسا وبريطانيا ، معاهدة الصداقة بين تركيا وفرنسا مايو 1926م ، معاهدة صداقة بين العراق وتركيا مارس 1946م ، المفاوضات الثلاثية بين تركيا وسوريا والعراق (1965 ? 1970م) بروتوكول التعاون الاقتصادي الفني بين العراق وتركيا يناير 1971م ، وديسمبر 1980م ، اتفاق سوريا والعراق أبريل 1990م ، بروتوكول التعاون بين سوريا وتركيا لعام 1993م) (41).
الرؤية التركية لمياه نهري دجلة والفرات :
إن نهري الفرات نهراً عابراً للحدود وليس نهراً دولياً . تؤكد تركيا أن نهري دجلة والفرات يشكلان معاً حوضاً واحداً وليست نهرين دوليين ، بل مجري عابر للحدود .
ترغب تركيا قي بيع المياه بإنشائها لمشروعها الكبير (أنابيب نقل المياه ? أنابيب السلام) دون التقيد بما تنص عليه الأعراف والقوانين الدولية متجاهلة موقف شركائها في حوض نهري دجلة والفرات ? (هدفه مقايضة البترول بالمياه) ولكن يتوقف تنفيذه علي سماح سوريا بمروره في أراضيها . إن أنقرة تمتلك ثروات المنطقة المائية ، والعرب يمتلكون ثروات المنطقة النفطية ، في 6/5/1990م أكدت تركيا السيادة علي مواردها المائية ولا ينبغي أن تخلق السدود التي تشيدها علي نهر دجلة والفرات أي مشكلة دولية يجب أن يدرك الجميع أن نهري دجلة والفرات ليستا من الأنهار الدولية ، فهما نهران تركيان في المنطقة الأخيرة التي يغادران فيها الإقليم(42) .
في أكتوبر 1992م أعلنت تركيا رغبتها في تحديد الاحتياجات من المياه لكل دولة علي أساس إجراء مسح مشترك للأراضي القابلة ، للري الأمر الذي رفضته سوريا والعراق ، واعتبرتا ذلك حق لكل دولة مستقلة في تحديد احتياجاتها من المياه وفق المواثيق والقوانين والأعراف الدولية والتاريخية المعروفة (43) . وهكذا تثيرتركيا مشكلة البترول دائماً عندما تثار مشكلة المياه .
وترى تركيا إن سوريا والعراق لا يستخدمان الكمية المتوفرة لهما في الوقت الحالي ، وأنه لا يمكن زيادة تدفق المياه إلي الدولتين بعد انتهاء مشاريعهما علي نهر الفرات لحاجتهما لكل قطرة ماء .
الرؤية العراقية لمياه نهري دجلة والفرات :
الحقوق المكتسبة (احترام الاستهلاك السابق للدول الثلاثة) ، والتوزيع العادل لمردودات الأنهار التي توفرها المنشآت الهيدروليكية .
1. استغلالية الأحواض ، فتركيا وسوريا تعتبران نهري دجلة والفرات ، فرعين لنظام هيدروليكي واحد (ترك نهر دجلة للعراق) وتقاسم نهر الفرات بين سوريا وتركيا ، وهذا الوضع يخلق حقاً مكتسباً يحرم علي العراق الحصول علي مياه الفرات .
2. تعتبر العراق نهر الفرات نهر دولي شأنه شأن نهر دجلة ، وتؤكد علي ضرورة تقاسم مياهه بين مختلف الدول .
الرؤية السورية لمياه نهري دجلة والفرات :
1. أن نهر الفرات نهراً دولياً وتطالب سوريا أن تحكم مبادئ القانون الدولي تقاسم مياه نهر دجلة والفرات . وبالتالي احترام الحقوق المكتسبة .
2. العلاقات المتدهورة بين العراق وسوريا خاصة في فترة حرب الخليج الثانية ، ففي الوقت الذي كانت فيه حرب قوات التحالف ، كانت تركيا تملأ من سد أتاتورك ، ولا تترك سوي قدر ضئيل من الماء ينساب في الجزء السفلي من الفرات ، واصلت دمشق استخدامها لمياه النهر بشكل طبيعي ، الأمر الذي أدي إلي هبوط منسوب المياه في النهر الواصل إلي العراق بشكل خطير للغاية وهكذا .
3. لا يتفق الموقف السوري مع الموقف العراقي .
البعد السياسي حول الخلاف السوري التركي العراقي بشأن المياه :
شكلت مسألة تقاسم مياه الفرات سوء تفاهم بين الثلاثة دول العراق ، سوريا ، تركيا ، ويرجع ذلك إلي العديد من الاعتبارات الداخلية والخارجية ، الإقليمية والإستراتيجية المعقدة والمتناقضة بين تلك الدول وطبيعة العلاقات بينها ويمكن حصر ذلك في الآتي :
1/ الخلاف التركي السوري :
?أ) المشكلة الكردية : تتهم تركيا سوريا بدعم حزب العمال الكردي في المطالبة بالاستقلال في الجنوب التركي ، وقد هدد توجوت أوزال في سبتمبر 1989م بقطع المياه عن سوريا إذا لم تلتزم بالاتفاقيات الأمنية التي تقضي بمنع النشاط الكردي بها (44).
?ب) مشكلة لواء الإسكندرونة ? تتهم تركيا سوريا بالتلاعب بمياه نهر العاص الذي يجتاز الحدود التركية مع سوريا ، فيما لا تعتبر سوريا نهر العاص نهراً دولياً علي أساس عدم اعترافها بضم لواء الأسكندرونة تحت السيادة التركية (45).
?ج) وجود شواهد بترولية في سوريا ، ورغبة تركيا القوية لمقايضة البترول بالمياه فقد صرح سليمان ديميرل عند افتتاح سد أتاتورك في يوليو 1992م (إن منابع المياه ملك لتركيا كما أن النفط ملك للعرب ) (46).
?د) وقعت سوريا اتفاقية ثنائية مع اليونان (عدو تركيا) يحق بموجبها لليونان هبوط قواتها الجوية علي الأراضي السورية (47).
الخلاف التركي العراقي :
1. دعم العراق لحزب العمال الكردستاني ، واستخدامه لأراضي بشمال العراق كمقر دائم واستقرار وانطلاق هجماته ضد تركيا منها .
2. كانت تركيا قاعدة للهجوم علي العراق في حرب الخليج الثانية 1990م وأعلنت تركيا بعد حرب الخليج الثانية بسيادتها علي مياه نهري دجلة والفرات وأنها لا تقبل مناقشة الأطراف الأخرى (سوريا ، العراق.) .
الخلاف السوري العراقي :
الخلاف الأيدلوجي بين جناح حزب البعث ، وقادة هذا الخلاف إلي تأييد سوريا لإيران في حربها مع العراق (حرب الخليج الأولي 1980م ? 1988م) .
عموما حتى الان ماتزال الخلافات قائمة ولم يتم التوصل لاتفاق بعد.
الخاتمة
لا شك أن استفتاء تقرير مصير الجنوب يفرض أوضاعاً استثنائية علي المنطقة بغض النظر عن نتيجته . فمجرد التفكير فقط في احتمال انفصال الجنوب يجعل الاستراتيجيات كلها تضطرب وبالتالي تتهيأ دول الإقليم إلي وضعية استثنائية تعمل علي التحسب لها وهنالك موضوعات استراتيجية في تحول الإستراتيجيات هي النفط والمياه. وهذه النزاعات ظهرت كحقيقة في اتفاق عنتيبي حيث تداعت دول المنابع وهي ذات الدول التي تعمل بقيادة كينيا علي خلق شراكة اقتصادية معها لتعيد ترتيب مصالحها وحقوقها في المياه . لكن التغيرات المناخية فرضت وضعيات جديدة ووضعت هذه الدول أمام تحدي الحصول علي المياه .
النتائج:-
* نهر النيل أصلاً نهرا دوليا متتابع وليس نهرا حدودي ، لأي من دول الحوض وبالتالي لا يوجد أساس أو دليل أو حجة قانونية للنقاش في هذا المجال.
* إن التوصل إلى اتفاق جديد بشأن توزيع حصص المياه على كل دول حوض النيل (48)يستند إلى الأثر القانوني الفعال لتغير الظروف على اتفاقيات مياه النيل ويطرح فكرة إلغاء الاتفاقيات القديمة جملة وتفصيلاً ، وإحلال اتفاقية جديدة في شكل معاهدة شاملة محلها . وبذلك يدخل النظام الإقليمي لدول حوض النيل في معالجة التوازن المائي من منطلق مصالح كل دول حوض النهر ، مستصحباً المبادئ القانونية والقواعد الدولية التي تنادي بفكرة عدالة توزيع المياه، وعدم الإضرار بالغير ، وقاعدة المساواة بين الدول المتشاطئة في استخدام المجري المائي الدولي.
* لا أحد يستطيع تجاوز التغيرات المناخية الكبيرة وقلة هطول الأمطار، وهلاك الزرع والضرع . لذلك فإن الموضوع الرئيسي في منطقة البحيرات وشرق إفريقيا هو كيفية تأمين الغذاء لملايين المواطنين الذين تتهددهم موجة الجفاف وقلة هطول الأمطار .
* إن الزيادة المتوقعة في درجات الحرارة على نطاق الكرة الأرضية ، ستحدث تغييرات جذرية في بعض أجزاء العالم ، فالفيضانات والجفاف وتلوث جودة المياه كلها مؤشرات جديدة ، وبالتالي فإن المعاهدات الثنائية ومتعددة الأطراف ستكون قد عفا عنها الزمن ، ومن ثم فإن الدول تحتاج إلى إعادة التفاوض حول تلك المعاهدات ، من أجل تخصيص قسمة المياه ، وإلا فإن حروب ونزاعات متبعة ستسود ، فالحاجة لتقنين قواعد القانون الدولي أمر هام جداً في تلك الظروف.
* إن الأقطار ذات الندرة في المياه خاصة في المناطق القاحلة ، حيث الحاجة إلى الري ستجبر على استيراد الغذاء ، ونسبة لأنها غير قادرة على إنتاج الغذاء لسكانها المتزايدين ، والغذاء المستورد يحتاج إلى العملة الأجنبية لسداد وارداتها ، ومن ثم فإن الفجوة ستتسع لأن الدول المتقدمة ستخصص المياه للقطاعات ذات العائد العالي كالصناعة أو السياحة بينما الأقطار الفقيرة ستجد المصاعب حتى في تغذية سكانها المتزايدين ، الأمر الذي ينبغي أن ينتج في مكان ما، ومن ثم فإن الحاجة للتعاون الدولي حيوية.
* أن الزراعة هي هاجس دول شرق إفريقيا وقد كانت حملات منظمات الفاو والأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني تتحرك علي مستوي واسع لكيفية وضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهة مواسم متتالية من الجفاف، حيث إن أكثر من 6 ملايين معرض للجوع في منطقة تنزانيا وكينيا وأوغندا بسبب قلة الأمطار .
* لقد خاضت المخابرات الإسرائيلية أشرس المعارك المائية حتى وصلت إلي اتفاقية عنتبي الإطارية . والتي استخدمت فيها مبدأ إعادة النظر في التاريخ بميزان الواقع والمستقبل ، وليس لواء إقصاء مصر والسودان . عكس الجانب المصري الذي يري في مطالبة الآخرين (دول المنابع) سوى نظرية المؤامرة من قبل أطراف خارجية تضغط علي دول المنابع . ولكن نظرية المؤامرة لا يمكن تسويقها الآن بالنظر للتهاون الخطير والانسحاب من مواجهة طلبات دول المنابع المتكررة دوماً بحاجتها الفعلية للمياه . يجئ هذا الحديث في ظل انعدام إستراتيجية مصرية مائية ، ووضح ذلك من خلال التصريحات والوعيد والتهديد . مقابل وجود فعلي وواقعي لإستراتيجية أمنية إسرائيلية كجزء لا يتجزأ من العقيدة والوجود والمستقبل المرتبط بنظرية الأمن المطلق .
كما يمكن رصد بعض التوصيات وهي:-
* ضرورة إعادة النظر في نسب تقسيم مياه نهر النيل بين دول حوض النيل ، حتى ينال كل طرف نصيبه المائي الذي يساهم بقدر كبير في عملية التنمية الزراعية والاقتصادية.
* ضرورة إقامة أنساق تعاونية بين دول حوض النيل ، لأن التوترات السياسية بين تلك الدول قد تمنع أو تضعف التعاون والتنسيق في مجالات سياسات المياه.
* يجب النظر لنهر النيل كمنظومة بيئية متكاملة وليس مجرد مجرى مائي . فحوض النيل الذي تشترك فيه عشرة دول ،» أحد عشر دولة» يجب أن يخطط لإدارته على المستوى الإقليمي ، على أن يتم تنفيذ المشاريع على كافة المستويات الإقليمية والقومية والمحلية مما يتطلب إقامة المؤسسات التي يناط بها وضع السياسات والخطط.
* لابد للسودان (الشمالي) الاستفادة من الأخطاء التي صاحبت التوقيع على اتفاقية مياه النيل مع مصر عام 1959م ، حيث يجب التأني والتريث ، ودعوة الخبراء والقانونيين لمراجعة الخطوات التي تتم بهدف التوصل لتوجه ونهج مستقبلي يحفظ للسودان مصلحته، وإن دعا الأمر للاستفتاء الشعبي، خاصة وأن إمكانية الاختلاف حول مياه النيل داخل السودان أمر وارد.
* علي جميع الدول المتشاطئة في نهر دولي ، أن تعمل علي عزل العمل في مجال المياه عن الاعتبارات السياسية التي كثيراً ما تؤدي إلي فشل المشروعات المشتركة .
* السودان في وضع وسط بين دول المنبع ودولة المصب ومن مصلحته أن لا ينخرط مع تيار معين (مصر دولة المصب) دون الآخر (دول المنبع). خاصة وأنه مقبول من دول المنبع إذ عليه القيام بتبيين حق كل دول الحوض في الاستفادة من النيل دون الإضرار بالآخرين. فالصراع في الأساس بين دول المنبع ومصر دولة المصب. و يمكن أن يستغل السودان قضية المياه المتفجرة لحل ملفاته العالقة والمعقدة مع مصر «قضية حلايب « .
* يجب أن يحاور السودان ومصر دول المنابع ، كل على حدة وليس في شكل تكتل عبر الاجتماعات .
* أن جنوب السودان كدولة في 9 يناير المقبل 2011م يمكنها أن تقارب وجهات النظر بين الدول المتصارعة وذلك لقرب الجنوب من تلك الدول وتعاطفها مع جنوب السودان وشعبه، والدبلوماسية التي تستخدمها حكومة الجنوب خارجياً خير دليل ، فجنوب السودان يمكن أن يكون المفتاح لحل الأزمة الناشئة الآن بين دول المنبع والمصب .
* ورقة قدمت في المؤتمر السنوي الرابع للجمعية السودانية للعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.