أخذ الصراع داخل أروقة الحزب الحاكم بولاية النيل الأزرق منحى خطيرا وغير مسبوق مسفرا عن انشقاق داخل جسد الحزب الذي اضحي بين ليله وضحاها حزبين ،كل واحد منهما يؤكد شرعيته ويرفض الاعتراف بالطرف الاخر. والصراعات ظلت طابعا مميزا للمؤتمر الوطني بولاية النيل الأزرق منذ بداية هذه الألفية وابرزها كانت بين ابومدين وأحمد كرمنو وبين الاول وفرح عقار واخيرا بين تياري ابومدين ووزير الشباب والرياضة العاقب عباس زروق ،وكثيرا ماتدخل المركز لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء ،الا ان كل محاولاته لم تنجح في وضع حد لها ،لتتصاعد بشكل واضح عقب احداث الفاتح من سبتمبر التي شهدت اندلاع الحرب بالولاية واقالة مالك عقار ،حيث طال اتهام التنسيق مع الوالي السابق 32 من قيادات الحزب ليحدث هذا الامر شرخا كبيرا في جسده،ويعتبر مراقبون ان تلك المرحلة شهدت تصفية حسابات كبيرة ،وان هناك قيادات مارست اغتيالا معنويا ضد منافسين في الحزب عبر اطلاق شائعات تشير الي تعاونهم مع مالك عقار لتأليب المركز عليهم وذلك لاقصائهم ،وتصاعدت حدة الخلاف أخيرا ووصلت الي مرحلة بروز حزبين الاول باسم المؤتمر الوطني «أ» والثاني بذات المسمي ويرفض كل طرف ان يكون في خانة المؤتمر الوطني «ب» . وتعود جذور الانقسام الاخير الي الخلاف الذي شهده الحزب بين مجموعة نائب رئيس الحزب عبد الرحمن ابومدين ،ووزير الرياضة العاقب عباس زروق ،ويتهم التيار الثاني نائب رئيس الحزب بعدم اتباع المؤسسية والهيمنة علي القرارات والانفراد بها ،فيما يري ابومدين خلاف ذلك بل وجه في حوار مع الزميلة «الوطن» اتهاما مباشرا لعدد من وزراء حكومة الهادي بشري بتعاونهم وتنسيقهم مع مالك عقار قبل احداث الفاتح من سبتمبر وطالب من خلال الحوار بابعادهم ،وعلي اثر الاتهامات المتبادلة بين التيارين توسعت شقة الخلاف وهو الامر الذي القي بظلاله السالبة علي تكوين حكومة الهادي بشري الجديدة كما اثر علي الحزب ،وهو امر اعتبره مراقبون غريبا وذلك لأنه جاء في وقت حرصت خلاله حتي الاحزاب المعارضة للمؤتمر الوطني بالنيل الأزرق علي التوحد والوقوف خلف الوالي عقب الاحداث الاخيرة. ولكن نائب رئيس الحزب عبد الرحمن ابومدين يعتبر في حديث ل«الصحافة» ان الخلافات التي يشهدها المؤتمر الوطني بولاية النيل الأزرق ليست وليدة الاحداث الاخيرة، ويشير الي انها موروثة منذ اندلاع ثورة الانقاذ التي قال انها في بداية فترتها استعانت بزعماء القبائل والمناطق لاستقطاب المواطنين وذلك لدعمها وتقويتها ،وقال ان تلك الفترة لم يكن هناك تركيز علي كفاءات العمد والمشايخ ،وان الاهتمام انحصر في قدرتهم علي استمالة المواطنين لتأييد الثورة الوليدة وقتها ،وقال ان في تلك المرحلة كان دور المحافظ ينحصر في العمل التعبوي والسياسي والدعوي والامني وكانت معظم القيادات الشعبية غير مؤهلة ،وكان الجانب القبلي والجهوي طاغيا وموجودا ، وانه لم يكن هناك تركيز علي كفاءة من يتولي المنصب ،وان الولاء كان مقدما علي الكفاءة ،ويضيف:ولكن في المرحلة الثانية من عمر الانقاذ جاء دور المعتمد الذي اضيفت اليه مهمة خامسة وهي التنمية ،ولتعاظم المسؤوليات كان التركيز علي المعتمدين المؤهلين ،ومن هنا بدأت الصراعات وذلك لأن الذين قادوا المرحلة الاولي كانوا يرون انهم الاولي بتولي المناصب ،ومن هنا بدأت الخلافات بصورة واضحة ،بل حتي المؤسسات في تلك الفترة قامت علي القبلية والجهوية،ويؤكد ابومدين ان الحزب قبل عام 2009 لم يكن يعقد انشطة سياسية ولم يكن له وجود ،مشيرا الي انه بعد توليه رئاسة الحزب عمل علي تنشيطه علي الاصعدة كافة ،وحول الصراع الاخير يرجع ابومدين اسبابه الي حرص الكثير من القيادات علي التشبث بالمناصب الوزارية ،وقال انهم في الحزب يعملون علي اتاحة الفرصة للشباب والمرأة للمشاركة في الحكم ،مؤكدا انهم ضد سياسة «الكنكشه» ،كاشفا عن ان الحزب يدار خلال هذه المرحلة بالمؤسسية وليس عن طريق الافراد،نافيا عدم وجود صراعات بالحزب. واذا كان الحزب يدار بمؤسسية وشوري بعيدا عن سيطرة الافراد فلماذا ظهر تيار ثاني يؤكد شرعيته وهل اعضاؤه هم الذين دمغهم نائب رئيس المؤتمر الوطني بالولاية بالتشبث بالمناصب،طرحت «الصحافة» هذه الاسئلة علي القيادي بالحزب معتصم ساتي علي حسن المحسوب علي مجموعة الوزراء التي يقودها العاقب عباس زروق المعارضة لسياسة ابومدين ،فجاءت اجابته بالنفي ،مؤكدا عدم وجود مؤسسية بالحزب ،مشيرا الي ان المناصب لاتدخل ضمن اولويات مجموعته ،وارجع اسباب الخلاف الاخير داخل المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق الي عدم العمل باللوائح التي تحكم الحزب ،مضيفا:الحزب يدار بعيدا عن اللوائح التي تم تغييبها تماما في كل انشطة الحزب وذلك لأن كل «زول» يسعي «لتكبير كومه» بتقريب البعض وابعاد واقصاء اخرين ،ونحن ظللنا نطالب بتفعيل وتطبيق لوائح الحزب ورفعنا طلبنا كمجموعة عن طريق اجهزة الحزب ،واكدنا اننا مع مبدأ المحاسبة خاصة فيما يتعلق بقائمة الاثنين والثلاثين التي اتبع خلالها نهج اذا سرق الشريف تركوه واذا سرق الضعيف اقاموا عليه الحد ،وذلك لان هناك من وردت اسماؤهم في القائمة التي تعاونت مع عقار ولم تخضع لمحاسبة؟؟ ،بل ان بعضهم تم تكليفه بادارة امانات في الحزب بعيدا عن الشوري ،ومثلما اتخذ البعض القائمة لتصفية حسابات شخصية لابعاد واقصاء القيادات القوية ،جدد نائب رئيس الحزب ذات المنهج اخيرا من خلال تصريحاته الصحفية ولقاءاته المختلفة محاولا تصوير المجموعة التي طالبت بالاصلاح والمؤسسية انهم طلاب مناصب،وطالب ساتي بتفعيل نص المادة 15 من اللائحة التي تشير الي ان الوالي يجب ان يكون هو رئيس الحزب في الولاية المعنية وذلك منعا للازدواجية وتضارب الاختصاصات ،ونفي ان يكون هناك تنسيق بينهم والوالي الهادي بشري ،مؤكدا علي ان كل مشاكل المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق تعود لعدم وجود المؤسسية والشوري ،مجددا رفضهم لتهمة لهثهم وراء المناصب ،ومشيرا الي ان تيارهم كل يوم يمضي في زيادة ويشهد انضمام عدد مؤثر ومقدر من القيادات البارزة وذلك لأن الجميع يبحث عن احقاق الحق وتغيير الواقع داخل الحزب الذي اعتبره يدار بطريقة لاترضيهم . ويري مراقبون ان خلافات المؤتمر الوطني بولاية النيل الأزرق في هذه المرحلة تشكل خطورة بالغة علي الولاية والحزب علي حدا سوا،مشيرين الي ان الصراع اخذ منحي شخصيا وهو الامر الذي يصعب من امكانية حله من قبل المركز ،ويرون ان الحل يكمن في اصدار قرار من قبل مركزية الحزب يضع كافة الصلاحيات في يد الوالي المكلف حتي يتمكن من توحيد الحزب.