المراكب تطفو سابحة كعرائس في ليلة الزفاف ؛ في كبرياء وإزدهاء. الناس يمورون جيئة وذهابا ؛ الأفق الوردي يغدو داكنا بعد المشرق , والمشرع الولهان يتجلى ثابتا ثبات الطود؛ المنحدر يتمدد يتوشح كجرف جبلي تكسوه المتسلقات . الأديم يتدثر بدثار أخضر شرق النهر الساجي الساهم ? يكسوه ثوب زبرجدي. يحاول موسى ، يحاول موسى تارة أخرى والشبكة تنبع صفرة اليدين العملية الرتيبة تتكررمثنى وثلاث بل مئات المرات.. مجوعة السنانير فلينها الخيف الطائش يطفو. لتداعبة أنامل العباب النشوان وتعبث به صغارالأسماك. الشمس الضاحية تسمو رويدا رويدا وشعاعها يتخثر في زهو..ماأنفك الحال كماهو ، تمردت الفرائس . وهناط أطفال زغب الحواصل يتضورون جوعا في إنتظار ريثما يأتي الأب محملا بالسمك والنقود.ماأتعس الأرمل ! ينوح في الداخل نواح الثاكلة بينما يتماسك في الظاهر ليبدو صلبا. القلق التوتر اليأس الأحباط غرق في بحيرات عميقة . غدا فريسة سهلة للتشاؤم والتطيّر من هذا اليوم المنكود وكلاب النحس تطارده وتنهشة. ماألعن هذا اليومّ. وهويردد في سره يالله يامقسم الأرزاق ماذا فعلت البارح ؟ هل عصيت الله ألم أصل ؟ هل عققت والدي العجوز؟ ثم شرع يدندن عله ينسى مأساته والشمس تنحو المغرب المحتضر في خيلاء وعسجد الأصيل ينسكب على صفحة الماء مشكلا لوحة تضاهي سماءليلة مقمرة.عقارب الجوع تلدغه لدغا ، الأمل يذل رويدا رويدا ؛ماعساه أن يقول حينما يقفل عائدا صفر اليدين؟ من الأفضل أن يغوص ويتوارىفي السوق خوفا من إستجواب الصبية وجدتهم العطوفة الشفوفة. فجأة ظهر آدم زميله القديم على هذا الشاطيء الوسنان .أشهر صائد سمك.أثرى سريعا وفي ظروف شائكة وغامضة بعد أن عمل بالسياسة. غدا من الذين يشار اليهم بالبنان. عضّ موسى بنان الندم.لماذا لم يقتف أدراج آدم ومسالكه الوعرة؟ألم يطلب منه أن يزامله في رحلته التي قادته إلى بحيرة الثراء؟. تردد وهو يرمق هذا السيد السمين المترف وسيارته المطهمة، ولازال صدى ضربات مجاديفة للنهريتردد. وتلك مركبة الهرمة المهشمة التي لم يتركها تنعم في متحف الذكريات. نحاه في مودة. تصافحا تعانقا في سور وحبور ؛ لم يتكبر ولم يتنكر. فتح لونه وغدت يداه ناعمتان طريتان غضتان؛ وكانت خشنة خشونة المبرد. حاولا إستيقاف الزمن وطرائفة.الأخفاق النجاح. الفقرالبؤس. مذاق الحشيش، النهوض مبكرا فيا لشتاء والصيف. أجهشا في الضحك حينما تذكرا قصة غرقهما والبرد القارس في أوجه حينما ثقب القرد المركب. ثم تجادلا عن السمك المقلي الذي سرقه منهما الحارس في الغابة. عشرات الطرائف. تذكر رجل الأعمال بأن كل دقيقة يمكثها هنا محسوبة عليه ماأكثر الأجتماعات والصفقات. سأل آدم موسى في دهشة منهيا الطرائف:- - هل تزوجت؟ - أتزوج ! كيف؟ من التي تقبل أن يقتلها الجوع؟ أتمزح؟أنا سماك! - لابد - كيف تربي أطفالا بغير أم - هذا ماقسمه لي الله. - وأنت هل تزوجت؟ - مثنى وثلاث ورباع.. - إذن سأتزوج سماكة لتعاونني. أدخل آدم لموسى مائة جنيه في جيب زميله القديم ثم همّ بالأنصراف ،أردف . - هذه ذكريات هذا الشاطيء الذي لن أنكر جميله.. وقبل أن يغادر عاوده الحنين أمسك الشبك متسليا. تقوّس تحدّب أنثنى ثم نثرها ونشرها كمظلة بحرفية عالية، ثم طفق يسحلها ويسحبها شيئاً فشيئاً، هاهي تخرج مفعمة بالبلطي المترهل بأطرافه المخضبة.أنذهل موسى وقال في دهشة: - الم أرمها مائة مرة؟ يالك من مرزّق! تاق الصائد لأن يكرر صديقة العملية عدة مرات.؛ ولكن الرجل أشاح برأسه وآثرالتواري من المسرح . سيصطاد في بحار أحرى سمكها أكبر وأسمن .ثم دمدم في حبور: - أتريدني أن أعود مرة أخرى للمربع الآّول؟ فكر في حرفة أخرى غيرصيد السمك الصغير على شاطيء عجوز. هذه حرف عفا عنها الدهر! - إذن سأكون سياسيا. - سياسي؟ - ولم لا. - لقد فات الأوان ،وفاتك القطار.وقديما قال أهلنا :( ود البدري سمين) 2- البذور والكفن البؤس يمض ويشف، زورق الفقر يفقد البوصلة. يد العباب تعبث ه وتقلبه ذات اليمن وذات الشمال. كل الضاحية تحبو في نفق مظلم يفضي إلى متاهة العدم .كساد الزراعة، الجفاف، موت السوام،المحل. جف الزرع والضرع. عبد الفتاح جاء لتوه من المدينة- أخفق في الحصول على شيء من ديوان الزكاة هلموا يامعشر الرجال والنساء تعالوا ياأيها الجوعى .أصغى الناس جيدا تلهفوا لوعوده وماأكثرها!أبدى نوع من الأريحية ولين العريكة.ماذا ماذا في جعبته كم أكثرمن مواعيد عرقوب . لكن هذه المرة قد وضع يده على اليمن. أقسم بالأيمان المغلظ بأنه لايكذب ولايمزح.إنه يعمل لمصلحة البؤساء.كم نبه الدولة وكم أرشدالمحسنين. لقاء اليوم سيحسم المعضلة سيفنيها ستذروها الرياح. الرجل قارون. يتوق لأنقاذ هذه المنطقة كما أشاع عبد الفتاح. النساء جيئة وذهاب. سجل إسمي عندي عشرة . سجل إسمي عندي عشرين. هاهو يسجل مئات الأسماء على دفتره وهو يردد: - الرجال قوامون على النساء. لامكان لأمرأة في هذا الأجتماع. فالرجل لايقبل الأختلاط.الرجل سلفي هاهو يستعمل هاتفه النقال مرشدا الرجل إلى مكان الجمع .ماأبعد المدينة! هو يتجشم عناءالرحلة رغبة في رضاء الله. سأل آدم الثرثار عبد الفتاح: - لقد تاخر الرجل متى سيأتي؟ - الذي تضايق عليه بالذهاب؛لاأريد إزعاجا. - ليس الأمر أمر ضيق. مواعيد الصلاة! - الصلاة (ملحوقه) - هذا صحيح منزلك.. - إعرف منزلي ضيق وليست لي فرشات للصلاة. صلوا في منازلكم. - الأمام قد أقام الصلاة! - يمكنك أن تذهب ولكن لاتلمني إذاحضرالرجل سنوزع للحاضرين. - هل أقترب؟ - أنت ثرثار! - كم يكون نصيب الفرد؟ مليونا مثلا .ومن القماش كم قطعة؟ - آه ،أنت متعب أنالاأعلم الغيب. المهم أموال كثيرة وقماش كثيرلاتسألني أي سؤال. زمجر الناس كادوا أن يفتكوابآدم الذي جادل عبد الفتاح الذي إستدرج الملياردير. هلو؛ يتصل ويصف الطريق والمنعرجات والمعنطفات. لف يمين ؛شمال أعطف جنوب . إجعل المسجد على يسارك. القبس الواني يتخثر. تهافت الناس على البوابة لمصافحة الرجل وأستقباله كرئس كغازي كفاتح. هزم عبد الفتاح: - ياغنم ، ليس هكذا قفوا صفين. الوجهاء عند البداية ثم يليهم باقي الناس حسب الزي والمظهر. سدوا الفرج. ضيقواالمساحات؛ حتى يحس الرجل بكثرتكم وهيبتكم وحوجتكم. تعارك رجلان ؛ تلاسن شابان.تدافع صبيان. وعبد الفتاج يزجر في قوةويصدع قائلا: - الهدوء لاتحرجونا مع عبد المحسن. إزدجر القوم ران الهدؤ، غشيت السكينة القوم بعد أن تنامى أزيز السيارة المطهمة؛ سيارة الغطريف الظريف. هاهو المحسن يترجل والناس يتهافتون على عناقه بعد أن أنتصبت سيارته الفارهة. رجل ضخم الجثة مترهل. كرشه وحنكة يتهدلان يتدليان إلى أسفل. قبع مزهوا والأعين ترمقه في إعجاب.أمرعاملين بأنزال الشنطة بل الشنظ تلمظ الناس تاقوا في لهفة للحظة التوزيع. سلال وقفاف وجوالات وأكياس؛ البعض أتوا بدوابهم لتساعدهم في حمل الهبات.الشنطة تجثم وثلاث أخريات مفعمات. ماأكرم هذا الرجل! قال في إزدهاء وكبرياء: - ياعمالي لاتبخلوا عليهم ؛أعطوهم بقدر مايستطيعون حمله. حسب الحاجة. عدد افراد الأسرة. خاصة من لديهم مسنين. ردد الناس في سعادة: -بارك الله فيك. -تذكروا الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات.وحدوه! - الشكر لك. -الشكر لله! خذوا لاتنسوا الجيران. شرع الناس يقتربون رويدا رويدا. تهافتوا كاد أن يهاجموا الشنط. زجرهم عبد الفتاح في غلظة. -واحد واحد ياغنم! -أدعوا لنا كل هذا من أجل أن يوسع الله قبرنا.خذوا الآن إني عائد... كان عبد الفتاح الطماع قد تقدم الصفوف ليأخذ نصيب الأسد.ألم يأت به هو. شرع العمال في فتح الشنط على مصراعيها تجلت االثياب البيضاء.أحتضن عبد الفاح كمية هائلة كتمساح يفتح فمه لأبتلاع فريسة.أكثر من عشرين قطعة أحتوتها أذرعه الطويلة تململ الناس؛ همسوا، بأعتبار أنه قد طمع. ثم توجس عبد الفتاح؛ حملق في وجه عبدالمحسن في ذهول متسائلاً حائراً بعد أن رابه الأمر: -مانوع هذا الجلابيب قماشها غريب؟ رد عبدالمحسن في عجل: -هذه ليست جلابيب هذ أكفان! سقطت قطع القماش من أيدي عبد الفتاح وهو يزمجر كئيباً مهموماً: -أكفان أكفان لماذا لم تحضربذوراً.؟ تقهقر الناس رويداررويدا وهم يرددون أكفان لماذ لاتحضر البذور.؟ وبعد هنيهة تسلل الناس ثم أختفوا من مسرح توزيع الأكفان ! 4- تهشيم المرآة هاهي تنعم النظربصورة أعمق وأبعد في ذات اللحظة الصباحية الغارقة في متاهات الزمن القاهر السرمدي؛ هي ممسكة بالفرشاة . وصورتها الأصلية تفر تتوارى - ليظهر سمتها القديم ...شعرها فا حم غزيرمنسكب بين يديها يحيط بوجهها المؤتلق. ساعة كاملة وهي تستعرض إهابها كطاووس صغير، وتمارس عبادة جسدها المثالي الممشوق؛يبدو الوجه كهالة القمر. تعطرت تمكيجت تكحلت تمسحت بأغلى أنواع الكريمات, ستخرج الأن ليذهبا معا، فتى أحلامها ينتظرها ريثما تبسق مزهوة. هاهو يتجلى غريراًمستعطراً . جلسا في تماس في الحافلة هو موظف وهي كذلك رغم إختلاف المواقع. يممت شطر البوستة في قلب أمدرمان وهو ينحو البنك العربي وكليهما في قلب سوق أمدرمان العتيق.كانت تتوق لأن تتوقف الحافلة كثيراً لتنعم بأ طول مدة جوار فارس الأحلام النبيل ولكن هيهات لقد خزلها الأمل ماأقصر المسافة. وماأغلى واحلى الزمن!. لم تستطع أن تعمل قلبها معلق بأمجد.إيقاع الزمن يسرع. الزمن ينطلق يطوي العقود والشهور والأيا م وهي تشارف نهاية العقد الثالث؛ امجد يستبطيء الخطبة. يماطل يراوغ يبتز ؛أطل وتجلى عشرت الخطاب ولم تتزحزح قيد أنملة من وعدها وحبها.أبوها طفق يرتاب وعود أمجد كوعد عرقوب. الزمن يدق ناقوس الخطر . العنوسة يتجلى مستنقعها الآسن. ابن الوزير عاد صفر اليدين تعالت عليه .أشاحات برأسها رغم الأغراءوالأغواء. وابن وجيه الحي الأوسم تسامت عليه في إنتظار السراب كما قال أبوها. حجج واهية ؛موت خالي موت عمي موت امي موت أبي. ليس لدي مال كاف.أصبري. نقل الوشاةعلاقة أخرى. هل غدر بها أمجد المماطل. شرع يتمرد على النقد ويتعالى؛ ويهملها ويتجاهلها حينما ضيقت علية الخناق بأيعاز من أبيها المتوجس المرتاب.أصرت على المجابهة لحسم أمرها ؛بعد أن تبرعم اليأس. ودب دبيب العنوسة في جسدها. آثرت أن تحسم مروغته الثعلبية. سجعت في جفوة والليل يرخي سدوله في حديقة الموردة . والنيل يجري غريرا خلف عبابه المنثلم المتجدد الضحاك: -أمجد أنت أكثرت من الوعود بل الكذب. عقد حاجبيه وفي تلعثم وإنقباض هزم: -أنا كاذب ياماجدة؟ -بل ومنافق! - أتقي الله لاتضيقي. كل شيء بيد الله. -أنا أذبل؛ نحن معشر النساء كالاعصافير أعمارنا قصيرة.أنا أموت من الداخل . هذا الشهر النهائي. -أتمزحين؟ -أنا لاأمزح. -أنا لاأقبل الأبتزاز. -أنا لاأقبل الكذب. -أفعلي مايحلو لك. -الفراق النهائي؛الالعنة الله عليك ، ضيعت زمني قتلتني أفنيتني.أنت سراب وهم.ماأصدق أبي! - سامحك الله مع السلامة. عاشت أياما حلكة بعد أن أنهت مسلسل الخداع.هاهو العقد الربع أوشك أن يهرول. شارفت سن اليأس لم يطرق بابها طارق .إستسلمت وهي تبحرفي بحيرةالأربعين. قحل وذبل الجسد؛ وهي تعض بنان الندم في إنتظار السراب كا قال أبوها. هي تنعم النظر تارة أخرى في المرآة. والفرشاةفي يدها شعرفضي قصير كجريد النخل جاف شاحب ذابل .جسد أجرد أقحل اصفرممتقع .هذه هي صورتها الحقيقة بعد أربعة عقود.نظرت للجدران تلك هي صورة أمجد وهما على مركب يطفو على مرسى الموردة تداعبة أنامل الموج الفضولية ؛قبالة جزيرة توتي الوسنانة .همس وغمز ولمز.أيام الحب.ثارت أنفعلت .تهيجت.تشنجت رمقت تارة أخرى صورة الغادر المليارديرالآن. وفي تشنج هوت بالفرشاة على صور أمجد فهشمتها لتمحو ذاك التاريخ من ذاكرةالأيام. ثم هوت بعنف على المرآة فهشمتها شرائحاً ونثاراً غاصت يدها تجرحت جروح بليغة .إنبجس الدم خرّت مغشياً عليها. سقطت السماعة والنظارة وطقم الأسنان الصناعي وكذلك طار الطرف الصناعي للرجل .اليسرى.خفت ابنة شقيقتها بعد أن تناهى وتداعى الصراخ. حماتها كريشة. كانت أخف من ديك كبيربفعل عامل التآكل الداخلي والخارجي ؛ومبرد السقم. صدحت سوزان ابنة شقيقتها كئيبة: -لماذا هذا ياجدة؟ -آه آه أين الموت.أرحني. -لقد عذبتي نفك.أنسي موضوع أمجد وكل شيء قسمة. -أنا أبكي على اللبن المسكوب. -هذه جروح عميقة.أنسيتي السكري؟ -لن أنس مافعله اللص الأرعن. -من هو؟ -أمجد. -هذا أمر مضى عليه أربعة عقود. - لكنه ظل حياً. -ماالحل ؟ - أن تحرقوا كل صوري مع أمجد. وثبت سوزان وجمعت كل الصورالمشتركة وأضرمت عليها النار.أنفثأت لوعة العجوز ثم أومضت بأسنانها الذهبية وهمست. -تبقت صورته الخالدةالتي في قلبي- الأيقونة -كيف تفعلين معها كيف السبيل إلىحرقها؟ -لقد عضضت بنان الندم طويلاً. -أنا ابكي على اللبن المسكوب. ريا ت