٭ لم يكن يعنينا في أمر تعيين الوزراء وشاغلي المناصب الدستورية في زمانٍ مضى غير معرفة سيرتهم الذاتية وصورهم الشخصية.. وإن كانوا في معظم الحالات «معروفين» لنشاطهم السياسي أو الاداري أو المهني أو العسكري.. إذ لم تكن الترضيات والجهويات أو المحاصصات عاملاً فاعلاً في الاختيار.. حتى في الحكومات الائتلافية فربما اشتدت المنافسة حول وزارة بعينها يريدها كل حزب أن تكون من نصيبه لاعتبارات مادية بحتة يرفد بها خزانته أو يسترضى بها بعض عضويته.. أما في الحكومات العسكرية فقد كانت الكفاءة هي المعيار غض النظر عن الجهة أو القبيلة التي ينحدر منها الوزير.. ولا يزال البعض يتذكرون العدد الكبير من الوزراء في حكومات مايو المتعاقبة.. من «الجزيرة مُقرات».. مثلاً.. جاءت بهم الكفاءة والتميز والتجرد دون تحيز لعرقٍ أو جهة.. فمن كان بامكانه اتهام غيري بالانحياز للرباطاب؟!.. الذي كان يعفى ويُعين في «نشرة تلاتة».. يحكى الفريق أركان حرب بشير محمد علي وزير الدفاع الأسبق في العهد المايوي انه كان يستقل عربته الرسمية يرفرف عليها البيرق عندما استمع لنشرة الأخبار وفيها.. «أصدر الرئيس قراراً جمهورياً باعفاء الفريق بشير محمد علي من منصبه وزيراً للدفاع».. فأمر السائق بالتوقف وطي البيرق وانصرف إلى منزله وخلع بزته العسكرية من فوره» ولم يعتصم بأهله في النيل الأبيض ومدينة القطينة احتجاجاً.. ومئات الحالات مثلها.. لكن حكومتنا في عهد الانقاذ الوطني استنَّت سُنَّةً سيئة نخشى عليها من وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.. عندما عمدت إلى كسب الجهويات والقبليات لصالحها «بالمناصب» ففتحت بذلك باباً عزَّ عليها سدَّه.. فركنت إلى الحكمة اليائسة البائسة «إن غَلَبَكْ سدَّها وسِّع قدَّها» فاتسع الفتق على الراتق!! ٭ أنا من المؤمنين بحكمة أبي القاسم الصاحب والحكمة تقول «ليس بينك وبين بلدٍ نَسَب فخير البلاد ما أقَلَّك» لكنني أحب «نيالا» حباً جماً ولست من أهلها ولا ساكنيها.. فهي تشابه الشمال في الخضرة.. والشرق في الجبال.. والغرب في الوديان.. والوسط في اكتظاظ السكان.. والعاصمة في العمران.. وهي في المجمل تمثل الوحدة في التنوع.. وتشكل نموذجاً أمثل في التعايش والتنوع والتسامح.. إنها السودان مصغراً. إنتخبت نيالا ولأول مرة لحكمها «والياً» برضاها فأرتضته وأرتضاها.. لكن «حكمة المركز».. التي تغيب عن أمثالنا فنعجز عن ادراك كُنهها.. أبت إلا أن «تسوط» هدوء المدينة الفاضلة «بي عود» وكان ما كان غير ان السيد وزير الداخلية طمأن مجلس الوزراء الموقر وانتقلت لنا «عدوى» الطمأنينة.. بأن الأمر سببه «بضعة مندَّسين» أحالوا حفل استقبال الوالي الجديد إلى مأتم وعويل وكذا قتيل وشوية قنابل دخان وزخات من رصاص الأسلحة الصغيرة والمتوسطة وحرائق متفرقة قضت على بعض المقار والمحال التجارية.. على شوية زجاج سيارات والوضع تحت السيطرة.. وسيقدم «المتسببون» إلى المحاكمة.. وطبعاً لن نسأل عن من هو المتسبب!؟؟ مع ان المتسبب معروف!! فإن لم يكن القرار غير المدروس فَمَنْ؟؟.. بالمناسبة على أيامنا كان «المتسبب» معناها السمسار لكن هسع ما عارف. ٭وقبل أن يجف مداد خبر عودة الهدوء لنيالا طالعتنا الصحف باستمرار الاحتجاجات هناك.. ونُذُر احتجاجات في كوستي إذا قضت اعادة تشكيل حكومة النيل الأبيض بنقل معتمدها أبو عبيدة العراقي.. وتشكيل جبهة لاقالة والي القضارف المنتخب بجمع التوقيعات.. ووقفات احتجاجية للعاملين بالتلفزيون ضد الادارة.. واستمرار اعتصام المناصير برغم القرارات الولائية.. وعمال الهيئة الفرعية للحفريات بود مدني يدخلون في اضراب.. وليس لكل هذه الاشارات تفسير سوى ضياع هيبة الدولة وتراخي قبضتها على مؤيديها وغياب «الشورى الحقيقية».. إنتو كاشا ده ما شاورتوهو قبل تعيينه في شرق دارفور؟؟ إنتو كرم الله ده دحين مازول المؤتمر الوطني؟ ليه ناس المؤتمر الوطني في القضارف متحركين ضده؟ وليه ناس من المؤتمر الوطني هم المتهمين في أحداث نيالا؟؟ مش وحدة تنفيذ السدود كلها مؤتمر وطني؟؟ ولجنة المتأثرين من أصحاب الخيار المحلي مؤتمر وطني؟؟ ولجان الأجاويد والوساطة من ابراهيم أحمد عمر وإنت نازل مؤتمر وطني/؟ مش أصحاب مذكرة «الألف أ غ» مؤتمر وطني؟؟ فإذا ما أجبت على هذا السيل من الأسئلة «بنعم.. ولكن!!» يقاطعك السائل «لكن شنو يا شيخنا؟ لكن شنو؟ إما حزب بعضوية ملتزمة تصدر عن رأى واحد بالأغلبية البسيطة والمسؤولية التضامنية.. أو أن ينفرد الرئيس بسلطاته الدستورية ويعلن حالة الطوارئ ويشكل حكومة حرب «مجازاً» حتى يحين موعد الانتخابات القادمة فتأتي بمن تأتي به ليحكم وفق القانون والدستور.. ونرتاح من السبع دوخات.. البلد دي ما بيهددها التدخل الخارجي.. ولا التآمر الداخلي.. ولا جبهة عريضة ولا جبهة ثورية ولا شعبي ولا شعبية.. لكن المهدد الحقيقي للاستقرار والاستمرار هو هذا التناحر والتشاكس وفقدان الانضباط التنظيمي.. «وكترة المرض للموت.. وكترة النقة للطلاق» وزي ما قالوا للخليفة عبد الله «المهدية مهديتكم لكن نُصره مافي» بقول ليكم «الانقاذ انقاذكم.. لكن فايده مافي»!! حتى قلت في نفسي «ليته سكت». ٭ وتذكرت أيام الانقاذ الأولى والجلالات تصدح في التلفزيون «أنا ماشي نيالا أووه أووه.. أنا ماشي نيالا سمبله» أنا خايف نموت سمبله.. وهذا هو المفروض