قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق خضراء: الصحافة تفتح الملفات القديمة صلاح أحمد ابراهيم و عمر مصطفى المكي وجها
نشر في الصحافة يوم 01 - 02 - 2012

رسمت المساجلات الصحفية لنفسها طريقا فارقا في العقود الماضية من تاريخنا المهني، فقد كانت ملح الأوراق في بلاط صاحبة الجلالة الملكي، وزاد المجالس الانيقة في ارجاء البلاد، ومعين الفكر والمتعة وحسن الذوق الذي لا ينضب لجمهور القراء، والمتبتلين العاشقين لمحاسن الكلم. ولما كانت ستينيات القرن الماضي من أزهى حقب الفكر والكتابة، لانها شهدت اصطراع تيارات سياسية وفكرية وثقافية مختلفة في المشهد السوداني، فقد افرزت اقلام عملاقة وعقول حرة تحلق في السموات دون حتى قيود دنيوية. ومن اشهر تلك الاقلام التي تساجلت فكريا على صفحات جريدة « الصحافة» في اواخر الستينيات الراحلين صلاح احمد ابراهيم وعمر مصطفى المكي. وتعيد الصحيفة نشرها اثراءً للساحة الفكرية والصحفية.
تواصل «الصحافة» نشر ردود الراحل عمر مصطفى المكى على ما خطه الراحل صلاح احمد ابراهيم في عدد من المقالات التي نشرت تحت عنوان « صلاح الدين ومكائد الحشاشين».
النقطة السادسة والأخيرة في هذه المناقشة تتصل بالنشاط العام لصلاح أحمد ابراهيم. فصلاح يدعي - ويغالي في الادعاء - بأنه فيما يكتب ينطلق من مواقع الماركسية والفكر التقدمي. فهو «الاشتراكي المخلص» الذي يتصدى لتوحيد الحركة الاشتراكية في السودان وهو «الشيوعي المؤمن بالحق والانسانية» الذي يذرف الدموع الساخنات على الحياة داخل الحزب الشيوعي «التي لم تعد تطاق».. الخ.. ولعلي أكون قد أوضحت في المقالات السابقة المواقع الحقيقية التي ينطلق منها صلاح والتي يلبس للانطلاق منها أقنعة الشيوعية والاشتراكية والماركسية.
ومع ذلك فلا بأس من إلقاء نظرة على صلاح أحمد ابراهيم بأقنعته ذاتها.. ومن وجهة نظر المواقف العملية.. فالاشتراكية كما هو معلوم هي التزام: التزام متكامل على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الفكري وعلى صعيد العمل.. فما هو التزام صلاح أحمد ابراهيم؟
أولاً: ان صلاح أحمد ابراهيم وهو يحاول جاهداً أن يطلي علاقاته بالدوائر الاميركية المشبوهة بطلاء التقدمية وبزعامة اليسار الجديد يكشف عن أمر نفسه بنفسه. فهو لا يلتزم ولو بمقدار مثقال ذرة تجاه قضايا العمل الثوري في هذا البلد على كثرة هذه القضايا وتشعبها.. لم نسمعه يوماً واحداً يقول رأياً حول مشكلة.. لم نسمعه وهو «المهاجم الأول» وهو «الواثق من نفسه» يتعرض بكلمة واحدة لكل الأوضاع الخاطئة القائمة اليوم في البلاد بنظمها وبأحزابها وبفسادها. وفي المرات القليلة التي سمعناه فيها يقول شيئاً كان ذلك في الاذاعة وفي التلفزيون دفاعاً عن السياسة الاقتصادية للنظام الراهن متمثلة في الميزانية العامة للدولة. والتي تصدت لها بالهجوم دوائر كثيرة لا يمكن وصفها باليسارية. ومع ذلك فان صلاح أحمد ابراهيم «الاشتراكي المخلص» لم يجد حرجاً في التحصن بأجهزة الاعلام الرسمية ليدافع عن السياسات الاقتصادية الراهنة والتي يصعب على الانسان وصفها بأنها سياسات اشتراكية.
وقد أشرت في الحلقة الأخيرة من هذه المقالات الى أن صلاح أحمد ابراهيم هو الموظف الوحيد في حكومة السودان المستثنى من القوانين التي يعمل في ظلها جميع الموظفين والتي تحرم عليهم الدخول في معارك سياسية سواء أكانت عملية أو كلامية. ولا أظن أن الذين يوفرون هذه الحماية الخاصة جداً لصلاح أحمد ابراهيم يفعلون ذلك ليفسحوا له المجال ليبشر في الصحف لاشتراكيته المخلصة. ولكنهم يحمونه علماً منهم بحقيقة المواقع التي ينطلق منها وبحقيقة الأقنعة التي يتخفى وراءها.
إن هذا يبدو أكثر من بديهي. إن التزام صلاح الفكري قد وضح تماماً الآن. فالشيء الوحيد الذي التزم به صلاح وكرّس له حياته ووقته وأعصابه وأصبح في سبيله مستعداً ليزج بنفسه في أصعب المآزق - ولعله يشهد المزيد منها قريباً - هو الهجوم على الشيوعيين.. وبإسلوب لا يمكن أن يلجأ اليه ولا يحسنه إلا عملاء المخابرات الاميركية. وهو الاسلوب الذي أدخلته هذه المخابرات في لبنان وأصبح الطابع الرئيسي لعدد من الصحف والكتاب في بيروت - اسلوب الاسفاف والكذب والتشهير والتلفيق. وبهذه المناسبة فإن صحيفة بيروتية عرفت بعلاقاتها القوية بدوائر المخابرات الاميركية تعيد الآن نشر مقالات صلاح أحمد ابراهيم الأخيرة التي يتجنى فيها على الشيوعيين وعلى عبد الخالق محجوب وسأحصل عليها في الايام القليلة القادمة وأعدكم بنشرها في جريدة «الصحافة» بالزنكغراف.
هذا ما كان من أمر «التزام» صلاح أحمد ابراهيم محلياً.
ثانياً: اما التزام صلاح أحمد ابراهيم «الاشتراكي المخلص» على الصعيد العربي فهو الهجوم المر على الرئيس جمال عبد الناصر ولا أعلم ان صلاحاً قد هاجم أي زعيم عربي غير الرئيس عبد الناصر. ففي العام الماضي وفي الظروف المريرة التي أعقبت العدوان الاستعماري استل صلاح أحمد ابراهيم سيفه وشنّ هجومه المعروف على «جمال عبد الناصر حسين» في صحيفة «الأيام» وبلغ هجومه ذلك من التحامل والتطاول حداً جعل صحيفة «الأيام» ترفض الاستمرار في نشر المقالات وإعادتها له معتذرة عندما ذهب يسأل عن مصيرها. ونشرها في صحيفة يومية أخرى بعد أن أعاد كتابتها. وجاءت حملة صلاح تلك على الرئيس عبد الناصر في نفس الوقت الذي تعرض فيه الرئيس العربي العظيم الى حملة هستيرية واسعة النطاق من الهجوم والتشهير والشماتة من جانب الصحف الاستعمارية في محاولة مستميتة لهز مركزه الزعامي كخطوة لاستكمال ما فشل فيه العدوان.
وجاء ذلك الهجوم أيضاً في نفس الايام التي زورت فيها المخابرات الاميركية في بيروت الوثيقة الشهيرة التي نسبتها الى وكالة نوفوستي السوفيتية للأنباء وكلها تجريح للرئيس عبد الناصر وتجاهلتها الصحف هنا ما عدا صحيفة مشبوهة واحدة أخذت تهلل لها اسبوعاً كاملاً.
وأخيراً فإن حملة صلاح أحمد ابراهيم على عبد الناصر جاءت ايضاً في نفس الايام التي طوقت فيها الحكومة المصرية مؤسسة فرانكلين الاميركية وأغلقت مكاتبها وطردت الجواسيس الذين يعملون بها وهي المؤسسة التي أوضحنا بصورة كافية ان صلاح أحمد ابراهيم من «زبائنها» المقربين.
ومع كل ذلك فإن صلاح أحمد ابراهيم حاول ان يغلف على حملة عبد الناصر تلك بغلاف الحرص على الثورة العربية من «خطر - تراجع عبد الناصر تماماً كما يحاول ان ينطلق اليوم من مواقع الاشتراكي المخلص - وهو يهاجم الشيوعيين أصلب قوى الثورة العربية في السودان وأشدها عوداً في النضال ضد الاستعمار الاميركي.. الهجوم عليها في توقيتات محددة ومعلومة تماماً.. فالحملة الأولى تعقب انتصار مناضل عربي مرموق في دائرة ام درمان الجنوبية ومحاولة تلطيخ ذلك النصر الايجابي لقوى الثورة في السودان في ان ترسل للبرلمان مثل ذلك المناضل.. بسلسلة من المقالات السوقية مثل «الكلام عا اللون» و«ما قلنا كديسة» و«لونك يا»...
أما الحملة الثانية فتجيء في وقتها المحدد هي الأخرى عقب نجاح جهود عبد الخالق محجوب في حمل الجمعية التأسيسية على اتخاذ قرار الادانة الشهير للولايات المتحدة.. ومرة أخرى تستهدف المقالات السوقية بعنوان «المسألة المستعجلة والعناصر المستهبلة» التقليل من شأن تلك الجهود والتقليل من شأن القرار نفسه و«الطبطبة» على ظهر السادة الذين أدينوا حتى لا «يأخذوا في خاطرهم» كثيراً.
ثالثاً: أما التزام صلاح أحمد ابراهيم على الصعيد الافريقي فهو الهجوم المر الذي ينضح كراهية وحقداً على الزعيم الافريقي العظيم كوامي نكروما ومرة أخرى فإني لم أشهد صلاح أحمد ابراهيم يهاجم اي زعيم افريقي غيره. «فلمصلحة من يهاجم صلاح أحمد ابراهيم الدكتور نكروما؟ ان المعروف في كل العالم ان الحكم التقدمي للدكتور نكروما قد أطاحت به وكالة المخابرات الاميركية وقد ثبت هذا بما لا يدع مجالاً للشك في سلسلة المقالات الشهيرة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية في أبريل عام 6691م والتي كشفت فيها النقاب عن الدور الذي لعبته وكالة المخابرات الاميركية في الاطاحة بحكومة الدكتور كوامي نكروما وفي أحداث أخرى كثيرة في مختلف أنحاء العالم.
وصلاح أحمد ابراهيم الذي قضى بضع سنوات في جمهورية غانا حيث وفر الدكتور كوامي نكروما كل امكانيات البحث والدراسة حول مشاكل القارة الافريقية وآفاق تطورها الثوري وحيث احتضن هذا المفكر الافريقي المرموق المئات من المفكرين الافريقيين المهتمين بشؤون القارة. واستدعى الدكتور «ديبوا» ليشرف على أول عمل من نوعه في افريقيا وهو وضع «دائرة المعارف الافريقية» والذي كتب بنفسه سبعة مجلدات عن قضايا الثورة الافريقية رغم مسؤوليته كرئيس جمهورية.. إن صلاح أحمد ابراهيم الذي قضى أعواماً في ذلك الجو العامر بالجهد والبذل في ميادين الفكر لم يعد من غانا بعلم أو معرفة ينشرها على الناس إلا حصيلة من الاتهامات ينشرها بمناسبة وبغير مناسبة ضد الدكتور كوامي نكروما.. وهي نفس الاتهامات التي أصبحت أكليشيهات ثابتة في الصحف ووكالات الاخبار الاميركية.. والتي تذهب «لمصانع» معينة معروفة لتهويلها وتكبيرها بحيث تقضي تماما على شخصية هذا الزعيم الافريقي الذي اعتبره - ويعتبره الكثيرون - من أعظم مفكري الثورة في افريقيا السوداء.
لم يعد صلاح أحمد ابراهيم بكلمة طيبة واحدة عن كوامي نكروما فما هو السبب؟أترى السبب هو الاموال المجمدة في غانا.
إن التوقيت قد نصب الهجوم الاخير على نكروما.. التوقيت المرتبط بالضغط الذي تمارسه حكومة غانا الحالية - التي نصبتها المخابرات الاميركية حتى تمنع زيارة الدكتور نكروما لبلادنا والمحدد لها شهر سبتمبر القادم؟
لا ادري.. ولكن الذي انا واثق منه الآن هو ان صلاح أحمد ابراهيم لا يكتب الا وفق توقيت محدد ولاغراض حددت سلفاً.
لقد أردت من كل ذلك ان أوضح ان لصلاح أحمد ابراهيم خطاً متكاملاً في التفكير.. ومواقف متكاملة ومحددة من قضايا الثورة محليا وعربياً وافريقياً وعالمياً.. خطاً تمليه عليه ارتباطاته ومصالحه الجديدة..
الخط المعادي للثورة.. المعادي تماماً المعادي على طول الخط ولا شيء ابداً في الوسط.
هو يحرث في البحر ان حاول اقناع الناس بعد اليوم بانه لا ينطلق من اي موقع غير مواقع السياسة الاميركية وادواتها.
أكون بذلك قد قلت كل ما أردت ان اقوله في الوقت الحاضر أشكر الاخوان في جريدة «الصحافة» جزيل الشكر على الفرصة التي اتاحوها لي..
ولقد كانت مؤسسة فرانكلين بفروعها المختلفة رائدة التعبير الفكري عن الاستعمار الجديد في المنطقة العربية وكانت وما تزال اكثر المؤسسات الاميركية شمولاً واستيعاباً للهدف الاستراتيجي. بالاستعمار الجديد ومراحله التكتيكية على السواء ولتحقيق الهدف عمدت مؤسسة فرانكلين الى تنسيق جهودها مع خطوات الانسان العربي.
واكبت بدقة واصرار مختلف ازماتنا و«انتصاراتنا» «ونكساتنا» بسيل من الكتب تعالج الازمة او الانتصار أو النكسة من وجهة نظر الاستعمار الاميركي.. ووصلت المواكبة لمشكلاتنا والمتابعة لمعارك حياتنا الى درجة عالية من الدقة. فاذا وفدت علينا مشكلة التنمية الاقتصادية صدر عن مؤسسة فرانكلين خمسة عشر كتابا تعالج هذا الموضوع في اطار النظام الرأسمالي باقلام مجموعة من أساتذة الجامعات في الولايات المتحدة ثبت مؤخراً انها تخضع لاشراف وكالة المخابرات الاميركية وهي جامعات هارفارد وبنسلفانيا وشيكاغو وكاليفورنيا.
واذا دخلنا على مناقشات الدستور الدائم تدخلت مؤسسة فرانكلين في الموضوع ونشرت دراسات مطولة عن «مزايا الدستور الاميركي».. واذا وفدت علينا قضية الكيان الافريقي المتحد سارعت فرانكلين الى نشر عشرين كتاباً عن افريقيا تاريخها وجغرافيتها في حدود الروابط التي تشد افريقيا الى اوربا.. والفواصل التي تعزلها شمالاً عن الجزء الناطق بالعربية.
مؤسسة فرانكلين إذن مثال للأجهزة الفكرية التي استحدثها الاستعمار الجديد.. وهي من زاوية ما تعد بمثابة المدفعية الثقيلة في وجه التطورات الاجتماعية المتوالية لشعوب المنطقة العربية..
والآن ما هي المواجهة التي قامت بها مؤسسة فرانكلين حين خرجت من بطن الحصان الطروادي الى حياتنا الثقافية لقد رسمت سياستها في نيويورك على أساس ان الموافقة النهائية على الكتاب المقترح ترجمته تتم هناك في اميركا وعند التنفيذ رسمت هذه السياسة طوقاً حديدياً يحيط بكافة الاهداف التي حرصت المؤسسة منذ البدء على اصابتها كالطفل الصغير والشاب في مقتبل العمر والرجل الناضج والسيدة المتزوجة ربة المنزل والمرأة العاملة..
أما ماذا تقوله هذه السلاسل جميعها فهي تقدم في صورة تبدو كما لو كانت محايدة وموضوعية تماماً «المثال الاميركي الناجح». للمعلم والتلميذ والمهندس والطبيب والعامل والمدير والسياسي ورجل الاعمال والفلاح.. الى غير ذلك من نماذج بشرية ترغب السياسة الاميركية لمؤسسة فرانكلين ان تصوغها وفق الحلم الاميركي في السيطرة على الشعوب عن طريق اتساع الهوة بين المواطن ووطنه فلا يجد ملاذاً يأويه سوى «الجنة» الاميركية.
وتقلم المؤسسة اظافر الكتاب العرب والمترجمين العرب وتدفع أحدهم مثلا ان يكتب مقدمة لكتاب قصة افريقيا جنوب الصحراء الكبرى تأليف «كاثرين سانيدج» يقول المترجم في مقدمته: ان الكتاب «يتميز بروح من الدقة العلمية والنزاهة في العرض». بينما يبرر المؤلف الاستعمار البرتغالي لافريقيا بان البرتغاليين علموا أهلها كيف يزرعون النباتات. وتلجأ المؤسسة أحياناً الى ما تسميه بالتعريب فتخلع الاسماء الاميركية وتضع مكانها الأسماء العربية فيتعلق الحلم الاميركي في الذهن العربي القارئ حتى ليكاد ان يكون واقعاً ممكناً.
لقد نجحت السياسة الاميركية سواء أكانت وكالة المخابرات الاميركية اداة تنفيذية أو جهة تمويلية في ان تجند لخدمتها شبكة هائلة من دور النشر المصرية العربية التي تفضل الطريق السهل الى أكبر وأسرع ربح ممكن.. فالتسهيلات الضخمة التي تقدمها فرانكلين والسفارة الاميركية تكفل لها هذا الطريق القصير. كما نجحت هذه السياسة في تجنيد جيش ضخم من الكتاب والمترجمين ارتبطت مصالحهم بالمكافآت السخية التي تصرفها جهات التمويل في مقابل التقديم او المراجعة او الترجمة أو الاعداد أو الاشراف او الاستشارة او عضوية مجلس الادارة».
من كتاب «اميركا والحركة الفكرية» تأليف غالي شكري صفحات «22،52،34،54،64».
أصدرت الكتاب وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة بعد كشف نشاط مؤسسة فرانكلين في مصر واعلام مكاتبها وطرد عملائها.
7 أغسطس 8691
رقم العدد 6761


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.