على الرغم من حالة الإرتباك السياسي السائدة حاليا والغموض الذي يكتنف إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الحادي عشر من ابريل هذا الشهر، وحالة الاستقطاب السياسي وسط الاحزاب، إلا أن غالبية المراقبين يعتقدون أن نتيجة العملية الانتخابية الجارية حاليا، لن تؤدي في نهايتها الى العنف الذي كان متوقعا بشدة لدى العديدين، وذلك ليس بسبب إنعدام مهددات العملية الانتخابية تماما، ولكن لأن هنالك أسباباً سياسية وتكتيكات تمنع انفجار الوضع على الاقل مؤقتا، وتخفض بشكل كبير حجم مهددات العملية، بيد أن الأخطر من ذلك أن نتيجة الانتخابات ستحدد قضايا مصيرية للبلاد. وكان كثير من المحللين يعتقدون أن السودان سيعيد تكرار سيناريو عنف الانتخابات الذي وقع في عدد من الدول المجاورة اقليميا (كينيا، موزمبيق) وتجارب بعيدة مثل (إيران)،وذلك رغم إختلافات هائلة بين المهددات الامنية لكل دولة من هذه الدول والتمايز السياسي والاجتماعي والثقافي بين السودان وتلك الدول، الا أن ذلك أيضا -في تقدير المحللين- لا يجعل البلاد خالية من المهددات الانتخابية في البلاد. ويقول خبراء في هذا المجال الأمني، إن الوضع في دارفور كان سيمثل مهددا رئيسيا قبل وبعد اجراء الانتخابات، بيد أن تفاهمات جرت بين الحكومة وحركة العدل والمساواة - أكثر الحركات المسلحة فاعلية بالاقليم مؤخرا- خففت من تعاظم العنف المتوقع في الاقليم جراء قيام الانتخابات، كما ساهم اتفاق وقف اطلاق النار مع مجموعات مماثلة في تهدئة الاوضاع نسبيا، ويعضد كل ذلك الحوارات التي يجريها مبعوث الادارة الامريكية سكوت غرايشن لتأمين اجراء الانتخابات بشكل اثار الريبة في اوساط عديدة، فضلا عن الدعم غير المسبوق لدول غربية مؤثرة (فرنسا، بريطانيا) لجهة اجراء الحكومة للانتخابات في موعدها وبممارسة ضغوط على الاطراف الرافضة لقبول الانخراط في العملية رغم علاتها، مما يوفر تامينا خارجيا لمهدد داخلي لا يمكن للمهتمين تجاوزه. وغير ذلك، فإن الحكومة ظلت طيلة الفترة السابقة في تأهيل وتدريب عدد هائل من قوات الشرطة وإرسالها الى اقليم دارفور من اجل تأمين الانتخابات هناك، وساهمت الاممالمتحدة وبعثاتها في البلاد في تجهيز وتوفير الدعم اللوجستي لهذه القوات. غير أن الدكتور حيدر ابراهيم مدير مركز الدراسات الاستراتيجية يرى أن تأمين الانتخابات بدارفور لن يلغي التهديد الأمني خاصة من قبل القوى السياسية او المسلحة التي لم تشارك في العملية أو الرافضة لطريقة إجراء العملية الانتخابية، ويضيف في حديث ل»الصحافة» أن الشرط الرئيسي لاجراء الانتخابات هو قبول كافة الاطراف، وفيما اعلنت قوى سياسية اخرى قبولها فإن النتيجة ستكون هي اندلاع للعنف، اضافة الى النظام القادم سيواجه من المعارضين بكونه نظاما غير شرعي، وربما تطل جهات جديدة في وجه النظام الجديد. وتظل تخوفات الدكتور حيد ابراهيم مفهومة، الا أن استاذ العلوم السياسية والمسؤول الامني السابق الدكتور الامين عبد الرازق يستبعد حدوث عنف مباشر بعد نتيجة عملية الانتخابات، الا في حالة حدوث تزوير كبير في عملية الاقتراع النهائية أو تدخل القوات النظامية للتأثير على المرحلة الاخيرة من العملية، ويشير في حديث ل»الصاحفة» الى أن تاريخ الانتخابات في السودان مختلف عن تلك الدول التي جرت فيها اعمال عنف وشغب، حيث يخلو تاريخ البلاد السياسي من احداث عنف واسعة خلال أية انتخابات أجريت في السابق، إضافة الى أن الاحزاب السياسية المشاركة في العملية حريصة أكثر من حزب المؤتمر الوطني على إجراء الانتخابات في ظل ظروف طبيعية وأن تحظى نتيجتها بقبول أو رفض سلمي، خاصة اذا حصل تطمينات أكثر من قبل مفوضية الانتخابات والمراقبين الدوليين بشأن نزاهة العملية الانتخابية، لكنه يحذر من خطورة النتيجة على المستوى الاستراتيجي المتعلق بقيام حكومة غير مقبولة ولا تحظى بالشرعية المناسبة على مصير وحدة السودان، وعلى قضايا استراتيجية بعيدة المدى. ومن المتوقع أن تواجه نتيجة الانتخابات برفض واسع من قوى المعارضة في حال فاز حزب المؤتمر الوطني بنصيب كبير من الاصوات، وربما تساهم تقارير المراقبين الدوليين والمحليين -التي اعلنت انتقادات في وقت سابق لعمليات التسجيل ، وخروقات انتخابية اخرى- في ارتفاع حدة الرفض السياسي لنتيجة العملية، بيد أن مواقف القوى الدولية الاخيرة، وحرصها بصورة مثيرة للشكل والريبة في اجراء الانتخابات في موعدها، ستعمل في المقابل على تخفيف تقارير المراقبين، وحث كافة الاطراف على منع التوترالحاد والتعامل مع النتيجة بشكل لا يؤثر على امن واستقرار البلاد. ويبدو هنالك اسباب سياسية اخرى، قد تخفض من درجات الحذر من حدوث ردة فعل عنيف على نتيجة الانتخابات من الاطراف السياسية المشاركة، حيث يعتقد أن التكتيكات السياسية والتفاهمات التي يجريها حزب المؤتمر الوطني مع القوى الانتخابية الرئيسية (الحركة الشعبية، حزب الأمة القومي، الحزب الإتحادي الديموقرايطي الأصل)، ستساعد في مدى قبول الاطراف المشاركة لنتائج العملية الانتخابية. كما يعتقد البعض أن التفاهمات والاتفاقات التي أجرتها الحكومة مؤخرا مع دول الجوار التي كانت تشهد حدودها المشتركة مع السودان توترا (تشاد) ، وتحييد كافة دول الجوار، عبر تفاهمات مماثلة أو عن طريق الضغوط الدولية لهذه الدول، سيضيف من تماسك الجدار الواقي من انفجار الوضع الامني عقب اعلان نتيجة الانتخابات. إلا أن الخبير السياسي البروفسير حسن مكي، يعتقد أن اسباب تلافي العنف الانتخابي تتصل بأن نتائج العملية ستفرز قوى عديدة ومختلفة وحريصة على تمثيلها في الحكومة، فضلا أنه يتوقع أن تظهر نتائج الانتخابات قوى سياسية جديدة كانت تمثل القوى الاحتجاجية الرئيسة في السابق، ويضيف في حديث ل»الصحافة»: أن النتيجة ستكون مقبولة في وسط البلاد وفي الشريط النيلي وكردفان وغيرها من المناطق، لأنها ستفرز قوى مختلفة، ولن يكون هنالك منتصر بشكل كبير، فالمؤتمر الوطني في طريقه لأن يصبح قائداً وليس حزباً مهيمناً، وحتى القوى التي لديها إنتقادات ليس لديها مليشيات الآن لاحداث اضطرابات أو احتجاجات عنيفة، لانها فشلت في صناعة آليات عسكرية مؤثرة على الاوضاع السياسية الداخلية خلال فترة معارضتها بالخارج، في حين أن الحركة الشعبية مشغولة بترتيبات الجنوب، بل قد تفاجأ في الانتخابات بالجنوب، لذلك كل طاقاتها ومخزونها سيكون مهتماً بتأمين الانتخابات في الجنوب.