دبابيس ودالشريف    راشد عبد الرحيم: امريكا والحرب    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح أحمد ابراهيم يرد على عمر مصطفى المكي - عمر وحديث الإفك- - الحلقة الرابعة
أوراق خضراء: الصحافة تفتح الملفات القديمة صلاح أحمد ابراهيم و عمر مصطفى المكي وجها
نشر في الصحافة يوم 08 - 02 - 2012

رسمت المساجلات الصحفية لنفسها طريقا فارقا في العقود الماضية من تاريخنا المهني، فقد كانت ملح الأوراق في بلاط صاحبة الجلالة الملكي، وزاد المجالس الانيقة في ارجاء البلاد، ومعين الفكر والمتعة وحسن الذوق الذي لا ينضب لجمهور القراء، والمتبتلين العاشقين لمحاسن الكلم. ولما كانت ستينيات القرن الماضي من أزهى حقب الفكر والكتابة، لانها شهدت اصطراع تيارات سياسية وفكرية وثقافية مختلفة في المشهد السوداني، فقد افرزت اقلام عملاقة وعقول حرة تحلق في السموات دون حتى قيود دنيوية. ومن اشهر تلك الاقلام التي تساجلت فكريا على صفحات جريدة « الصحافة» في اواخر الستينيات الراحلين صلاح احمد ابراهيم وعمر مصطفى المكي. وتعيد الصحيفة نشرها اثراءً للساحة الفكرية والصحفية.
وفيما يلي تواصل «الصحافة» نشر ردود الراحل صلاح احمد ابراهيم على ما خطه الراحل عمر مصطفى المكى.
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
ولم يهن بيد التشتيت غالينا
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب نفح العود
1- عمر وحديث الإفك
الآن حصحص الحق. والحق كما قيل ابلج والباطل لجلج. يقول كونفشيوس «الرجل الشريف يهتم بشخصيته والرجل الوضيع يهتم بوضعيته. الرجل الشريف يصبو للعدالة ، والرجل الوضيع يصبو للوصول. الظربان ينم عن افرازه. كما ان طيب الورد مؤذ بالجعل لقد حسب عمر مصطفى المكي. والعقرب التي من وراء خادمتها الخنفساء ان سيلا عارماً متتالياً من الشتائم والافتراءات بامكانه ان ينال من شخصي الضعيف او يضعف من حجتي القوية، لقد حسب عمر مصطفى المكي والذين من وراء عمر مصطفى المكي ان الارعاد والارزام وخوار العجول الهائجة بامكانها ان تخرس لسان الحق وتطفيء قبس الحقيقة. وتقطع أصبع الاتهام.
حكاية إستياء حسن بشير من القميص والبنطلون من تأليفات النجاركوك لكي يعطي اللقاء العابر صفة المقابلة الرسمية المدبرة، وكذلك مسألة عداء الشيوعية واستعدادي لكتابة التعهد.. ما الذي يضطرك الى كل هذا يا مسيلمة أم لان الغول لا «يطرق حسه» الا بأكل الفطيسة. مسكين أيها البائس الفقير وإنني لارثي لك من كل قلبي فالحياة كلها لا تستحق هذا العناء!
وبمناسبة «ألد أعداء الشيوعية في البلاد» لا بد أن الأخ عبد الله علي ابراهيم يذكر لي انني كتبت له من أكرا حين فكر في القدوم الى غانا راجيا ان يبقى في السودان لأن الظروف بحاجة الى بقاء الكادر المدرب سياسياً للأخذ بيد الشعب وقلت له انني آسف على بقائي بعيداً عنه فعودتي لن تكون أكثر جدوى من غربتي نظراً لفقداني الانتماء التنظيمي الذي يطلق من إمكانياتي.. انني أعلن هنا انني لا أعادي الشيوعية قط ولن أعاديها، وينبغي ألا يفسر موقفي هذا أبداً بالعداء، بل هو الكلام الذي يبكي وأن أدى بنا لأن ينكرنا الناس ثلاثاً وان نوصم بالخيانة والعمالة إننا نعادي الإنتهازية المسيطرة عليها وننبه لها وهي لا تزال في المهد ولذلك أخذت أهيب بالشيوعيين.
بني أمية هبوا طال نومكمو
إن الخليفة يعقوب بن داؤود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الزق والعود
حتى سمعنا من يغني آخر الليل «يا زميل يا زميل يا حلو دمك شربات مكملو».. ألا هل بلغت، اللهم فأشهد.
الفرية رقم «41»:
يقول المفتري الفنطوط ان صلاحاً قام برحلة غامضة الى لندن وباريس سنة 6691م ونزل في كلا البلدين بمنزل السفير السوداني ورفض ان يجيب على أسئلة الدبلوماسيين حول أغراض رحلته ولكنه أجاب بأنه «يقضي إجازة» عندما سأله وزير الزراعة السوداني.
ما وجه الغموض في رحلتي يا مسيلمة؟ في ذلك العام.. انتهت فترة انتدابي بغانا وبإذن من رقابة النقد السودانية طلبت من بنك غانا تحويل مدخراتي عن أربعة أعوام
إلى لندن وتمثل تلك المدخرات ثمن مبيع سيارة اشترتها لي جامعة غانا بالتقسيط واستقطاعات مال التأمين بما فيها مشاركة الجمعة وثمن سندات بنك غانا الاجبارية بفوائدها.
ولما كانت غانا تعاني أزمة في النقد الأجنبي فقد أرسلت لي استحقاقي على أقساط وكان هذا سبب بقائي مدة طويلة بلندن وكان الغرض الثاني هو السعي لدى تسجيل اسمي بجامعة اكسفورد. ومما ساعدني على الرحلة ان صديقي عمر الحاج موسى حوّل لي تذكرة اكرامية صدرت باسمه لقاء تذكرة أقدمها له فيما بعد صارت الآن «كوارا» بيننا. في لندن استضافني الأخ الباقر ملحقنا العسكري فوجدته رجلاً ولا كالرجال:
ان اداك وكتر ما بقول أديت
أب درق الموشح كله بالسوميت
أب رسوه البكر حجر شراب
سيتيت كاتال في الخلا
وعقبان كريم في البيت..
وطالت مدة اقامتي معه وهو يشعرني بأنني المضيف وهو الضيف، ولقد شاهدت خلالها من نبله وشهامته ما لا يصدق ولم يكن ذلك معاملة خاصة بي ولكن ما عرفته عنه سأحكيه في مكان آخر. أعرف ان الباقر سيتحرج من قولي هذا وهو من بعد الفتى الحساس، ولكنه أريج الزهر ينم عن نفسه وفضل ذوي الفضل يملي فنكتب:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم يسعد الحال
وخلال ذلك سافرت بدعوة كريمة من أخ كريم هو عبد الله الحسن سفيرنا في باريس ولم يكن موجوداً فيها ولكنه وفر لي في بيته كل ما أحتاج اليه للايام المعدودة التي قضيتها بباريس.
وعبد الله الحسن وقد عرفته من أيامه سفيراً بغانا من أماجد السودان، فتى أريحي بل هو الاريحية بعينها.
سأتكلم عنه هو أيضاً في مجال آخر حين أكتب عمن عرفت ولا زال السودان بخير ما دام فيه أمثال عبد الله الحسن وما زال عنه أمثال من يشوهون الحقائق ويمضغون اشلاءها «كالقورو» الناشف في خبث حقير - أنظر بالله عليك كيف حشر مسيلمة النجاركوك كلمة عندما سأله وزير الزراعة السوداني كان ثمة ما يريب في وجودي بباريس. والمؤسف ان السيد كمال مصطفى المكي كان بباريس عندئذ، وكان بامكانه ان يصحح معلومات أخيه وقد اطلع على مقالاته كما أسر لي كمال بذلك قبل نشرها، وذلك بافتراض انه لم يكن مصدر معلومات أخيه، وإن بعض الظن اثم وإن كان من العسير أن يقال عن هذا انه بعض الظن» فانها معلومات جد حميمة لا يمكن ان يشيعها الا من حضر مقابلتنا مع الأخ عمر نور الدائم.
الفرية رقم «51»:
يقول الكويذب «وقام في سنة 7691 برحلة أخرى الى المانيا الغربية وبريطانيا بعد كورس قصير في فرنسا وفي لندن كان ينزل في فندق فاخر في حي بيكاديلي لا ينزل فيه الا المقتدرين من السواح الاميركان وكبار الكتاب والصحفيين في اوروبا وقضى في ذلك الفندق شهراً كاملاً ولم يكن أحد من الطلاب يعرف شيئاً عن المهمة التي جاء من أجلها صلاح.. وكان يجيب على أسئلتهم بأنه يقوم بجولة «تور.. بالانجليزية» وفي نهاية رحلته للندن اشترى صلاح عربة هيلمان جديدة لنج ودفع ثمنها نقداً كما دفع نقداً تكاليف ترحيلها لميناء بورتسودان عن طريق رأس الرجاء الصالح وهذه العربة معه الآن».
يا الله! ما هذا الشخص «اللايوق».. والله لو لم أشأ أن أستخلص نتائج عامة وسياسية من كل هذا لتوقفت عند هذا الحد ولكسرت قلمي ولرششت العطر بسبب هذا الشخص الذي يسلح جهاراً نهاراً على نفسه. أي سخف هذا بربكم! وما قيمة كل هذا؟
نبدأ من جديد.. لم تطأ قدمي هذه المانيا الغربية اطلاقاً حتى اليوم. أوفدتني وظيفتي لحضور حلقة حول الاعلام وخطة التنمية في فرنسا وبعد انتهائها دعت مؤسسة ايريال الاعضاء الناطقين بالانكليزية وهذه سنة استنها بالاتفاق مع معهد الصحافة والاعلام باستراسبورج منظمة الحلقة. وبالفعل نزلنا على حسابها في فندق محترم في بيكاديللي هو «ريجنت بالاس» لمدة عشرة أيام وليس لمدة شهر وبعدها أقمت مع صديقي عبد السلام ادريس وأنا له شاكر حسن استقباله واخاه الصادق ووفاءه الأكيد وأشعر بتقصير شديد نحوه ولكن ثقتي في حسن تقديره أكبر.
العربة «الهيلمان الجديدة لنج» اشتريتها من المدخرات المحولة من غانا وليس من آلاف الدولارات. مفهوم؟ تكاليف ترحيلها لميناء بورتسودان - وأنظر كيف حشر طريق رأس الرجاء الصالح لاحداث الأثر الدرامي دفعت بالسودان للادقاع الذي ألم بي هناك، ودفعها المخلص السيد عز الدين عثمان والمرجو من شيوعيي بورتسودان وكل من أعطى صوته لعمر مصطفى الكذاب هناك الاتصال به ليعرفوا شيئاً من معاملتي المالية المتعلقة بالسيارة معه وقد كلفتني هذه السيارة شططا، وهي سبب ربكتي المالية حالياً وعجزي عن الوفاء بكثير من ديون الاخوان الذين قبلوا دعابتي «الدين في الكتوف والاصل معروف» بطيب خاطر ومنهم عبد الله الحسن وتوفيق التجاني والعاقب محمود وكثيرون لا عدمتهم ولا جاء يوم شكرهم. وقد كان كل من له صلة بي يعرف سبب المهمة التي جئت من أجلها وقد زار معي زميلي «ممثل الصومال وممثل سيراليون» السفارة السودانية ولكن عمر مصطفى لا يتورع عن الكذب والتلفيق ما أحقر لجنة مركزية ومكتباً سياسياً يضمانه ومن هم على شاكلته. هل عقرت حواء الا من مثل هذا الموسوس الموهوم؟
الفرية رقم «61»:
يا الله اما لهذا الليل من آخر؟ يقول ان صلاحاً «له من المصادر ما يمكنه من التجول سنوياً «؟» في اوروبا «؟» والنزول في الفنادق الفاخرة «؟» وشراء العربات نقداً «؟» أنظر تأثير المبالغة الدرامية.
الفرية رقم «71»:
وتتعلق بريتشارد رايت. ان ريتشارد رايت لم يكن خائناً ولا عميلاً ولكن دفعه الى ما دفعه اليه موقف امثال عمر مصطفى الفنطوط من كاتب ذكي مثله - لقد تعرفت بزوج ابنته «هنري هيرفي» محرر النسخة الفرنسية لصحيفة «الشرارة الغانية» وابنته «جوليا رايت» زوجة اخي هنري هيرفي فوالله ما وجدت لديهما من بساطة واخلاص واندفاع وحب للناس وقناعة فكأنما جوليا ملاك وكأنما هنري نموذج مصغر لكل فضيلة وكانت «جوليا» تعمل في سكرتارية نكروما ولعله جاء بها اكراما لذكرى ابيها فقد كان نكروما مولعاً بجمع التحف البشرية النادرة. وشهد بيتهما - كبيت آل هودجكن - النقاش العنيف بيني من جهة وبين آل هيرفي وبعض المكافحين من جنوب افريقيا وسواها من جهة أخرى حول الجوانب السلبية والمعدية للاشتراكية والتقدم في عهد نكروما. وفي بيتها تنبأت بحدوث انقلاب بناء على تقديرات سياسية محضة.
عن طريق هنري هيرفي الذي ظل يدعوني الى باريس تعرفت مع «الين رايت» ام جولي وزوجة الكاتب تعمل بدار للنشر، امرأة عملية وتقدمية فيها حزم وغيرة واضحة على الحقوق الشخصية العامة، يهودية ولكنها ضد الصهيونية وكنت متحرجا منها خلال الحرب حتى تكشف لي صفاء رؤيتها وخلوصها من العنصرية، ولقد عرض على ّ هنري وجوليا أن أقيم ليلة شعرية بنادي في سنت ميشيل اقرأ فيه شعراً عربياً حول فلسطين على ان يقدما الترجمة الفرنسية، وكان هنري قد ترجم لي مقطوعات من شعري الى الفرنسية في جريدة الشرارة.
وعن انسانية هذه العائلة ومن ثوريتها ووضوح رؤيتها ومثاليتها تأكد لي أن ريتشارد رايت لا يمكن أن يكون خائناً وعميلاً والا لترك اثراً ولو خفيفاً باهتاً فيها فعرفت أن الاتهامات التي وجهت اليه هي افتراءات من تلفيق عمر مصطفى المكي «الطبعة الأجنبية».
صرت أقيم مع هنري كلما جئت الى باريس في غياب عبد الله الحسن: جيبنا واحد، ووقتنا مداعبة ومرح أو مناقشة لها بوخ لا سيما حول هزيمة العرب، ويسرني أنه لم يعد يناقشني في نكروما بتلك الحرارة الماضية فحين حدث الانقلاب. وقف أمثال هنري يحاولون جمع شمل المقاومة على حين هرب جميع قادة الحزب وكنت اراقب مجهوداته عن بعد ولكنه سرعان ما يئس إذ لم يكن هناك حزب ابدا فالتجأ الى السفارة الكوبية حيث صرت أزوره رغم تحذيره لي وبعد أن سمح له بالخروج من غانا إعتُقل في المطار خرقاً لكل خلق سياسي وعرف دبلوماسي بعد التأكيدات الممنوحة للسفارة الكوبية وبعد ان سمح له بالسفر ثانية بعد تدخل السفارة الفرنسية ومساعي السفارة الكوبية المستمرة، وبعد أن جُرد من كثير من ممتلكاته التحق بنكروما في كوناكري فرأى قائده مصراً على خداع النفس والتمسك بالانتهازيين والجواسيس ومن ثم رجع الى باريس لتبدأ فترة «الطيران» والملاحقة والمطاردة عين ما مررت به، ولكنه ظل هو أيضاً غنياً بالتعفف ومحتفظاً بكبريائه حتى وجد له عملاً بصحيفة اقليمية ووجدت زوجته عملاً بمجلة «جون افريك».
إنني أحيي آل ريتشارد رايت من هنا، أحيي إيلين رايت الأم الحنون وهنري هيرفي وجوليا وراشيل وسهراتنا حتى مطلع الفجر بسنت ميشيل ولدى الصديق الجزائري «بن مبخوت» فها أنا قد عدت ثانية الى ملاحقة النفوس البغيضة التي تشوه كل معنى جميل بحقدها وحسدها وجهلها وصغارها وكأنما هي حامض الكبريتيك.. رجعت الى عمر مصطفى المكي والى أنانسي والاربعين حرامي.
رجعت الى الارق وأنا أرى بعيني «زرقاء» الغابة الزاحفة على مسيرة ثلاثة أيام وقومي لا يصدقونني.
رجعت الى صياح «يوحنا المعمدان» الذي لا يترك للاشرار جنوباً يرقدون عليها. «رجعت!
«4» ولا يحرمنكم شنآن قوم الا تعدلوا.
الفرية رقم «81»:
وتتعلق بما أسماه مسيلمة هجومي على نكروما.. «الهجوم المر الذي ينضح كراهية وحقداً على الزعيم الافريقي العظيم» عمر مصطفى في دفاعه عن نكروما مثل الجهل الاعمى الذي يتسم به في حين كان موقفي موقف من يعمل وفق مبادئ واضحة وتبصر تام، وما عرف أحد في السودان نكروما مثل معرفتي به.
في أيام نكروما كان لي موقفان في وقت واحد ينبعان من عين الحقيقة والحقيقة ليست واحداً إزاء اليمينيين الذين كانوا يهاجمون أفضل ما في نظام غانا كان على الذود عما أراه حسناً وينبغي الدفاع عنه سواء داخلها أو خارجها وهذه الصحيفة «الصحافة» شهدت لي مقالاً طويلاً دفاعاً عن الرجل - مع التحفظ المعتاد واللازم - وكذلك محاضراتي بام درمان «دار الصداقة السوفيتية وبحري «المكتبة» وقد أوشك البوليس أن يذهب بنا الى الحراسة يومها لنقدي للحكم العسكري، وفي سواهما ولقد تحدثت صبيحة الانقلاب في جمهرة من الطلاب في مدخل «كومونولث هول» مندداً بالحكم العسكري وحاولت عمل شيء في حدود امكانياتي منها الشروع في سلسلة بحوث مع ماركسيين آخرين بعنوان «ما الخلل الذي اعترى غانا تتناول تقييماً ماركسياً للتجربة الغانية وترد في نفس الوقت على سلسلة الهجوم اليميني الذي شنته «الدراسات الاضافية» عندئذ بمحاضرات تحمل نفس العنوان بيد أن محاولتنا باءت بالفشل لانهماك الجميع في الامتحانات واعتبارات عملية أخرى.
أما مع المدافعين بلا تحفظ أو استبصار من أهل اليسار فقد كان موقفي على النقيض، كان موقفي التركيز على فضح عيوب النظام وتجسيدها، على كشفها بقسوة، متناهية كما أفعل الآن بعيوب الحزب الشيوعي السوداني التي منها عمر مصطفى المكي الكذاب رغم انني لم أفشل في كتابة مقالتين طويلتين دفاعاً عنه ايام حله والهجوم عليه أحداهما بعنوان «ليفتح الشعب عينه جيداً» نشرت بالايام والأخرى وقد بذلت فيها مجهوداً أكبر اضاعها السيد محجوب محمد صالح قبل نشرها وإن قرأها منه بعض اصدقائه لعل منهم جمال محمد أحمد، مع المدافعين جزافاً كنت أبدو كما لو كنت أشن هجوماً على النظام بل هي عيوبه والانتهازية التي تنخر فيه كالسلال والانحراف الذي أودى به وخيانته للجماهير الكادحة التي انطلقت ترقص مرحى يوم ان سقط كأنه بيت من الورق المقوى ولم يقف أحد ليدافع عنه أو يحامي دونه.. تلك العيوب التي فضح بعضها بشجاعة الرجال النائب «ادريسو» قبيل الانقلاب حين أشار باصبع الاتهام الى الوزراء وكبار رجالات الحزب واعضاء اللجنة المركزية واوشك لولا التقيه ان يتهم الاوساجيفو نفسه بالتواطؤ. وجرد ادريسو من نيابته وطرد شر طردة من الحزب وأخذت الصحافة الحزبية والرسمية تنهش سيرته في حملة مسقة مركزة شاملة كلها سباب محكم «وانزل ملفه» كما يقولون - كمعتاد مثل هذه الأحزاب لمن يبدي شجاعة إزاء عيب فيها. وقد أتاح لي عملي بالقسم العربي من الاذاعة الغانية ان أشاهد كيف لم ترحم سمعة ذلك المواطن «ادريسو» من النهش حتى أمام المستمع الأجنبي، فصار ادريسو بجرأته تلك من مسببات الانقلاب على نحو ما ومن أبطال الشعب المغلوب على أمره لفترة من الزمن. ولولا حدوث الانقلاب لسيق الى «قلعة أشر» أو إلى سجن «نسووام» مثل سائق السيارة التي كتب عليها «الحياة شاقة» فاذا به يقذف في غيابه السجن وينسى فيه دون محاكمة حتى أنقذه زوال ذلك الحكم. عمر مصطفى الجاهل لا يعرف كل هذا وهو من انبرى يكتب المقالات المطولة في شيء لا يعرف عنه شيئاً بل ينقله نقل مسطرة من كتب نكروما وخطب نكروما واذاعاته المتبجحة الكاذبة من كوناكري التي كانت تسلية أهالي اكرا بما تحدثت عن «حمام الدم» ولا حمام دم وعن حظر الموهوم للتجول في اكرا والشعب يتجول ويرقص ويحرق صور «مسيح افريقيا» ومنبع الشرف والصادق الوعد والمنقذ في الزنقات وعبقرية العبقريات - وهذه كلها من ألقابه.
يتبع
4سبتمبر 8691
رقم العدد 0071


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.