لتفادي تجدد القتال بين السودان ودولة جنوب السودان نجحت مساعي الاتحاد الأفريقي في انتزاع اتفاق أمني بين البلدين ينص على عدم اعتداء أي طرف على الآخر ، وذلك في خطوة استباقية تحسباً لنشوب حرب بشّر بها الطرفان بصورة علنية ومباشرة خلال الايام الماضية . وتأتي خطوة الوساطة الأفريقية مفاجئة لكثير من المتابعين، وذلك قياساً للتصعيد المتواصل بين البلدين والذي بلغ مداه خلال العشرة أيام الأخيرة حيث لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تثمر محادثات أديس عن أي مخرجات ايجابية . وعلى الرغم من تواري قضية النفط بتشعباتها المختلفة والاخفاق حتى الأن في التوصل الي صيغة مناسبة بخصوص رسم عبوره عبر أراضي الشمال، الاّ أن الاتفاق الذي أبرم أمس مساءً في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا قد يُنهي التوتر المستمر على الحدود بين البلدين الذي لم يتوقف منذ يونيو الماضي . وبدا واضحاً حرص رئيس فريق وساطة الاتحاد الافريقي ثامبو أمبيكي على احتواء الأزمة في أضيق نطاق وذلك خشية من أن يؤدي تفاقمها الى نشوء حرب أهلية جديدة في المنطقة، وحسب ما ورد في الاتفاق الذي وقعه مديرا جهاز الاستخبارات في البلدين فانه يتعين على كل طرف احترام سيادة وسلامة أراضي كل منهما والكف عن شن أي هجوم خاصة عمليات القصف الجوي أو البري . ووفق الوساطة الأفريقية فان الموثق الذي أّخذ على الطرفين من شأنه نزع فتيل التهديد بنشوب حرب، فقد أوضح أمبيكي للصحفيين عندما سُئل عما اذا كانت الاتفاقية ستنزع فتيل التهديد بنشوب حرب، ان «هذه الاتفاقية تعالج تلك القضايا». فيما أوضح مسؤول حكومي رفيع تحدث ل« الصحافة » ان ما تم التوقيع عليه أمس عبارة عن اتفاق مبادئ وليس بالاتفاق النهائي ، وأضاف بقوله «هو اتفاق مفتاحي من شأنه اعطاء مؤشرات لامكانية التوصل الى حلول في المحاور الأخرى» . وشرح المصدر ذاته، بالتفصيل جدوى التوقيع على اتفاق أمني لوقف العادئيات بين البلدين، معتبراً اياها رسالة اطمئنان يبعث بها كل جانب الى الجانب الآخر كما أنها بمثابة شارة انطلاق نحو الشروع في عملية التفاوض في الملفات الأخرى العالقة. بينما يرى خبراء أن دبلوماسية الاتفاقيات لطالما تم دحضها من كلا الدولتين فسرعان ما يتم انتهاك الاتفاقيات والعودة الى المربع الأول ، وعلى ما يبدو أن الاتحاد الأفريقي أدرك مواطن القصور في امكانية الالتزام بتنفيذ ما اتفق عليه حيث أنشأ فوراً آلية لمراقبة سير تنفيذ الاتفاق بتشكيل آلية مراقبة يستطيع كل من الجانبين التقدم، من خلالها، بشكوى اليها حال وقوع أي حادث على الحدود. ستكون هذه الآلية مسؤولة عن بحث أي اتهامات أو شكاوى . فبين تمسك جوبا بمعالجة كافة القضايا العالقة لتشمل بذلك الخلاف حول المناطق الحدودية المختلف حول تبعيتها اضافة الى ملف أبيي ، تسعى الخرطوم الى تحصيل حقها من عائدات النفط وأخذ استحقاقاتها وان كانت عيناً. وكانت حالة الاحتقان بين الدولتين الجارتين قد سدت أي افق للحل السياسي في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين، تاركةً المجال الى لغة العسكر والرصاص ، وبدا من النجاح في التوصل الى الهدنه الأمنية أن العلاقة بين الدولة الناشئة وحكومة السودان قد أضحت علاقة أمنية من الدرجة الأولي ، على الرغم من أن الخارجية السودانية اعتبرت أن العلاقة بين البلدين تزاوج ما بين العلاقة الأمنية و السياسية لتؤدي في نهاية المطاف الى توفير الثقة بين البلدين. وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية العبيد أحمد مروح ان الاتفاق الأمني يمثل أرضية ثابتة لطرح بقية ملفات « الحدود ، الجنسية ، النفط، المتأخرات المالية ، الجنسية » ، وأضاف مروح بقوله» اذا لم تتوفر الثقة والطمأنينه اللازمة في الطرف الأخر لا يمكن ان يكتب لأي تفاوض حول التجارة أوغيرها النجاح « ، وزاد قائلاً « من غير الممكن أن تنجح عملية التفاوض في القضايا العالقة وهناك طرف يأوي ويساعد الحركات المتمردة ويساهم في زعزعة أمن واستقرار الطرف الآخر ، فما فائدة الاتفاق على قضايا جنسية وحدود وغيرها « . ولمّا كانت الحرب تنتج من فعل عدائي ينتج من حالة عدم التوصل الى اتفاق حول أجندة بعينها فان احتمال وقوع الحرب بين الخرطوموجوبا لا يزال قائما لدى المحلل السياسي عمر الحاوي الذي يرى ان الاتفاقية الأمنية لن تبعد شبح الحرب مالم تتبعها اتفاقيات أخرى في القضايا الأكثر أهمية بين البلدين ، وقال الحاوي ل« الصحافة » « اتفاق حسن النوايا الذي وقع من الممكن ان يكون لديه دور في حل الملفات الأساسية الأخرى، أما وان لم يحدث ذلك فان بقاءه منفرداً لامعني له ولن يحدث أثراً « . وأضاف ان الوساطة الأفريقية قدمت القضايا الأسهل على طاولة التفاوض تمهيداً للقضايا الشائكة وذلك في مسعى منها لايصال رسالة ايجابية . العبيد مروح يشير الى ان فلسفة اللجنة الأفريقية العليا برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو أمبيكي في التفاوض تمضي في ثلاثة مسارات شبه منفصلة أولها ملف أبيي الذي يحكمه الاتفاق الذي وقع في يونيو الماضي وهذا الملف تحديداً لايتم حسمه الاّ بالتشاور بين رئيسي الدولتين ومن ثم يتم اخطار رئيس الآلية به حتى يفرغه في صيغة مسودة اتفاق نهائي ، وأوضح المروح أن المسار الثاني هو الأمني الذي يشرف عليه وزيرا الداخلية والخارجية ورئيسا الأجهزة الاستخباراتية في البلدين وهذا المسار يُعني بالقضايا الأمنية وقضايا الحدود . المسار الثالث الذي اختطته الوساطة يشمل قضايا النفط والتجارة والجنسية والاقامة وترسيم الحدود والمتأخرات، وكشف المروح «للصحافة» عن استئناف لجان التفاوض حول قضية النفط مساء امس السبت برئاسة وزير الدولة برئاسة الجمهورية ادريس عبدالقادر ووزير السلام بحكومة الجنوب باقان أموم . ويأتي اتفاق وقف العدائيات في وقتٍ لا تزال فيه ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق تعيشان حالة من فقدان الأمن مما أدى الى تدهور الأوضاع الانسانية بصورة مضطردة ، الشئ الذي أعربت حياله مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين عن عميق قلقها لاسيما مع تزايد حالات النزوح منذ يوينو 2011 متوقعة ان يترتفع عدد اللاجئين الى 185 ألف لاجئ خلال العام الحالي ، وأصدرت المفوضية نداء الى المانحين الدوليين بتقديم 144.9مليون دولار لتقديم مساعدات انسانية . وقالت المفوضية « تشعر وكالات الاغاثة بقلق لأن انعدام الأمن الغذائي في جنوب كردفان والنيل الأزرق سيصل الى مستويات خطيرة سريعاً خلال العام الجاري» مشيرة الى ان الأممالمتحدة لا يمكنها الوصول الى هاتين الولايتين.