لم يهدأ للانسان بال منذ أن أراد له الرحمن أن يلعب دوره المناط به في هذه البسيطة الا وهو إعمارها ما دامت هي المستقر والمتاع، وظل ينتقل من مرحلة تاريخية الى أخرى ضمن حلقات التطور البشري سعياً نحو الكمال الانساني، تمرد اول ما تمرد على التشرذم والانفراد، وسعى بطبيعته المتأصلة كحيوان اجتماعي مقارنة بغيره من مخلوقات الرحمن الى التجمع والتكتل سعياً نحو المجتمع الافضل والأقوى مقارنة بالمجتمعات الأخرى، وما فتئ الانسان خليفة الله في الارض يسعى سعياً دؤوبا لتنظيم علاقته مع نفسه من جهة ومع المجتمع من جهة أخرى، قاصداً تحديد حقوقه وواجباته من أجل البقاء والعيش على سطح الارض، وعبر مخاض التجربة الانسانية فقد الانسان كثيرا من حقوقه التي يعتبرها عالم اليوم من الحقوق الاساسية واللصيقة التي لا مناص لمجتمع انساني ان يقوم بدون توفر تلك الركائز. ولعلنا ندرك خطورة تلك التحولات المذهلة التي برزت للعيان ولم تكن في الحسبان وتمحورت حول المياه بدءاً بسد الالفية والى تفكيك خزان جبل الاولياء الذي تم تشييده في عام 1937م بواسطة الحكومة المصرية مقابل التوسع في الزراعة بمشروع الجزيرة اتفاقية 1929م وظلت تقوم بإدارته حتى عام 1977م عندما تم الاتفاق بأن تتولى حكومة السودان الاشراف عليه وادارته، وقد كانت مساحة البحيرة عند ملء الخزان في 1937م 200.000 فدان ما يعادل 840 كلم مربع، ونصت الاتفاقية على تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار المجتمعي للسودان وللنيل الابيض على وجه الخصوص نسبة للغمر الذي حول مسار الحياة النمطية والتغير الواضح في التحول الذي طرأ من خلال السد، والنقلة التي حدثت للانسان والحيوان فأضحى واقعا تعايش الناس عليه ردحا من الزمان واستفاد الانسان من المساحات المروية ومساحات الري الفيضي التي تقدر بمائة وخمسين ألف فدان لزراعة الخضر، وأخرى تقدر بثمانين ألف فدان للمرعى حيث يعتمد انسان النيل الابيض على الزراعة والرعي وعاش سكان المنطقة في الفترة ما بعد تهيئة الخزان على واقع معاش يتسم بالثبات النسبي، وتأقلم الانسان على ذلك وحمد الله عليه، ولكن هنالك من أراد أن يضرب النيل الأبيض ويفض سامرها ويدخلها في صراع الألفية الثالثة وتحدياتها، علماً بأن انسان النيل الابيض يعيش على وجود السد؛ لأن معظم الاحتياجات والصناعات المحلية تتوفر له، مع بقاء السد وكل الوسائل المتاحة للنقل والترحل من الضفة والى الأخرى تخدم قطاعا كبيرا من المزارعين، اضافة للثروة السمكية التي تغطي قطاعا عريضا من الاقتصاد السوداني بما يتوفر من اسماك تغطي حاجة الانسان، وان الانسان الذي تم تهجيره في فترة انشاء السد وخزان الجبل مازال قابعا في تلك الرقعة الجغرافية التي تعرف عليها بعد الغمر فكيف ينتقل الى جهة لم توفر له فيها كافة المعينات الحياتية والمعيشية التي تكفل له الاستقرار؟ والشيء المؤسف حقاً ان هذه التطورات والحراك االدائم واللجان القاعدية والمجتمعية والهيئات ومنظمات المجتمع المدني التي تنحدر من النيل الابيض لم أر أي مسؤول من حكومة ولاية النيل الابيض يستعرض ذلك الموضوع وأني لألتمس لها العذر لأنها مثقلة بمشاكلها الداخلية مشغولة بأزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومهمومة بالكراسي وبقاء النوع في السلطة حتى ولو كان غردون في القصر كما قالها احد المتربصين بالنيل الابيض صاحب الفلل الرئاسية في النيل الابيض فلذلك لم نتمكن من مواكبة تلك التحولات والتطورات وفشلت في الاستفادة من الفرص الايجابية التي اتاحتها العولمة الاقتصادية، كما لم تتمكن من تجاوز مخاطر التهميش والعزلة في عالم لم يعد يعرف التقاعس عن الركب والتهميش وغياب حكومة النيل الابيض لم اجد له اي مبرر وايضا لم اجد مبررا لاغلاق الهواتف الخاصة بالوالي وهو الذي أتت به الجماهير حينما وعدها في الحملة الانتخابية وحينها اقول ان قدرة حكومة النيل الابيض على مواجهة تلك التحديات تعتمد على قدرتها على مخاطبة الازمات والمشاكل الداخلية المزمنة والموروثة منذ عهد الخلايا النائمة التي تمركزت واصبح لها شأن وسادت ولكنها تركت عبئاً ثقيلا يحتاج منا جميعاً ان نغيره بالرجوع الى الله ومعالجة سلبياته وقوفاً على الانسان والحيوان ،وانها المسؤولية الربانية التي اولاكموها الله وانه سائلكم عما استرعاكم عليه وان طرحنا لموضوع الخزان ومعاناة الانسان في المنطقة هو بداية التصحيح لتحديد مسارات آمنة يعيش فيها انسان النيل الابيض في أمان ويتمتع بحرية لا تمليها عليه القبيلة ولا المستنقعات الآسنة، وبلا شك ان توفر مصادر المياه المتعددة والمساحات الشاسعة من الاراضي المسطحة والخصبة وتعدد انواع المناخ هيأ للنيل الابيض فرص تنمية زراعية وافرة، وانتاج انواع مختلفة من المحاصيل، الى جانب تنمية ثروة حيوانية مقدرة ولذلك تمسك انسان النيل الابيض ببقاء الخزان وكونت هيئة تسمى الهيئة العليا لمناهضة خزان جبل الاولياء فيها شباب متحمسون لا يعرفون لليأس سبيلا ومع العلم ان الدراسات التي توفرت لهم من الخبراء والمختصين في مجال المياه أوضحت لهم خارطة الطريق وبصرتهم بمعالمه. في مقبل الايام نواصل في دراسة المجرى الملاحي خلال فترة الصيف وانحسار النيل مع مقترح لنظام ادارة المشاريع الجديدة على نظام التنمية الريفية المتكاملة والمستدامة.