كلمة الدستور طرقت آذاننا وما زالت تطرقها منذ سنين عددا... كثر استعمالها عند تغيير الحكومات المتعاقبة. والواضح ان هذه الكلمة أصبحت ديدنا للدول النائمة.. والمغنطسة في نومها والآبية ان تفوق من نومها تحقيقاً لرغبة ابنها خليل فرح.. ودأبت خلال نوبات إفاقتها، وما أقصرها، تهاتي بالدستور وما أدراك ما الدستور. وغيرنا من الدول غير المغنطسة قد فرغت منذ امد طويل من تحديد مضمونه ونعمت بالعيش في ظله أمنا وأمانا.. وعرفت كيف تصونه وتحرسه من فرسان الليل. وما عادت الكلمة تطرق آذان شعوبها لسريان مضمونها في عروقهم منسابة فيها ممتزجة بدمائهم لا تكاد تميز هذه من تلك. الا ان الحال على غير ذلك في دول العالم الثالث، عافاها الله، مما حدى بالامام محمد عبده اطلاق صرخته المدوية «وجدت الاسلام هناك ولم أجد المسلمين» وكانت المقولة صفعة بل ولطمة قاسية على نفوسنا.. ومع ذلك فشلت الصيحة أو الصفعة او اللطمة، او سمها ما شئت، فشلت ان تيقظنا من سباتنا كما فشلت من قبلها صرخة خليل فرح «يا عازة كفاك نومك..» فما زالت عازة في سبات عميق. غير دارية ان ابناءها البررة في نقاش محتدم بشأن استرداد حقها الدستوري الضائع في الامامة ومحازاتها للرجال في صفوف الصلاة.. ولا يعلم الا الله وحده متى وكيف تكون تلك الافاقة. والمدهش في الامر ان المناداة بالدستور في ظل الشمولية لا يقل عنه ابان فترات الديمقراطية القصيرة الامد جدا اذ تبلغ نسبتها المئوية عشرة في المائة من سنوات استقلالنا والتي بلغت ستة وخمسين سنة مخصوماً منها ستة واربعين عاما شمولية وما تبقى اقل من اصابع اليدين كان للديمقراطية وخلال الفترتين تجيء كلمة الدستور وتملأ كل مجالات الاعلام المقروءة والمسموعة منها والمرئية وتعلو الاصوات وغالباً ما يحمي وطيسها بذات كيفية الرأي والرأي الآخر في قناة الجزيرة.. صراخ ونزاع وتهديد ووعيد وخلاف تعدى المضمون وانحصر في المفردات ومن منا ينسى زوبعة التوالي والتي ما زال مضمونها في بطن شاعرها او كما يدور في هذه الايام في شأن الحقوق الدستورية لحواء في شأن إمامتها ومحازاتها في صفوف الرجال وهل ما يدور في هذا الامر الا يحاكي ويطابق مشغولية قادة اليونان قديما في ايهما جاء اولاً البيضة ام الدجاجة وبلادهم محاصرة بالعدو... كل ذلك اصبح ماثلا امامنا يبكيه وقت بلادنا الضائع في ما لا يسمن ولا يغني من سفاسف الامور والرغبة العارمة المتأججة في البقاء تحت الاضواء فحسب. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل للدستور تقدير كامل في بلاد هذا حالها، سواء من الدولة ذاتها او من مؤسساتها؟ ام انه بفرض وجوده، قد اتخذ مهجورا؟ وباستعراضنا بعضا منها يتبين لنا ان معرفتهم له هي معرفة شكلية فحسب اما من حيث المضمون والتطبيق فهم براء منه!! وتعزيزاً لما نقول ما قصّ علىّ احد اساتذة القانون المصري ان نقاشا احتدم بين بعض الاساتذة ومدير جامعتهم الذي كان يتميز بالعنجهية والاستبداد بالرأي، والذي كان يستمع الى المتكلم وأصابع يده تداعب مسبحته ذات الحبيبات الكهرمانية الغليظة ولفيف من الاساتذة يستمعون لزميلهم باسط المظلمة. وما ان قال المتظلم «والقانون يقول... وهنا قاطعه المدير موجهاً حديثه الى محدثي قائلاً: «القانون!؟.. قل له يا فلان «محدثي» انا بعمل في القانون ايه؟ فرد عليه محدثي بعفوية شديدة وجدية قائلاً: «بتضربه بالجزمة يا بيه» وارتاح السيد المدير لهذه الاجابة والتفت الى المتظلم قائلاً بسخرية واستهزاء «ها استمر يا استاذ!». فان كان هذا هو شأن رؤساء مؤسسات دول العالم الثالث فما بالك باربابها؟؟ والسودان بوصفه عضواً مهماً في مجموعة الدول النائمة فان اجواءه السياسية قد عرفت كلمة الدستور وكثر النقاش بشأنه في مختلف حقبه التاريخية وما زالت اللجان تتكون من أجله وتتفرق على التوالي دون فائدة تذكر. خلاصة الأمر فإن الدستور وسيادته يتطلب توافر ظروف معينة يعرفها الجميع وبمجرد توافرها فإن الدستور سوف يجيء جارياً في عروقنا منعكسة آثاره على سلوكياتنا وعندئذٍ فقط سوف نرى في بلادنا الاسلام والمسلمين... لا المسلمين فحسب وترتاح آذاننا من حجوة ام ضبيبينة.