تناولت الصحف المحلية ووكالات الأنباء الأسبوع المنصرم تصريحات رئيس البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقى لدارفور «يوناميد» السيد/إبراهيم قمبارى (صحف الإثنين 13/2/2012 ) كان فحوى تلك التصريحات قرار مجلس الأمن الدولي القاضى بمراجعة وضعية بعثة يوناميد وإعلانه أن الأموال الناتجة عن تقليص البعثة سوف يتم تحويلها لدعم برامج التنمية بدارفور ، ذهبت أكثر نائبة رئيس البعثة عائشة ميندا بتفصيل أكثر فى التزام البعثه بتنفيذ مشروعات ذات عائد سريع فى جميع انحاء دارفور خلال الفترة القادمة بهدف تحفيز ومساعدة المجتمعات المحلية على التعافي «الصحافة عدد الجمعة 17 فبراير 2012 وتأكيدات الناطق الرسمي لوزارة الخارجية. حتما ان اى عمل تنموي خلال هذه الفترة فى دارفور يركز على الأبعاد التنموية وبتدرج من العمل الانسانى للمعافاة وصولا للعملية السلمية والتنمية هو عمل مطلوب وبشدة ومقدر من قبل المجتمعات المحلية التى ضاقت من ويلات الحرب والصراع فى الإقليم ، وبلا شك هنالك آليات وشركاء تقع مسئولية مثل هذه الاعمال ضمن اختصاصهم وفق اتفاقيات قطرية مع حكومة السودان وفوق كل ذلك رؤية الدولة وخططها واستراتيجيتها وأولياتها القومية التى هى فى المقام الأول شأن سيادة هى الأقدر على تحديده. المؤسف انه لم يجف مداد قرار انتهاء اجل بعثة حفظ السلام «يونامد» التى جاءت على خلفية اتفاقية السلام الشامل وذهبت بكل ما جرته من خلط للأوراق وتبديد الأموال وحجمت دور البرنامج التنموي للأمم المتحدة وأبعدته تماما عن مساره التنموي الى تحقيق مهام البعثة بغفلة تامة من كل المؤسسات الحكومية والسبب كان هو تعاطى الجهات المسئولة بالدولة مع هذه الملفات بعدائية مفرطة ومفرغة تماما من اى محتوى مهنى قادر على توجيهها نحو الأهداف والغايات التى جاءت من اجلها والنظر بعين الشك الذى يجانبه الصواب تاره ويكون مجرد حديث تتناوله الألسن وتردده كثيرا. المهم فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان ان ننظر ولو لمرة واحدة الى تدخلات الشركاء بمهنية عالية نتعمق فى التحليل والدراسة ونتابع الخطط اولا بأول وقدر من الاهتمام والعناية بالكوادر التى تعمل فى هذا المجال ، ان اكبر نقاط ضعفنا هو الكادر المقتدر والفريق المهنى الذى يتناغم مع سياسات واستراتيجيات الدولة ، لكن هذا المفهوم اضمحل بسبب تعدد قنوات العون الخارجى وتراجع وضعف مؤسسات الخدمة المدنية وعدم التنسيق. الدروس المستفادة من تجربة الستة أعوام السابقة كثيرة وجد محزنة ضاع فيها الكثير ولم يتحقق شىء على الأرض ، اذ لم تجن مجتمعاتنا تنمية تعيد الحياه والزرع رغم ضخامة ما صرف من أموال من قبل الدولة والمنظمات ، لذلك بدل ان نرتبك ونترك الحبل على الغارب لبعثة الاممالمتحدة والاتحاد الافريقى لتعمل بعيدا عن مهامها لتعيد ذات سيناريو يوناميس فى دارفور وسط فرحة انتقال السلطة الانتقالية الى الاقليم والذى نزل بردا وسلاما على الكثير من المنظمات والوكالات الاممية لا لسبب إلا لأنها سوف تكون بعيده عن جهات تقوم بالمساءلة والتدقيق وحاليا تقوم بوضع منهج مهني أرسلت عبره رسائل استراتيجية برؤية واضحة وفى غاية الاهمية لتلك المؤسسات الدولية بعيدا عن رؤى الساسة والقيادات الذين ظلوا ولفترات طويلة يعملون على إخماد الحرائق ، علينا ان ننظر لتلك التجارب بتركيز وتنظيم أدق وفق أولويات واحتياجات وخطط قومية تأخذ الواقع المحلى فى الاقليم وليس العواطف والأمنيات التى لاتبنى الدول والمجتمعات او ان يخرج علينا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ليعيد ذات حديث رئيس البعثة فى توجيه الناتج من تقليص حجم بعثة الاممالمتحده وتخصيصه للتنمية، ليس المطلوب هنا فقط النظر الى عملية التخلص من العدد الكبير للقوات التى فشلت فى اول مهامها وهو حماية المدنيين وقواتها، ومن دون شك هو نتاج استراتيجى يدعم عملية التعافى السياسى واستراتيجية للامن القومى وابعاد الوجود الاجنبى، وبالمقابل يجب ان لايتم تجاهل ما ينتج من اموال تتوفر من ذلك التقليص بل التعمق فى دراسة ميزانية البعثة التى يبلغ حجمها مليار وستمائة مليون دولار سنويا وتوجيه ما يتوفر من أموال التقليص الى وكالات الاممالمتحده المتخصصه للتنفيذ كخيار سوف يفرض بقوة وهو ليس الامثل رجوعا للتجارب السابقة باعتبار انها اموال ضمن حصة السودان ويجب على اقل تقدير توجيهها نحو اهدافها وبآليات معروفة وليس عبر يوناميد ، وإذا فرض فإن تلك الوكالات على الاقل تعمل وفق اتفاقيات وبرامج قطرية محكومة بأولويات قومية - على الاقل تحرسها رؤى وطنية بادنى مستوى من التنفيذ هو المتاح حاليا - قطعا اقليم دارفور فى قمة تلك الاولويات خاصة الاطار الجديد للمساعدات التنموية للامم المتحده( 2013-2016) بذلك يمكن فك الارتباط بين مهام البعثة كآلية لحفظ السلام وحماية المدنيين وتركيز جهودها المتبقية فى توفير البيئة الآمنة للتنمية ، وبين الدور الجديد الذى تحاول جهات عديده رسمه بعناية للبعثه كآلية لتنفيذ البرامج والمشروعات التنموية ، علما بان هنالك دور كبير يمكن ان يقوم به برنامج الاممالمتحده الانمائى بدارفور اذا تم التنسيق بينه ورئاسته فى الخرطوم والحكومة الاتحادية ، فلماذا لا يعطى هذا الدور ام ان هنالك عمل ما يرسم فى دهاليز المنظمة الدولية غائب عنا ، خاصة فى ظل الواقع الجديد فى دارفور بعد انتقال السلطة الانتقالية للإقليم والذى تسربت أنباء عن حدوث تباين وانقسام وسط منظمات الأممالمتحده ، يرى بعضها العمل مباشرة مع الاقليم وسلطته الانتقالية والآخر يرى خلاف ذلك اى العمل مع الاقليم عن طريق المؤسسات الاتحادية فى المركز لضمان التماسك والتنسيق فى الاستراتيجيات والأوليات القومية ومعالجة إشكالية التداخل والتفلتoverlapping ، قد يساعد فى عملية الارتباك والتداخل وجود قيادة جديدة فى الاقليم وأطراف سياسية متعددة الرؤى تتوق لتحقيق تنمية وحراك سياسي من خلال برامج ومشروعات تنموية حتى ولو خالفت التفويض والاتفاقيات المبرمة ، المهم تحقيق شىء على الأرض وهذه للأسف الشديد رؤية العديد من الولايات وليس أمامنا غير التحسب لمثل هذا الفخ خاصة القيادة الانتقالية وولاة دارفور ومراجعة مسيرتنا التنموية وعملنا الانسانى. احد أعمق أزماتنا هو غياب التواصل المهني والفني بين قيادات الخدمة المدنية والجهات التى تصنع القرار بل وتجاهل لكثير من الجهود اما لعدم فهم وإدراك او تعال زائف ، فهل يدرك متخذو القرار ان هنالك حراكاً فكرياً واستراتيجياً يدور فى احد مؤسسات الدولة لوضع رؤية وإستراتيجية للأولويات التنموية القومية للمرحلة الأكثر تعقيدا وهى الفترة القادمة استنادا على التجارب السابقة التى اكتنفت عملية السلام ، فهنالك قراءة متأنية تتم للبرامج القطرية للفترة القادمة «أربع سنوات» تقوم على مبدأ تغطية كل ولايات السودان واعتماد النظم الوطنية بتدرج وصولا لتحقيق الملكية الوطنية والاستدامة المؤسسية لكل العملية التنموية وخططها. رجوعا الى تقليص البعثة وفق قرار مجلس الأمن فان الناتج من التقليص فى شكل تمويل ليس من حق البعثة بحكم مهامها طلب التمويل والعمل على تحويله لتنفيذ مشروعات تنموية فى الإقليم لان هنالك جهات معنية بذلك داخل المنظمة الدولية أكثر دراية بذلك والأممالمتحدة تدرك ذلك الا اذا ارادت ان تغمض عينيها لامر ما؟؟ ، فى مثل هذه الحالة فان حكومة السودان عبر مندوبها الدائم فى الأممالمتحده بنيويورك هو الذى يبادر بتحريك الملف ويتقدم بطلب مشفوع برؤية الدولة وأولوياتها وخططها التنموية وبرنامجها الاقتصادي ، أكثر من ذلك تقديم مقترحات لآليات التنفيذ ذات الفاعلية العالية التى تستطيع ان تترك اثرا تنمويا على الواقع يدركه المواطن ويسهم فى سد الفجوة التنموية ، وتباعا تقوم المنظمة الدولية بتحديد الجهة التى سوف تتولى عملية إدارة التمويل وتنفيذ البرامج والمشروعات وهى قطعا البرنامج الانمائى للأمم المتحدة والوكالات الاممية المتخصصة حسب طبيعة التدخلات ومهام وتفويض كل وكالة. ان هذه المرحلة تتطلب أكثر من اى وقت مضى مراجعة شاملة للاتفاقيات القطرية ومهام كل منظمة وبعثة ومطلوب من وزارة الخارجية مراجعة مهام البعثة فى ضوء التطورات الحالية فى الاقليم واتساع رقعة الامن والتنسيق المحكم مع الجهات ذات الصلة لتقوية التفاهمات الداخلية فى العديد من الملفات الشائكة ذات الطبيعة المعقدة التى يصعب معالجتها مفردا خاصة قضية التنمية والتحول من العمل الانسانى للمعافاة وصولا للتنمية المستدامة ولكن فى ظل بعثرة الملفات والمفوضيات والحكومة العريضة هل يمكن تحقيق ذلك؟؟. ويبقى لزاما ان تظل بعثة اليوناميد ملتزمة بالتفويض والمهام الممنوح لها وفق قرار مجلس الامن رقم 1769 تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة والذى كان محل سجال طويل بين الحكومة والأممالمتحده ،والذى نص على حماية المدنيين ودعم تنفيذ اتفاقيات سلام دارفور وحماية البعثة لقواتها ومرافقها والعمل على خلق بيئة آمنة لإعادة البناء الاقتصادي بالإقليم فهل يتم ذلك؟. ٭خبير تنموي