ولكن يبقى الرحيق! ولد الشاعر محمد الحسن سالم حميد في العام 1956 بمدينة نوري وعاش طفولته وصباه في الجيل الذي ولد على مشارف الاستقلال وتلقى تعليمه الأساسي في المدارس المحلية ثم التحق بمدرسة عطبرة الثانوية ثم التحق بالعمل في هيئة الموانئ البحرية وظل يتنقل بين مدينتين هما بورتسودان والخرطوم حيث المقر الثاني للخطوط البحرية وتعرف الناس على حميد من خلال انشطة نادي الخطوط البحرية حيث كان مسؤولاً عن النشاط الثقافي بالنادي واستطاع ان يحول النادي إلى شعلة من النشاط والحيوية لاتكاد تخلو ليلة من نشاط لحميد وكذلك كان يشهد نادي البحرية قراءات للقدال وعروضا موسيقية للفرق الحديثة مثل عقد الجلاد والسمندل ودشنت عقد الجلال باكورة انتاجها بدعم من حميد وهو كان راعياً لكل الانشطة الفنية التي تحمل روح الحداثة، وربطت حميد علاقة وطيدة بأسرة معهد الموسيقى والمسرح وعلى وجه الخصوص قاسم أبو زيد ويحيى فضل الله والراحل مصطفى سيد أحمد الذي كان من أولى التجارب: يا مطر عز الحريق يا مصابيح الطريق بالمراكبية البتجبد من فك الموج الغريق وكانت هذه أغنية لحنها وغناها مصطفى لعمل درامي من اخراج قاسم أبو زيد وبعد ذلك امتد التعاون بين مصطفى وحميد في أكثر من 20 عملا مثل عم عبد الرحيم ومصابيح السما وغيرها وما يميز حميد الشعر الدرامي القصصي ويبدو ان احتكاكه بالدراميين امثال يحيى فضل الله وقاسم أبو زيد أفاده في هذا الجانب. وظهر هذا البعد في الشخصيات التي يقدمها في قصائده مثل عيوشة وعم عبدالرحيم وروايته عن كثير من الشخصيات من الطبقات المختلفة مثل الحداد الذي يعمل في سوق نوري .. وبجانب الابعاد الابداعية العميقة تميز حميد بالبعد الانساني وكان جميلا في سلامه وكلامه وبسيطا ومتواضعا واذكر عندما زارنا في منتدى جريدة الصحافة وزين المنتدى بابداعاته الشعرية قلت للزملاء حميد يجسد بيت الشعر الشهير «هينا تستخفه بسمة الطفل قويا يصارع الاجيالا» وخلال هذا المنتدى تفوق حميد في الالقاء الشعري حتى انه خطف الاضواء من بعض الفنانين النجوم الذين شاركوا في هذه الفعالية، كانت قصائد محمد الحسن سالم حميد كأنها اغنية ملحنة تصنع الفرح للغلابة وتقدم الاحساس المرهف الجميل.. الذي يواسيهم في احزانهم ومعاناتهم.. واكثر ما يميز تجربته هذا الصدق الابداعي النبيل ولهذا تخرج كلماته من القلب الى القلب .. كان شاعرا جماهيريا ومبدعا لا يجارى في مدرسته الشعرية ومتفردا وكان مبدعا نادرا على طريقته في اسلوبه الشعري.. المتفرد واحساسه المرهف وحبه العميق للوطن.. رحل حميد بعد حياة حافلة بالابداع والالق والجمال ولكن يبقى الرحيق..