فوز كارمن وفشلنا..! صدقت توقعات (أوراق الورد) بفوز المصرية كارمن سليمان بلقب (ايديل عرب) وكنت قد كتبت الأسبوع الماضي بأن كارمن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من هذا اللقب وأشرت إلى رأي راغب علامة حولها بقوله (أنت النجومية لايقة عليك). ورددت أيضاً على بعض الأصدقاء في الفيس بوك الذين قالوا إن التونسية دنيا بطمة هي التي ستفوز وقلت لهم يجب أن تضعوا في بالكم التعداد السكاني في مصر الذي يرجح كفة كارمن المصرية، خاصة ان برنامج المسابقات الشهير بقناة ) m.b.cايديل عرب) يعتمد على تصويت الجمهور. النجمة المصرية الصاعدة كارمن سليمان تمتلئ رشاقة وحيوية وانوثة، قال عنها راغب علامة (انت تخاطبي الرجل داخلي) ويقصد أن كارمن تتمتع بلمسة انثوية ساحرة لدرجة أن أي رجل يسمعها يعتقد أنها تغني له هو فقط أما الفنانة أحلام فعندما جاء دورها للحديث عن كارمن فلم تستطع أن تعبر ووقفت تجلة واحتراماً لموهبتها العالية، ومثلها كان الملحن حسن الشافعي العضو الثالث في لجنة تحكيم البرنامج الذي ذرف الدموع عندما غنت كارمن.. كنت اختلف مع من يقولون إن التونسية دنيا بطمة ستفوز لأن صوتها أجمل لأن الغناء لم يعد هو الصوت الجميل فقط. كارمن بالاضافة إلى صوتها الجميل تتمتع بحضور ذهني على المسرح وطلة مريحة وهي تنشد الغناء بصوت جميل ووجه فصيح الجمال. بقدر سعادتي بأنني كسبت الرهان بفوز كارمن المصرية وأنا لست غريباً على الوسط الفني المصري وكان لي شرف اجراء عشرات الحوارات مع أبرز نجوم الساحة الفنية في القاهرة من نور الشريف ويحيى الفخراني إلى منى زكي وسمية الخشاب وحنان ترك إلا أنني حزين لأن صوتنا الفني أصبح خافتا وأصبحنا نسجل غيابا عن المهرجانات الفنية العربية ومشاركاتنا في المسابقات باجتهادات فردية وغالباً ما يكون مصيرها الفشل! وقد توقفت الأغنية السودانية عند محطة سيد خليفة (المامبو السوداني) في الساحة العربية رغم أن الكلمات الشعرية السودانية تكاد تتفوق على كثير من الأشعار التي تردد في الفضائيات العربية ولكننا نحتاج إلى أن نقدم أنفسنا إلى الآخرين والحكمة الاثيرة تقول (الانسان عدو ما يجهله). الابداع السوداني إذا وجد المساحة والزمن والاهتمام يمكن أن ينفذ خارج الحيطان الأربعة أسألوا روضة الحاج التي كانت لها تجربة مهمة قدمت أشعارنا وكلماتنا إلى الساحة العربية في طبق من ذهب ومازلت أذكر كلام أعضاء لجنة تحكيم مسابقة أمير لاشعراء عن روضة الحاج ودهشتهم عندما قدمت روضة الحاج قصيدتها (بلاغ امرأة عربية). وكأنهم يستغربون أن هذا الابداع يأتي من السودان ومعذرون فهم لا يعرفون أن بلدنا هو بلد الابداع ولم يسمعوا كلمات نزار قباني عندما زار الخرطوم (في السودان أما أن تكون شاعراً أو عاطلاً عن العمل). نحتاج أن نعلن عن أنفسنا وابداعنا وأن ننظم مؤسسات وبرامج لرعاية النجوم ونطور البرامج الموجودة عندنا مثل برنامج نجوم الغد الذي يقدمه بابكر صديق وهو برنامج مهم لتقديم النجوم ولكنه يحتاج إلى اعادة صياغة فالقصة ليست أن تأتي بشباب خام ليغنوا على الهواء ويسمعوا بعض النصائح النظرية من لجنة تحكيم تقليدية بعضهم داخل اللجنة ينظر للفن وكأنه فيزياء أو كيمياء! وأزمة بابكر الصديق التي سنعود إليها باستفاضة أنه يقدم هؤلاء الشباب (خام)!! فيظلمهم ويظلم المشاهد!! ان الفنون أصبحت سفارة شعبية وحتى الدول الخليجية المحافظة مثل السعودية والكويت أصبحت تعتمد على الفنون ولا تخلو مسابقة غنائية من مشاركة فنية من السعودية، ونحن نكتفي بالغياب وبعض الأكاديميين عندنا في كلية الموسيقى يكتفون بالتنظير الذي لم يقدمنا ولا خطوة وحتى على المستوى الافريقي فإن الأغنية السودانية تراجعت كثيراً بعد أن كانت إلى وقت قريب تحتل مكانة مؤثرة في منطقة الحزام السوداني (المنطقة من اثيوبيا إلى نواكشوط). رغم هذا الواقع المظلم إلا انني أؤمن بالمثل الأثير (ان توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام)، المطلوب رؤية جديدة لتقديم الثقافة السودانية رؤية تعتمد على أسلوب علمي جماعي لأن الاجتهادات الفردية ما عادت تنفع في عالم اليوم. لابد من منظومة تخطط ومنظومة للتنفيذ ومنظومة لخلق التواصل المنشود مع العالم الخارج. ان التنوع الثقافي الموجود في السودان يمكن أن يكون هو الشفرة السحرية في هذا التواصل وأهم من ذلك هو الحوار الايجابي الذي يعني الاعتراف بالآخر ومقدراته الثقافية في الوقت الذي يعترف فيه الآخر بثقافاتنا. مبروك لكارمن سليمان هذا الفوز المستحق، وشكراً لها ان جعلت فوزها يذكرنا بمكانة الفنون والثقافة الوطنية السودانية في العالم العربي والافريقي ويدعو للتأمل!!